جنيف
أصرت الولايات المتحدة يوم الاثنين على أنها ستمضي قدما في عقد محادثات وقف إطلاق النار هذا الأسبوع بشأن الصراع المدمر في السودان، حتى لو لم تحضر الحكومة السودانية.
اندلعت الحرب منذ أبريل/نيسان 2023 بين الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع شبه العسكرية بقيادة نائبه السابق محمد حمدان دقلو.
وتأتي المحادثات التي توسطت فيها الولايات المتحدة في سويسرا في وقت وصلت فيه السودان إلى “نقطة انهيار” كارثية، وفقا للأمم المتحدة، مع وجود عشرات الآلاف من الوفيات التي كان من الممكن منعها بسبب الأزمات المتعددة التي تفاقمت بسبب الصراع.
ودعت الولايات المتحدة الشهر الماضي الأطراف المتحاربة في السودان إلى محادثات وقف إطلاق النار التي تستضيفها بالاشتراك مع المملكة العربية السعودية وسويسرا.
ومن المقرر أن تبدأ المحادثات، في مكان لم يكشف عنه في سويسرا، يوم الأربعاء وقد تستمر لمدة تصل إلى عشرة أيام.
وفي حين قبلت قوات الدعم السريع بسرعة الدعوة الأميركية، فإن الحكومة السودانية التابعة للجيش لم تؤكد عزمها الانضمام.
وقال توم بيرييلو المبعوث الأمريكي الخاص إلى السودان إن “قوات الدعم السريع أعطت موافقة غير مشروطة للمشاركة”.
“كانت لدينا اتصالات واسعة النطاق مع القوات المسلحة السودانية، ولكنها لم تعطنا تأكيدًا بعد” بشأن القدوم إلى سويسرا.
وقال بيرييلو في مؤتمر صحفي في البعثة الأميركية في جنيف: “سنمضي قدما بهذا الحدث هذا الأسبوع، وقد أوضحنا ذلك للأطراف”.
وقال إنه “لا يمكن أن تكون هناك وساطة رسمية بين الطرفين إذا لم تحضر القوات المسلحة السودانية، وفي هذه الحالة نستمر في التركيز على العناصر الدولية والفنية”.
“إن هذا التجمع الضخم للخبراء هو بمثابة خطوة كبيرة إلى الأمام. وإذا غيرت القوات المسلحة السودانية رأيها ورغبت في المشاركة، فسوف نتمكن حينئذ من الحصول على هذا المكون الوسيط”.
قال وزير المعادن السوداني محمد أبو نمو، رئيس الوفد، الأحد، إن المحادثات التي جرت في الأيام الأخيرة في السعودية بين وفد سوداني ووسطاء أميركيين بشأن شروط مشاركة الحكومة انتهت “دون اتفاق”.
وأضافت الحكومة السودانية أن هناك حاجة إلى “مزيد من المناقشات” للانضمام إلى مفاوضات وقف إطلاق النار.
وفي كلمة مسجلة يوم الاثنين، أكد قائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو مشاركة قواته في المحادثات، كما أعلن عن قوة جديدة لحماية المدنيين.
وقال إن “البلاد تعيش حالة من الانهيار بسبب الحرب الحالية، ما تسبب في حالة كبيرة من عدم الاستقرار الأمني والفوضى”، مشيرا إلى أن قواته منهكة في قتال “المجرمين المارقين”.
قال رئيس أركان الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان إن تصرفات قوات الدعم السريع، وخاصة احتلالها للمناطق المدنية على الرغم من الاتفاقات التي تم التوصل إليها العام الماضي، هي السبب وراء تحفظات الجيش على الاجتماع في سويسرا.
وبعد اجتماع مع بيرييلو في السعودية نهاية الأسبوع، أوصى الوفد السوداني أيضاً بعدم المشاركة.
وبين التفسيرات المتضاربة لرفضها الحضور، يرى الخبراء أن هناك أسبابا دبلوماسية وعسكرية.
وعلى الصعيد الدبلوماسي، لا يبدو أن الجيش السوداني تأثر بالدعوات الأميركية غير الرسمية. وكان رد فعله ليختلف لو أن الضغوط التي مورست عليه لحضور المحادثات لم تأتِ من مستوى السفراء بل من البيت الأبيض مباشرة، كما يقول المحللون.
وتقول عدة مصادر عسكرية وسياسية قريبة من الجيش إن موقفه يهدف أيضًا إلى الحفاظ على وحدته داخليًا ومع الجماعات المتمردة السابقة التي تقود الدفاع عن الفاشر ضد قوات الدعم السريع.
وقالت المصادر إن بعض الفصائل تنظر إلى الحرب باعتبارها معركة وجودية وتسعى إلى تحقيق نصر حاسم، في حين يريد آخرون على الأقل أن يروا الجيش يأخذ اليد العليا قبل المفاوضات.
وفي هذا السياق، يُنظر إلى البرهان على أنه ينتظر الوقت المناسب بينما ينتظر تحسنًا بعيد المنال في الحظوظ العسكرية.
نجح أنصار الرئيس السابق عمر البشير داخل الجيش وخارجه في الدفع ضد أي محادثات تستبعدهم من طاولة المفاوضات.
وقال وزير الإعلام السوداني جراهام عبد القادر إن الحكومة السودانية “ترفض أي مراقبين أو مشاركين جدد”، خاصة بعد أن “أصرت واشنطن على مشاركة الإمارات العربية المتحدة بصفة مراقب”. ورفض المبعوث الأمريكي الحجة.
وقال بيرييلو: “إن وجود مصر والإمارات العربية المتحدة على الطاولة يعد أداة محتملة بالغة الأهمية لضمان ليس فقط وجود اتفاق على الورق … بل يمكن أن يصبحا بمثابة ضامنين”.
وقال إن المحادثات ستركز على وقف الأعمال العدائية وحماية المدنيين والوصول الإنساني.
وقال المبعوث إن هذا ليس المكان المناسب للحوار السياسي، الذي من شأنه أن “يهدر ساعات وساعات على أشياء لا علاقة لها على الإطلاق بإنهاء العنف”.
وتأتي المحادثات في الوقت الذي قالت فيه وكالة الهجرة التابعة للأمم المتحدة إن السودان على شفا الهاوية، حيث أضيفت المجاعة والفيضانات إلى قائمة الأزمات في البلاد.
وقال عثمان بلبيسي، مدير المنظمة الدولية للهجرة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: “بدون استجابة عالمية فورية وواسعة النطاق ومنسقة، فإننا نخاطر بمشاهدة عشرات الآلاف من الوفيات التي يمكن منعها في الأشهر المقبلة. نحن عند نقطة الانهيار، نقطة انهيار كارثية”.
وأسفر الصراع عن مقتل عشرات الآلاف، وفقا للأمم المتحدة.
وقالت المنظمة الدولية للهجرة إن الأرقام الجديدة أظهرت أن أكثر من 10.7 مليون شخص نازح داخليا في السودان، حيث نزح العديد منهم عدة مرات.
وفي الوقت نفسه فرّ 2.3 مليون شخص عبر الحدود إلى البلدان المجاورة.
وقالت رئيسة الصليب الأحمر ميريانا سبولياريتش إنها تأمل أن تسفر المحادثات عن اتفاقيات من شأنها إطلاق العنان لزيادة المساعدات الإنسانية والوصول إلى المجتمعات الهشة.
ودعا رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر إلى “اتخاذ خطوات إنسانية ملموسة للغاية من شأنها أن تساعد في بناء الثقة، وستساعد في إزالة بعض العقبات الفورية أمام التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار”.
وقال متحدث باسم أنطونيو غوتيريش إن الأمين العام للأمم المتحدة يريد “وقفا فوريا للأعمال العدائية ووقفا دائما لإطلاق النار”.
وقال المتحدث “إنه يحث الأطراف على العودة إلى الحوار السياسي باعتباره الطريق الوحيد للتوصل إلى تسوية تفاوضية”.
