في أوائل التسعينيات، اختارت غالبية الجزائريين التصويت لصالح الجبهة الإسلامية للإنقاذ الأصولية، التي انتهت باكتساح معظم البلديات والولايات. وتشجع الإسلاميون وبدأوا يفكرون في حشد كل السلطات وتغيير طبيعة البلاد إلى دولة إسلامية وجعل الشريعة هي قانون البلاد.
وأدى هذا الخيار الانتحاري إلى حرب مدمرة استمرت عقدا كاملا، قُتل خلالها 200 ألف جزائري على أيدي من اختارهم الجزائريون أنفسهم.
وعلى الرغم من الفظائع اللاإنسانية التي ارتكبها الإسلاميون في تلك الحرب، بما في ذلك القتل واختطاف النساء وحرق المحاصيل وغيرها من أشكال الوحشية، فإن الجزائريين لم يستخلصوا قط الاستنتاجات الصحيحة من اختيارهم. والآن، يبدو أن بعضهم يبذل كل ما في وسعه لإعادة جبهة الإنقاذ الإجرامية المحظورة إلى الحظيرة مرة أخرى. ليس هذا فحسب، بل إن المؤشرات تشير إلى أن الجزائريين قد يسلمون أغلبية أصواتهم لهذا الحزب الإرهابي إذا شارك في الانتخابات المقبلة.
وفي مكان غير بعيد عن الجزائر، صوت التونسيون، أو بالأحرى أغلبيتهم، لصالح حزب النهضة بعد عام 2011. وأدى فوز الحزب الإسلامي إلى انهيار قطاع السياحة، حيث تجنب الغربيون البلاد. وأدى هذا الانتحار الانتخابي إلى هروب رأس المال خوفا مما قد يحمله الغد. وارتفعت معدلات البطالة وانتشر اليأس مع دخول تونس عقداً مظلماً.
وفي مصر أيضاً صوتت الأغلبية في الانتخابات التشريعية والرئاسية لصالح جماعة الإخوان المسلمين المغامرة. وكادت البلاد أن تنهار وتنتحر لولا المبادرة التي قامت بها النخبة لإنقاذها من كارثة الإسلاميين في اللحظة الأخيرة. ولا تزال الجماهير المصرية متأثرة ببعض الشخصيات الإخوانية التي تحاول الانتحار مرة أخرى، على أمل أن يشن الجيش المصري حربا ضد إسرائيل دعما لحركة حماس التابعة للإخوان المسلمين.
أينما تجري انتخابات في منطقتنا، فإن الجماهير لا تبحث عن الحاكم المناسب. ويبحثون بدلاً من ذلك عن الحاكم الذي سينتقم منهم، فليكن.
لقد صوت الجزائريون لصالح الجبهة الإسلامية للإنقاذ، وهم يعلمون أنه لا يوجد لديها حل لمشاكل البلاد. وصوتوا لعلي بلحاج وعباسي مدني للانتقام من حزب جبهة التحرير الوطني الذي حكم البلاد لمدة 30 عاما.
والأمر نفسه ينطبق على المصريين والتونسيين الذين صوتوا للإخوان من أجل الانتقام من حسني مبارك وأبنائه، ومن زين العابدين بن علي وحاشيته، وهم يعلمون أن لا النهضة قادر على حل مشاكل تونس، ولا النهضة قادرة على حل مشاكل تونس. الإخوان المسلمون قادرون على حل مشاكل مصر.
لقد سلم الفلسطينيون في غزة مصيرهم إلى حركة حماس التابعة لجماعة الإخوان المسلمين، والتي عاثت فساداً في القطاع طيلة ستة عشر عاماً، ثم نفذت عملية “طوفان الأقصى” في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، فتسببت في دمار شامل للسكان المدنيين. وإذا صدقنا نتائج الاستطلاع الذي أجراه “المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية” في رام الله، فإنهم مستمرون في دعم حماس. وقد تزايد الدعم لحماس في الضفة الغربية بمقدار ثلاثة أضعاف مقارنة بما كان عليه قبل الحرب، في حين أن 90% من سكان غزة يرغبون في استقالة الرئيس محمود عباس.
كما أظهر الاستطلاع أن 60% من الفلسطينيين الذين شملهم الاستطلاع يعتقدون أن “المقاومة هي أفضل وسيلة لإنهاء الاحتلال”. ويعتقد ما لا يقل عن 82% في الضفة الغربية و57% في غزة أن قرار مهاجمة إسرائيل كان مبرراً. أما بالنسبة لمسألة من سيحكم غزة بعد الحرب، فقد عبر 60% (75% من الضفة الغربية و38% من غزة) عن تفضيلهم لتولي حماس مقاليد السلطة.
هناك تباين كبير في الدعم لحماس بين سكان غزة وسكان الضفة الغربية، حيث أن شعبية حماس أعلى بكثير في الضفة الغربية منها في غزة. كيف يمكن أن نفسر هذا؟
وكما كان الحال مع الجزائريين والتونسيين والمصريين الذين صوتوا من أجل الانتقام، فإن غالبية الفلسطينيين يبحثون عن من ينتقم لهم، وليس من يجد الحلول لمشاكلهم. ألا يريد سكان الضفة الغربية الانتقام من المستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية ومن السلطة الفلسطينية؟
ومن المؤسف أن تصبح حياة الناس رخيصة بحجة الاستشهاد في سبيل الله والوطن. والأدهى من ذلك أن لا يستشهد إلا الفقراء بينما يشيد القادة الذين نصبوا أنفسهم بعدد القتلى ويصفونهم بالشهداء، وكأن الشهادة هي مصير المستضعفين وحدهم.
وهل تقديم الشهداء بأعداد كبيرة سيحل المشاكل ويحرر الأمم؟ متى تبدأ شعوبنا بتقديس الحياة بدلاً من الموت؟ متى نتوقف عن الحلم بانتصار بعيد المنال؟