إن سلسلة جبال الجبل الأخضر في عُمان ليست مجرد وجهة؛ بل إنها تجربة غامرة تنسج الطبيعة والتاريخ والثقافة في نسيج خلاب. وبينما كنت أصعد الطريق المتعرج، انكشف أمامي عالم من اللون الأخضر الزمردي والطين الأحمر، واعدًا بالهروب من المألوف. حمل هواء الجبل المنعش شعورًا بالترقب الذي زاد فقط عندما اقتربت من منتجع أنانتارا الجبل الأخضر المهيب، وهو المكان الذي أثار فضولي وإحساسي بالدهشة.
يقع المنتجع على قمة الجبل، ويوفر ملاذًا لا مثيل له من الجمال. كانت غرفتي بمثابة إطار لتحفة فنية حية، مع إطلالات بانورامية تتغير مع تغير الضوء. بينما كنت أتطلع إلى الخارج، لم أستطع إلا أن أتأمل حياة أسلافي الذين أطلقوا على هذه الأرض الوعرة ذات يوم موطنًا لهم. اسم “أخضر”، الذي يعني اللون الأخضر، هو شهادة على مرونتهم وإبداعهم في زراعة الحياة وسط البيئة القاسية.
وإلى جانب الفخامة التي يتسم بها المنتجع، فإن التراث الغني للمنطقة يغريك بالزيارة. فالجبال تشهد بصمت على قرون من التاريخ، من أوقات السلم إلى فترات الصراع. وكل حجر يهمس بحكايات الماضي، ويجسد السكان المحليون روح أسلافهم. ويشكل تقليد إنتاج زيت الزيتون، الذي يدافع عنه البطل المحلي محمد الريامي، الذي فاز بجائزة أفضل زيت زيتون في العالم، مثالاً ساطعاً على هذه الروح الدائمة. وتضفي أشجار الرمان، المليئة بالفواكه التي تشبه الياقوت، لوناً نابضاً بالحياة على المناظر الطبيعية.
حتى الجوز المتواضع كان يحمل مفاجأة. فبينما كنت أستمتع بمذاقه الفريد، علمت أن هذه المكسرات كانت كنزًا محليًا يتم حصاده سنويًا. وقد أضافت مثل هذه الاكتشافات الصغيرة عمقًا إلى تقديري للجبل.
في المنتجع، زرت المكان الذي وقفت فيه الأميرة ديانا ذات يوم. وكان المكان بمثابة تذكير مؤثر بسحر الجبل وقدرته على جذب القلوب في جميع أنحاء العالم. وقد شاركني موظفو الفندق قصصًا عن عدد لا يحصى من الزوار الذين انجذبوا إلى هذا المكان، تكريمًا للأميرة الحبيبة.
لقد امتدت رحلتي إلى ما هو أبعد من المنتجع حيث قمت بجولة في القرى المجاورة. وقد استقبلني هناك لطف وضيافة لا مثيل لهما. وكان الغداء العماني التقليدي الذي تم إعداده في تنور (موقد تحت الأرض) من أبرز ما تناولته في المطبخ. وكانت الوجبة المشتركة أكثر من مجرد طعام؛ بل كانت جسراً لفهم الثقافة المحلية. وبعد الغداء الذي لا يُنسى ودفء الضيافة، اصطحبني أفراد الأسرة المحلية في جولة عبر حديقتهم الصغيرة الفريدة، حيث تعلمت وتذوقت العسل المنتج على أرضهم، والذي كان يتمتع بنضارة لم أذقها من قبل.
كما جربت الوصفة المحلية من الرمان مع الجوز والعسل مع رشة من زيت الزيتون، وهو معروف بقدرته على الحفاظ على الصحة البدنية والعقلية للإنسان. وقد استخدم هذا المزيج منذ 100 عام لتقوية الإنسان ولا يزال يستهلك حتى اليوم. وأخيراً، انتهت تلك التجربة بالعلاج بالروائح؛ حيث استنشقت رائحة عطر الورد المستخرج من أنقى أنواع الورود المزروعة في الجبل.
عندما رسمت الشمس السماء بظلال من اللونين الذهبي والأرجواني، أدركت أن الجبل الأخضر هو مكان يظل عالقًا في القلب لفترة طويلة بعد رحيلك. إنه مكان يتباطأ فيه الوقت، مما يسمح لك بالاتصال بالطبيعة والتاريخ والروح الدافئة للشعب العماني. كل ركن يكشف عن قصة جديدة، وكل لحظة هي ذكرى ثمينة تنتظر أن تُصنع.
الجبل الأخضر ليس مجرد وجهة؛ بل هو تجربة تحويلية تترك علامة لا تمحى على الروح، وتلهم منظورًا جديدًا واتصالًا أعمق بالطبيعة والثقافة.