Connect with us

Hi, what are you looking for?

اخر الاخبار

ما فشل بيرنز ومور في إخبارنا به

من الصعب تخمين السبب الذي دفع رئيس وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه)، ويليام بيرنز، ورئيس جهاز الاستخبارات البريطاني (إم آي 6)، ريتشارد مور، إلى اختيار كتابة مقال رأي مشترك في صحيفة فاينانشال تايمز، ثم الظهور مع الصحافيين في ما يسمى مهرجان “فاينانشال تايمز ويك إند” في لندن.

إن المقال والظهور العام المشترك أمران غير مسبوقين في عالم الجواسيس، وعادة ما يرتبطان بالأسرار والأنشطة السرية أكثر من ارتباطهما بالتصريحات والكشف العلني.

لا شك أن ظهورهما المشترك يشكل تذكيراً بمدى عمق “العلاقة الخاصة” بين الولايات المتحدة وبريطانيا، الدولتين اللتين خاضتا معاً كل الحروب في التاريخ الحديث، باستثناء امتناع بريطانيا عن المشاركة في حرب فيتنام.

من الصعب أن نقول إلى أي مدى كان المقصود من هذا الظهور أن يكون حدثاً للعلاقات العامة وإلى أي مدى كان دافعه غرضاً أبعد مدى. ومن المرجح أن الدول العميقة في كلا البلدين أرادت إعادة تأكيد دور وكالات التجسس كمؤسسات قوية وليس مجرد أدوات استخباراتية توفر الغطاء للزعماء السياسيين، كما كانت الحال مع قضية أسلحة الدمار الشامل العراقية قبل عقدين من الزمان.

ربما لم يكن الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش ورئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير من نوع الزعماء الشعبويين الذين سيطروا على السياسة في وقت لاحق، لكن صورة الدولة القائمة وأدواتها المتجذرة، وخاصة المؤسسات الأمنية والاستخباراتية، اهتزت أكثر بعد حقبة بوش وبلير، عندما وصل زعماء مثل الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب ورئيس الوزراء البريطاني السابق بوريس جونسون إلى السلطة.

في ذلك الوقت، بدا أن كل أجهزة الدولة أصبحت عُرضة لتقلبات مزاج هؤلاء الزعماء الشعبويين. وكانت أجهزة الاستخبارات على وجه الخصوص، التي تحميها السرية، في احتياج إلى تعزيز مصداقيتها. ولكن للأسف، لم تكن هناك وسيلة سهلة لتعزيز الثقة في هذه الأجهزة التي يعتمد عملها على السرية. لذا كان الحل هو الخروج من العالم السري ومواجهة أنظار الجمهور.

إن ما يهمنا هنا بشكل خاص مما قاله رئيسا الاستخبارات الأميركية والبريطانية هو ما يتعلق بالشرق الأوسط وإيران. ولكن قبل التطرق إلى ما قيل عن المنطقة، من الضروري الإشارة إلى ما اعتبره كل من بيرنز ومور التهديد الأخطر في صعود الصين كقوة عالمية ذات قدرات هائلة، الأمر الذي يتطلب تخصيص 20% من ميزانيات أجهزة الاستخبارات والقدرات البشرية لها. وبعد ذلك، هناك خطر إشعال روسيا حريقاً في محيطها أو استفزازها للانفجار من تلقاء نفسها.

وفي كلتا الحالتين، فإن النتيجة ستكون كارثية. وينبع تقييم رئيسي المخابرات على الأقل جزئياً من اعتبار الرئيس فلاديمير بوتن عضواً “سابقاً” في مهنتهما.

لا يُعرف عن ضباط الاستخبارات عادة أنهم يتخلون بسهولة عن أهدافهم. وكان بوتن يستحق تدقيقاً خاصاً في الماضي، ولكنه لم يتلقه. وبسبب هذا الخلل الاستخباراتي، يواجه العالم اليوم حرباً مستعرة في أوكرانيا.

إن بيرنز ومور، اللذان يرأسان اليوم أهم وكالتي استخبارات غربيتين، هما دبلوماسيان وسياسيان. ولكن ما يميزهما أكثر من أي شيء آخر هو معرفتهما الواسعة بالشرق الأوسط. ولو كانا دبلوماسيين فقط، لكان من المتوقع منهما أن يتهربا من محاولة تفسير الموقف في الشرق الأوسط اليوم. فالدبلوماسي يستطيع أن يجد تفسيرات عديدة لا تلزمه بشيء، في حين ينتقي السياسي بشكل انتقائي الأدلة التي تدعم حججه ويتجاهل بقية الأدلة. ولكن ضابط الاستخبارات لا يملك خياراً سوى الاعتراف بما حدث. ولكن هذه ليست الطريقة التي تعامل بها رئيسا وكالتي الاستخبارات مع القضايا المطروحة أمامهما.

ولم تكن المنطقة لتصل إلى حالتها المضطربة الحالية لولا فشل السياسات الغربية وتذبذبها وتهاونها في التعامل مع إيران، إن لم يكن معاملتها المواتية لطهران في بعض الأحيان.

لقد تمكنت إيران من الاستفادة من الإخفاقات الغربية ومن كل حالة من حالات التردد الدولي أو الإقليمي.

وعندما خلف انسحاب قوات منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان فراغاً في أعقاب الغزو الإسرائيلي، حرصت إيران على أن يملأ حزب الله هذا الفراغ. وقد فعلت ذلك على مرأى ومسمع الغرب حتى برغم أنها كانت غارقة في حربها مع العراق. كما دعمت إيران حزب الله من خلال إرهاب اللبنانيين، وتخويف مشاة البحرية الأميركية، والتواطؤ مع القوات السورية، والاستفادة من غياب الاستجابة العربية، وتحويل وكيلها اللبناني في نهاية المطاف إلى قوة رئيسية في المنطقة.

لقد برزت حالتان أخريان من الفراغ في اليمن وسوريا نتيجة لظروف أو نتيجة جزئية لأفعال إيرانية. وقد مكنت هذه العوامل طهران من ضمان وجود استراتيجي في أماكن لم تحلم قط بأن يكون لها موطئ قدم فيها. وما كانت طهران لتكون حاضرة في العراق، جوهرة النفوذ الإيراني في المنطقة، لولا غزو العراق من قبل الغرب والولايات المتحدة على وجه الخصوص، ولولا نوع الإدارة التي خضع لها العراق بعد سقوط نظام صدام حسين، والتي جعلت الأمور أسوأ.

وما حدث في العراق على وجه الخصوص يدفع العديد من العرب إلى الاعتقاد بأن كل ذلك كان جزءاً من خطة أميركية إيرانية مشتركة.

لقد استفادت إيران من الواقع الطائفي في لبنان، ثم في اليمن وسوريا والعراق. ولكنها خلقت مع بعض الفصائل الفلسطينية علاقة ولاء تتجاوز الاعتبارات الطائفية. واستغلت إيران الشيعية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني للعبور بسهولة إلى حماس السنية، أي جماعة الإخوان المسلمين.

من الصعب على محللي وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية وجهاز الاستخبارات البريطاني أن ينكروا أن التطورات التي كانت تتكشف أمام أعينهم في غزة كانت تشير إلى وجود مؤشرات كافية على أن كل هذا لن يؤدي إلا إلى النتيجة المعروفة باسم “طوفان الأقصى”.

ولم يكن هناك سبب آخر لبناء كل تلك الأنفاق وإطلاق حماس للصواريخ من غزة نحو أهداف في إسرائيل مرات عديدة، فيما بدا وكأنه تدريبات تمهيدية للحرب التي اندلعت في نهاية المطاف في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.

إن رؤساء أجهزة الاستخبارات الكبرى في العالم لا يستطيعون الحديث عن الحقائق المعقدة في الشرق الأوسط ومخاطرها الكامنة، في حين يتجاهلون حقيقة مفادها أن بلدانهم كانت لها يد في تشكيل هذه الحقائق وتعقيداتها ذاتها. وكانت هناك تدخلات غربية لصالح إيران في كل أزمة. وما حدث في العراق هو أوضح مثال على عملية انتقال السلطة المنظمة.

فهل كان الغرب يجهل وصول الصواريخ والطائرات الإيرانية إلى حزب الله وحماس والحوثيين عندما يتحدث عن مخاطر انتشار هذه الأسلحة والتهديد الذي تشكله على الأمن الإقليمي والملاحة البحرية؟

هل من الصعب أن نفهم أن مقاطعة الغرب للفلسطينيين قد تركتهم بين سلطة عاجزة في الضفة الغربية وسيطرة حماس المدعومة من إيران بشكل كامل في غزة؟

لقد جلس بيرنز عدة مرات أثناء مفاوضات الهدنة مع وسطاء قطريين ومصريين في محاولة لإقناع إسرائيل وحماس بضرورة التوصل إلى هدنة. فهل كان لديه أدنى شك في أنه كان يتفاوض مع إيران في واقع الأمر؟

ولكن ما هو التهديد الذي يشكله توسع الصراع الإقليمي الأوسع الذي يتحدث عنه بيرنز ومور بخلاف التهديد الذي ساعدت بلدانهما والغرب بشكل عام في خلقه من خلال منح إيران فرصة الاستفادة من الشك؟

يقال إن القصص الخيالية التي يرويها الناس متشابهة في كثير من الأحيان. فكثيراً ما تجلس الجدات ليروين لأحفادهن قصصاً عن ذئب شرير كبير. وهي قصص مليئة بالإثارة والخوف، ولكن الجدات يقصونها على الأطفال لغرس نوع معين من الوعي في نفوسهم. جلست الجدتان بيرنز ومور في وسط لندن تحاولان بث الخوف في نفوسنا من الذئب الإيراني الشرير الكبير الذي تكشف عيناه عن نوايا شريرة.

اضف تعليقك

اترك تعليقك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

الخليج

استقبل الآباء في الإمارات العربية المتحدة بتفاؤل حذر الخطوة التي اتخذتها شركة التكنولوجيا العملاقة Meta لإطلاق حسابات للمراهقين تتمتع بالخصوصية والضوابط الأبوية. أعلنت شركة...

دولي

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يلتقي رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي في كييف، أوكرانيا، في 23 أغسطس 2024. وقال أحد عشر مسؤولا حكوميا هنديا وأوروبيا...

اقتصاد

زوار يشاهدون شاحنة فولكس فاجن ترانسبورتر الجديدة، وهي شاحنة كهربائية بالكامل، في معرض الشاحنات الدولي في هانوفر بألمانيا يوم الأربعاء. — رويترز قال وزير...

منوعات

الصورة: ملف KT مريم، عاملة منزلية إندونيسية، تقطعت بها السبل في الإمارات العربية المتحدة دون إمكانية الوصول إلى المرافق الطبية الأساسية أو رحلات البقالة...

اخر الاخبار

قالت إسرائيل إنها قصفت حزب الله اللبناني، بعد ساعات من تعهد زعيم الجماعة بالانتقام من الانفجارات القاتلة التي استهدفت أجهزة الاتصالات التابعة للجماعة، مما...

الخليج

الصور: تم توفيرها تزور ماديسون مارش، ملكة جمال أمريكا 2024 وطيار القوات الجوية الأمريكية، الإمارات العربية المتحدة في مهمتها لكسر الصور النمطية المحيطة بالمرأة...

دولي

الصورة: رويترز وقد ألقى بعض اللبنانيين المذعورين بنوك الطاقة، أو ناموا مع هواتفهم المحمولة في غرفة أخرى، بعد تفجير الأجهزة المحمولة التي يستخدمها عناصر...

اقتصاد

تحتل خمس من شركات الوساطة في مركز دبي المالي العالمي مرتبة بين أكبر 10 شركات وساطة بين المتعاملين على مستوى العالم من حيث الحجم....