نواشوط –
زار الفريق الجزائري سعيد شنقريحة موريتانيا هذا الأسبوع والتقى بالفريق مختار بالله شعبان بهدف تعزيز التعاون وتوسيع النفوذ في المنطقة.
وقال خبراء لصحيفة “العرب ويكلي” إن زيارة شنقريحة تعكس قلقًا مشتركًا بشأن التهديدات الصادرة من منطقة الساحل والوضع المتوتر في الدول المجاورة.
ومنطقة الساحل هي منطقة شبه قاحلة تقع في غرب وشمال وسط أفريقيا وتمتد من السنغال شرقا إلى السودان، وهي منطقة صراع تعمل فيها العصابات الإجرامية بمختلف أنواعها والجماعات الإرهابية المتطرفة، مستغلة انعدام السيطرة والنظام في البلدان. المنطقة للتجول بحرية عبر أراضيها وحدودها التي يسهل اختراقها.
وزيارة شنقريحة هي الأولى التي يقوم بها مسؤول عسكري جزائري بهذه الرتبة إلى نواكشوط، مما يمثل تطورا هاما، مباشرة بعد بعض التوترات الدبلوماسية بين الجزائر وموريتانيا.
وقالت وزارة الدفاع الوطني الجزائرية في بيان رسمي إن زيارة شنقريحة إلى موريتانيا جاءت بدعوة من الفريق مختار بالله شعبان رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الموريتانية.
وأضافت الوزارة أن هذه الزيارة كانت فرصة للجانبين لبحث القضايا ذات الاهتمام المشترك.
واندلع التوتر الدبلوماسي مؤخرا بين البلدين بعد أن اتهمت الجزائر موريتانيا بإقامة علاقات عسكرية مع حلف شمال الأطلسي (الناتو)، إثر زيارات عسكرية متبادلة في إطار سياسات التعاون العسكري.
وبحسب الخبراء، فإن زيارة شنقريحة مهمة على صعيد التحديات العسكرية والأمنية التي تواجه الجزائر، خاصة بعد الخلاف السياسي بين الجزائر وبعض دول الساحل، بما في ذلك مالي والنيجر وبوركينا فاسو، حيث وصلت الطغمات العسكرية إلى السلطة مؤخرا.
وسبق أن أعلنت مالي، على سبيل المثال، انتهاء اتفاق المصالحة الوطنية الذي ترعاه الجزائر منذ 2015، وأدرجت الأمة العربية ضمن قائمة الدول التي لا ينصح بالتعاون معها، كما هو الحال مع فرنسا والولايات المتحدة، الأمر الذي أدى إلى أزمة سياسية خطيرة.
ومع ذلك، فقد عملت دولة أخرى في المنطقة، وهي النيجر، على التقارب السياسي مع الجزائر في وقت سابق من هذا العام، وهو ما تجلى في الزيارة التي قام بها إلى الجزائر رئيس وزراء النيجر محمد لامين زين، جنبا إلى جنب مع نائب رئيس المجلس الوطني لحماية حقوق الإنسان. مالي ساليفو مودي.
وأشار خبراء تحدثوا لـ”العرب ويكلي”، إلى أن قيادتي المؤسستين العسكريتين في الجزائر وموريتانيا تريدان استباق أي فلتان أمني في المنطقة، خاصة مع اندلاع مواجهات عسكرية في مالي حيث يوجد مسلحون أزواد (طوارق). وتواجه فصائل الجيش المالي، مسنوداً بمجموعة فاغنر الروسية، الممتدة إلى الحدود الجزائرية.
وبحسب مصادر موريتانية، فإن الاتصالات بين الجزائر وموريتانيا لا تهدف إلى استعداء المغرب، إذ ترفض نواكشوط الخضوع لدولة أخرى، وهو ما أثبتته في الماضي برفضها حضور الاجتماع المغاربي الثلاثي الذي ضم الجزائر وتونس وليبيا. معتبراً إياها خطوة نحو تدمير اتحاد المغرب العربي.
وأشارت مصادر رسمية إلى أن موريتانيا دولة مغاربية مستقلة وذات سيادة، وتعرف حجمها ولا يمكن أن تكون أداة في يد أي دولة إقليمية ضد أخرى.
وشهدت العلاقات الجزائرية الموريتانية خلال السنوات القليلة الماضية تطورا ملحوظا، حيث تم التوقيع على العديد من اتفاقيات التعاون التجاري والاقتصادي وفتح معبر حدودي لتسهيل التبادل التجاري وحرية تنقل الأفراد، بالإضافة إلى إطلاق معبر حدودي. مشروع الطريق السريع الذي يربط تندوف في الجزائر، بمدينة الزويرات في موريتانيا، والذي يعتبر ممرا مهما للجزائر إلى أسواق غرب إفريقيا.
ويشكل الشريط الحدودي المشترك الذي يبلغ طوله 460 كيلومترا بين البلدين تحديات أمنية كبيرة لجيشي البلدين، خاصة وأنهما الجهة المؤثرة في كل دولة. وبالإضافة إلى انتشار شبكات الهجرة غير الشرعية، تعتبر المنطقة أيضًا منطقة أساسية لحركة ونشاط الجماعات المسلحة، سواء الجهادية أو عصابات التهريب أو تجار المواد المحظورة.
وكانت الجزائر أدرجت المعبر الحدودي بين البلدين ضمن شبكة المناطق الحرة التي تعتزم فتحها مع دول مجاورة منها النيجر وليبيا وتونس ومالي، قبل أن يتدهور الوضع السياسي والأمني في باماكو. كما تأمل الجزائر في تفعيل وتنظيم التبادل التجاري لمواجهة التهريب الذي أضعف اقتصادات المنطقة، خاصة من خلال التعامل في السلع الاستهلاكية المدعومة من الخزينة العمومية.
وفي السنوات الأخيرة، أصبحت موريتانيا نقطة عبور للمهاجرين غير الشرعيين القادمين من دول أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وخاصة من مالي، الفارين من النزاعات المسلحة والأزمات الاقتصادية.
وبحسب الإحصائيات الرسمية، تستضيف البلاد أكثر من 150 ألف مهاجر، معظمهم فروا من الحرب في شمال مالي، مما يشكل عبئا اقتصاديا واجتماعيا على موريتانيا.
وتقول الأمم المتحدة إن عدد المهاجرين من دول الساحل في موريتانيا قفز من 57 ألف مهاجر عام 2019 إلى أكثر من 112 ألف عام 2023.
وتواجه الجزائر نفس المشكلة خاصة في مدن وبلدات الجنوب، وهو ما يشكل هاجسا أمنيا مشتركا بين البلدين، حيث تستغل الهجرة غير الشرعية من قبل جهات معينة تسعى إلى زعزعة استقرار دول المنطقة.
وذكر مسؤول موريتاني أن “المحادثات العسكرية الجزائرية الموريتانية مهمة من حيث التحديات العسكرية والأمنية التي تعيشها الجزائر، خاصة بعد التوتر الذي حدث بين الجزائر وحكام مالي الجدد وكذلك حكام النيجر، فضلا عن” الجزائر ليس لها بوابة إلى المنطقة غير تونس”.
وحسمت الجزائر وموريتانيا خلافاتهما لأسباب أمنية، بعد خلاف حاد اندلع عام 2016 إثر تشكيل وحدة عسكرية مشتركة بين دول مجموعة الساحل الخمس (بوركينا فاسو ومالي والنيجر والجزائر وموريتانيا) أمنية وعسكرية. التنسيق لمكافحة الإرهاب في المنطقة. وتم لاحقا استبعاد الجزائر من هذه المبادرة التي انطلقت في موريتانيا.
ثم، في نهاية العام نفسه، استؤنف الحوار العسكري بين نواشوط والجزائر العاصمة، بفضل الوساطة التونسية، بحسب ما نقلته وسائل إعلام موريتانية آنذاك.