ماذا لو علمت أن حتى المعالجين المحترفين لا يستطيعون في كثير من الأحيان التمييز بين العلاج المدعوم بالذكاء الاصطناعي والعلاج الذي يجريه شخص حقيقي؟
وهذا بالضبط ما توصلت إليه دراسة جديدة. فقد بحثت دراسة نشرت في المجلة الدولية للتفاعل بين الإنسان والحاسوب كيف يقيّم المتخصصون في الصحة العقلية المحادثات بين المعالجين وروبوتات الدردشة التي تعمل بالذكاء الاصطناعي. وكانت النصوص العلاجية محدودة بعدد قليل من التفاعلات وتعكس المراحل المبكرة من العلاج، حيث يعد الاستماع النشط مبدأ أساسيا.
توصلت نتائج الدراسة متعددة التخصصات إلى أن المعالجين النفسيين لم يتمكنوا من التمييز بشكل موثوق بين نصوص الجلسات البشرية مع الذكاء الاصطناعي والجلسات بين البشر. في الواقع، كانت دقتهم حوالي 53.9% فقط من الوقت، وهو ما يعد في الأساس مجرد تخمين. والأمر الأكثر إثارة للاهتمام هو أن المعالجين النفسيين صنفوا محادثات روبوتات الدردشة مع الذكاء الاصطناعي على أنها ذات جودة أعلى في المتوسط.
تشير هذه النتائج إلى أن روبوتات الدردشة التي تعمل بالذكاء الاصطناعي قد تكون أكثر فعالية مما كنا نعتقد سابقًا.
محمد أمين كحيل
وكان الدكتور جاستن توماس، عالم النفس في برنامج الرفاهية الرقمية، سينك، في مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي، إثراء، أحد المشاركين في المشروع. وأشار إلى أن “هذا لا يتعلق باستبدال البشر؛ بل يتعلق بتعزيز الوصول. ومن الضروري ألا يصبح إدخال الذكاء الاصطناعي مجرد تمرين لخفض التكاليف. بل ينبغي أن يتعلق بتحسين الجودة وتوسيع الوصول. الصحة العقلية قضية ضخمة في جميع أنحاء العالم الحديث، ونحن بحاجة إلى القيام بعمل أفضل، وليس مجرد وضع علامة في مربع”.
وفي المناطق التي تلعب فيها الحساسية الثقافية دوراً هاماً في رعاية الصحة العقلية، يصبح التمييز بين الذكاء الاصطناعي والمعالجين البشريين أكثر أهمية.
وقال المؤلف المشارك محمد أمين كحيل، الأستاذ المشارك في كلية الابتكار التكنولوجي بجامعة زايد في أبو ظبي: “إن التمييز بين الذكاء الاصطناعي والعلاج البشري أمر بالغ الأهمية في هذه المنطقة لأن من المتوقع أن يقدم المعالجون رعاية حساسة ثقافيًا”. “وبالتالي، عندما يعرف العملاء مصدر العلاج، يمكنهم اتخاذ قرار مستنير بناءً على راحتهم. قد يفضلون العلاج البشري لأن البشر يفهمون المعايير الثقافية مقارنة بالذكاء الاصطناعي”. كما ردد مؤلفون مشاركون آخرون، الدكتور التركي والدكتور الخليفة والدكتور الشردان من جامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن بالرياض، المملكة العربية السعودية، هذا الشعور.
تعد الحساسية الثقافية عنصرًا أساسيًا في الرعاية الصحية النفسية الفعّالة، وخاصة في دولة الإمارات العربية المتحدة. ومن المتوقع أن يكون لدى المعالجين فهم للعادات والقيم المحلية.
وبعد أن لاحظت الدكتورة نوال يوسف، وهي طبيبة تبلغ من العمر 25 عامًا، هذه الفجوة في السوق، أنشأت تطبيقًا للرعاية الصحية العقلية قائمًا على الإيمان أثناء دراستها في كينجز كوليدج لندن. يستخدم التطبيق، المسمى Fitra Health، نسخة مبسطة من الذكاء الاصطناعي. ويستند إلى أنظمة قائمة على القواعد/أنظمة قائمة على الخبراء تعالج مدخلات المستخدم وتقدم توصيات مخصصة. ويعتمد دعم المستخدمين على القصص الإسلامية والقدوة والاقتباسات القرآنية، الممزوجة بالعلاج السلوكي المعرفي والعلاج بالتنشيط السلوكي.
محمد أمين كحيل
“لتطوير تطبيق Fitra Health، تعاوننا مع خبراء إسلاميين يقومون بمراجعة كافة المحتويات الدينية. ويضمن هذا التعاون أن يظل تطبيقنا أصيلاً ومحترمًا للتعاليم الإسلامية”، كما قال الدكتور يوسف. “توصي أداة التنشيط السلوكي في تطبيقنا بممارسات إسلامية محددة مثل تلاوة الأدعية والصلوات والمشاركة في الأعمال الخيرية كجزء من خطة العلاج. تتوافق هذه الأنشطة مع القيم الإسلامية وتعزز الصحة العقلية، وتحترم التفضيلات الثقافية والدينية لمستخدمينا”.
فازت تطبيق Fitra Health بجائزة أفضل ملصق بحثي في مؤتمر أبوظبي الرابع للصحة النفسية المتكاملة الذي استضافته شركة أبوظبي للخدمات الصحية – صحة. وقد صنف المستخدمون التطبيق على أنه أفضل من الاستشارة الشخصية، في بعض الحالات، حيث لا تتوفر الرعاية الحساسة ثقافيًا.
وقد لجأت أمل بركة، 24 عاماً، إلى التطبيق عندما عانت من أعراض الاكتئاب لعدة أشهر أثناء دراستها في كلية الطب. وشعرت بالخزي والوصمة التي لا تزال مرتبطة بالصحة العقلية، لذلك اختارت طلب المشورة بدلاً من التوجيه من زعيم ديني. ولكن عندما ذهبت إلى المركز الصحي التابع لجامعتها البريطانية، شعرت وكأنها “اجتماع متسرع، ولم يفهموني تمامًا”.
في تلك اللحظة، تعرفت على تطبيق Fitra Health، وجربت برنامج العلاج السلوكي المعرفي القائم على الإيمان والموجه ذاتيًا والذي يستمر لمدة ثمانية أسابيع. “لقد أعجبت بالتطبيق الذي تعامل مع الصحة العقلية بطريقة شاملة من خلال معالجة الأعراض الطبية والمعتقدات الروحية والدينية. يسلط تطبيق Fitra Health الضوء على كيفية مواجهة النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) للمصاعب، ويقدم دروسًا قيمة. من خلال هذه
“لقد توقفت عن الاعتقاد بأن معاناتي كانت عقابًا من الله، بفضل القصص وأدوات العلاج السلوكي المعرفي والواجبات المنزلية الأسبوعية. إنه عمل قيد التقدم، لكنني أعتقد أنني في مكان أفضل بكثير عقليًا وروحيًا”.
وأوضح الدكتور توماس أنه على الرغم من أن برامج المحادثة التي تعمل بالذكاء الاصطناعي قد تكون مفيدة، فمن الضروري أن يعرف الناس كيف تعمل هذه التكنولوجيا. “إن برامج المحادثة التي تعمل بالذكاء الاصطناعي ليست كائنات مهتمة أو رحيمة. إنها أداة، مدرب رقمي يمكن أن يساعدك على التنفيس عن غضبك أو دفعك إلى التفكير في الأشياء بطريقة مختلفة. إن معرفة الذكاء الاصطناعي في هذا الصدد أمر أساسي، وكذلك السياسات والتشريعات التي تضمن الذكاء الاصطناعي الأخلاقي”.
وعلى الرغم من أن الذكاء الاصطناعي قد لا يحل محل المعالجين البشريين بشكل كامل، فإن قدرته على توفير رعاية صحية نفسية متاحة وحساسة ثقافيا لا يمكن إنكارها. وفي الأماكن التي يصعب فيها العثور على المعالجين البشريين أو حيث تكون تكاليفهم باهظة، قد يكون الذكاء الاصطناعي أداة حاسمة في تقديم الدعم لأولئك الذين هم في أمس الحاجة إليه.
قال الدكتور توماس: “قد نرى دائمًا أن برامج المحادثة التي تعمل بالذكاء الاصطناعي تأتي في المرتبة الثانية من حيث الأفضلية، ولكن في كثير من الحالات، يكون أي شيء أفضل من لا شيء”.
