الجزائر –
رفض الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، في لقاء تلفزيوني، فكرة الزيارة إلى فرنسا التي تم تأجيلها مرارا منذ مايو 2023.
وقال: “لن أذهب إلى كانوسا”، مستعيراً عبارة من المستشار الألماني بسمارك تعني الذهاب وطلب المغفرة.
ويشير كلام الزعيم الجزائري إلى أن تطبيع العلاقات بين البلدين ليس وشيكا، خاصة في ظل التقارب بين باريس والرباط، بعد إعلان قصر الإليزيه دعمه للمبادرة المغربية لحل نزاع الصحراء الغربية.
وألغى الرئيس الجزائري الزيارة التي كانت مقررة نهاية الشهر الماضي أو بداية الشهر الجاري إلى فرنسا، ردا على تقلب الموقف الفرنسي بشأن عدد من القضايا والملفات المشتركة بين البلدين، لتعود العلاقات الثنائية. إلى المربع الأول.
وسبق أن قال تبون إنه لن يتوجه إلى فرنسا لمجرد السياحة، رافضا أي إجراء شكلي من شأنه التغطية على طبيعة الملفات العالقة والمشاكل المتراكمة بين البلدين.
“كانوسا” حادثة تاريخية حدثت في القرن الحادي عشر في قلعة كانوسا الإيطالية، حيث كانت تمارس طقوس الذل والمهانة، حيث اضطر الإمبراطور هنري الرابع للذهاب إلى قلعة كانوسا وقضاء ثلاثة أيام في ظروف صعبة من أجل مقابلة البابا غريغوريوس واستعادة السيطرة على مملكته.
وكانت الجزائر قد أعلنت قبل عدة أشهر عن زيارة تبون إلى فرنسا نهاية سبتمبر/أيلول أو بداية أكتوبر/تشرين الأول، حتى قبل إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية، وكان يعتقد أن الرسائل الإيجابية التي بعث بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ستكون بمثابة المساهمة في إذابة الجليد بين البلدين.
وكان ماكرون من بين أوائل زعماء العالم الذين هنأوا تبون على إعادة انتخابه وأرسل مستشاره الخاص إلى الجزائر، إضافة إلى تصريح أعرب فيه الرئيس الفرنسي عن رغبته في تسوية ملف التاريخ والذاكرة المشتركة بين البلدين. حتى في ذروة التوترات.
يبدو أن العلاقات الجزائرية الفرنسية تتجه نحو مزيد من التوتر والبرود، خاصة في ظل نية الجزائر إبقاء منصب سفيرها شاغرا منذ استدعاء الدبلوماسي المحنك سعيد موسي في يوليو/تموز الماضي عقب موافقة ماكرون على مخطط الحكم الذاتي المغربي في الصحراء الغربية.
وتطرق تبون في المقابلة التلفزيونية بحزم إلى التوترات المستمرة مع فرنسا، قائلا إن الجزائر لن ترضخ للضغوط المتعلقة بالخلافات التاريخية والسياسية. وتحدث عن القضايا الرئيسية، بما في ذلك زيارة الدولة المؤجلة إلى فرنسا، والذاكرة التاريخية وموقف فرنسا بشأن الصحراء الغربية.
كما تناول الرئيس الجزائري تعثر عمل اللجنة الجزائرية الفرنسية المشتركة حول القضايا التاريخية. وأشار إلى أنه رغم أن اللجنة أحرزت تقدما في البداية، إلا أنها خرجت عن مسارها منذ ذلك الحين بسبب “التصريحات السياسية التي أدلت بها أقلية فرنسية تحمل الكراهية تجاه الجزائر”.
وأكد تبون مجددا مطالبة الجزائر بالاعتراف بالفظائع التي ارتكبت خلال الحكم الاستعماري الفرنسي، بما في ذلك المجازر التي لا تزال تطارد الذاكرة الجماعية للشعب الجزائري. وأكد “أننا نطالب بالحقيقة التاريخية والاعتراف بالمجازر التي ارتكبها الاستعمار الفرنسي”، مضيفا أن الجزائر “لن تقبل الأكاذيب التي نسجها تاريخنا”.
كما تناول تبون الجدل الدائر حول الاتفاق الثنائي لعام 1968 الذي ينظم حركة الأشخاص بين الجزائر وفرنسا، وهو الاتفاق الذي أصبح موضوع جدل ساخن في الخطاب السياسي الفرنسي.
ورفض تبون الاتفاق ووصفه بأنه “شعار سياسي” يستخدمه المتطرفون في فرنسا لتحريض المشاعر المعادية للجزائر.
إن اتفاق 1968 هو عبارة عن قوقعة فارغة، وراية يتجمع خلفها المتطرفون. وقال تبون: “ليس لها أي تأثير حقيقي على الهجرة أو الأمن الفرنسي”، مشيرًا إلى أن الاتفاقية تمت مراجعتها عدة مرات وليس لها أي وزن كبير في العلاقات المعاصرة. وأدان كذلك “أقلية العنصريين” في فرنسا الذين يديمون روايات كاذبة لتأجيج الكراهية ضد الجزائر، مشيرا إلى أن “60 بالمائة من الجزائريين في فرنسا يحملون جنسية مزدوجة”.
كما انتهز تبون الفرصة للفت الانتباه إلى الإرث الاستعماري الفرنسي الذي لم تتم معالجته، ولا سيما العواقب المدمرة للتجارب النووية التي أجرتها فرنسا في المناطق الجنوبية بالجزائر.
“إن القضايا الخطيرة هي مسؤولية فرنسا عن التجارب النووية التي لا تزال تحصد أرواحاً في جنوب الجزائر. هذه هي الأمور الحقيقية التي يجب معالجتها، وليس النقاش الزائف حول اتفاقيات 1968”.
وردا على سؤال حول منظمة البريكس، قال الرئيس الجزائري: “في الوقت الحالي، لا نخطط للانضمام إلى هذه المنظمة، ومصلحتنا تكمن في الانضمام إلى بنك البريكس، الذي لا يقل أهمية عن البنك الدولي”.
وفيما يتعلق باتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، كشف الرئيس الجزائري أنه سيتم تنقيحها “ابتداء من سنة 2025”، مؤكدا أن هذه المراجعة، التي أصبحت الآن “ضرورية”، سيتم تنفيذها “بمرونة وبروح ودية”. دون الدخول في صراع مع الاتحاد الأوروبي”.
ثم دعا إلى “إصلاح شامل” لمنظومة الأمم المتحدة ومجلس الأمن، فضلا عن استخدام حق النقض، مشددا على ضرورة منح المزيد من الصلاحيات للجمعية العامة للأمم المتحدة.
وأعرب في هذا الصدد عن أسفه لغياب القانون الدولي حيث يسود قانون الأقوى.