قد يكون الإعلان عن استئناف الخطوط الجوية السورية رحلاتها بين دمشق وجدة خبراً عادياً بالنسبة للبعض، لكنه يمثل بالنسبة للاجئين السوريين خطوة إيجابية نحو تطبيع العلاقات بين سوريا والسعودية، وهي خطوة قد تفتح الباب أمام دمشق لتطبيع العلاقات. مع دول عربية أخرى.
ومن شأن هذه النتيجة أن تعزز فرص الاستقرار في سوريا والمنطقة.
لكن هذه الخطوة لن تساعد سوريا على تحقيق أولويتها القصوى: التطبيع الشامل بين السوريين أنفسهم.
كان اندلاع القتال في سوريا عام 2011 بمثابة نقطة تحول مأساوية في تاريخ البلاد. وتحولت الاحتجاجات المطالبة بالإصلاحات السياسية تدريجياً إلى صراع مسلح، أدى إلى تدمير البنية التحتية وتشريد الملايين.
تحولت المنازل التي كانت تؤوي العائلات إلى أنقاض، والمدارس التي كانت تمتلئ بأصوات الأطفال أصبحت مباني فارغة، والمستشفيات التي كانت تعالج المرضى أصبحت أهدافاً للقصف.
على الرغم من أن اللجوء إلى البلدان المجاورة وأوروبا كان بمثابة شريان حياة للكثيرين، إلا أن التحديات لم تنتهي عند هذا الحد بالنسبة لمعظم الناس.
واجه اللاجئون السوريون صعوبات كبيرة في التكيف مع حياتهم الجديدة، والتي شملت تعلم لغة جديدة، والعثور على عمل، والتكيف مع الثقافات المختلفة. وعلى الرغم من الدعم الذي تقدمه بعض الحكومات والمنظمات الإنسانية، لا يزال العديد من اللاجئين يواجهون ظروفاً صعبة، ويعانون من الفقر والبطالة والتمييز.
وعلى الرغم من النجاح الذي حققه بعض اللاجئين، إلا أن الحلم الأكبر للكثيرين يظل العودة إلى ديارهم. العودة إلى سوريا التي يعرفونها، سوريا التي كانت وطنهم الآمن المسالم. لكن هذا الحلم يبقى معلقاً في ظل الصراع الدائر وغياب الحل السياسي الذي يضمن عودتهم الآمنة والكريمة.
غالباً ما يتشوق اللاجئون لأي خبر، مهما كان صغيراً، يحيي أملهم في العودة إلى وطنهم، خاصة مع التطورات الأخيرة التي تظهر تحول اللاجئين إلى قنبلة موقوتة تهدد استقرار بعض دول المنطقة وحتى في أوروبا لعدم وجود سكن دائم لهم. الحلول.
العودة إلى الوطن حلم يراود الكثير من السوريين الذين اضطروا للنزوح والبحث عن ملجأ خارج حدود بلادهم بسبب الحرب. ولكن للمساعدة في تحقيق هذا الحلم، تحتاج دمشق إلى اتخاذ خطوات جادة لبناء الثقة مع النازحين السوريين. ويجب أن تكون هناك ضمانات حقيقية لسلامتهم وحقوقهم، والأهم من ذلك، أن يشعروا بالترحاب في وطنهم دون خوف من الانتقام أو الاعتقال.
وللتغلب على المرحلة الحساسة الحالية، ستحتاج دمشق إلى نفوذها الدبلوماسي الكامل. ويجب أن تكون هناك جهود دبلوماسية مكثفة لإعادة بناء العلاقات مع الدول العربية، وفي الوقت نفسه، يجب أن تكون هناك جهود موازية لبناء الثقة بين الشعب السوري نفسه. ويجب أن تكون هذه الجهود شاملة وتضمن كافة جوانب الحياة في سوريا، من الأمن إلى الاقتصاد إلى التعليم والصحة.
وبطبيعة الحال، لا يتوقع المرء عودة اللاجئين السوريين إلى ديارهم على الفور. قد يختار عدد كبير من اللاجئين زيارة سوريا كل عام أولاً. والاستقرار هناك قد يشجعهم على الاستثمار وبدء المشاريع والمساهمة في التنمية الاقتصادية.
ومهما كان جوهر الرسالة الدبلوماسية التي يرسلها استئناف الرحلات الجوية بين دمشق وجدة، فإن الهدف الأهم بالنسبة للسوريين يجب أن يكون أن يتمكنوا من التطبيع مع أنفسهم.
ويجب أن يشعر السوريون بأنهم جزء من عملية إعادة الإعمار وأن لهم دوراً في مستقبل بلدهم.
ويجب على دمشق كسب ثقة النازحين والمغتربين السوريين وتشجيعهم على العودة إلى ديارهم. وهذا يتطلب جهودا دبلوماسية مكثفة وإرادة سياسية حقيقية. لتحقيق المصالحة وبناء مستقبل أفضل لجميع السوريين، فإن التطبيع مع الذات هو أول الأولويات.