الجزائر –
أجرى الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون زيارة عمل إلى موريتانيا، هي الأولى له منذ انتخابه لولاية ثانية في سبتمبر الماضي، في مسعى الجزائر لكسر عزلتها في ظل التطورات الدبلوماسية التي تشهدها المنطقة.
وتعد زيارة تبون إلى نواكشوط هي الأولى لرئيس جزائري إلى موريتانيا منذ 37 عاما، بعد زيارة الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد عام 1987.
ويقول مراقبون إن ذلك يأتي في وقت أصبح فيه المجال الدبلوماسي للجزائر غير مريح، حيث تقتصر العلاقات الإقليمية على عدد قليل جدا من الدول، من بينها تونس.
ومع وصول تبون إلى نواكشوط، كانت التوترات تتصاعد في المنطقة، مع ظهور اضطرابات في منطقة الساحل وأنظمة جديدة ترفض أي وصاية أو تدخل من الدول المجاورة أو غيرها.
لقد أثرت مقاومة التدخل الأجنبي على الدول ذات الروابط التاريخية بما في ذلك فرنسا. وهذا عامل جديد أربك الجزائر التي لا تزال تعتقد أن ثقلها الجغرافي يؤثر على منطقة الساحل. لقد فشلت الجزائر في تطوير دبلوماسيتها لحشد الدعم الفعال في المنطقة.
كما أن الجزائر منعزلة أو تتمتع بعلاقات فاترة مع العواصم الإقليمية والدولية، وهو ما ينبع جزئياً من ماضيها الاستعماري المرير ونزاعاتها التاريخية. وقد بنتها السلطات الجزائرية على مبدأ “اختلفوا ستعرفون”، بدلا من السعي لبناء الثقة مع الدول الإفريقية المجاورة وخاصة العربية.
وموريتانيا، التي يزورها الرئيس الجزائري لإظهار أن بلاده ليست معزولة وما زالت تمتلك شركاء، كانت هي نفسها تجتذب الاهتمام والاستثمار الدوليين باستخدام الدبلوماسية الهادئة.
وتتناقض سياسات موريتانيا مع نهج المواجهة الذي تتبعه الجزائر والذي أدى إلى زيادة التوترات مع الشركاء التقليديين والدول المجاورة.
ولدى وصوله، أجرى تبون لقاءً خاصًا مع نظيره الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني في صالون الشرف بمطار نواكشوط الدولي يوم الاثنين.
وذكرت وسائل الإعلام الرسمية الجزائرية أن محادثاتهما أبرزت الشراكة الاستراتيجية بين الجزائر وموريتانيا، مما يعكس الالتزام المشترك بتعزيز التعاون في القضايا الإقليمية والقارية الرئيسية.
وخلال زيارته لنواكشوط، كان تبون يحضر أيضا المؤتمر القاري للتعليم والشباب وقابلية التشغيل، وهو حدث تاريخي يهدف إلى معالجة التحديات الحاسمة التي تواجه أفريقيا في تنمية رأس المال البشري.
وسعى الرئيس الجزائري إلى إنشاء هيكل مغاربي مواز على حساب اتحاد المغرب العربي المحتضر حاليا. لكن جهوده لضم موريتانيا وليبيا وتونس إلى خطته لم تؤت ثمارها بعد.
ومع ذلك، واصلت الجزائر تطوير علاقاتها الاقتصادية مع دول المغرب العربي الأخرى، ولو على مستوى الحد الأدنى.
وقد تم تعزيز تقاربها مع موريتانيا من خلال العديد من الاتفاقيات والمشاريع المشتركة، مثل الطريق البري الذي يربط بين تندوف والزويرات.
وتظهر البيانات الرسمية أن العلاقات الاقتصادية الموريتانية الجزائرية تطورت بشكل ملحوظ خلال السنوات الثلاث الماضية، حيث أصبحت الجزائر الشريك الأفريقي الرائد لموريتانيا، وقفزت التجارة من حوالي 300 مليون دولار في عام 2022 إلى 414 مليون دولار في عام 2023.
يرى خبراء اقتصاديون جزائريون أن العلاقات الموريتانية تشهد زخما متزايدا حيث أدى عدد من مشاريع البنية التحتية إلى تحفيز تدفق الاستثمارات والتكامل الاقتصادي بين البلدين.
ويستشهد الخبراء بعدة مشاريع مثل افتتاح فرع للبنك الجزائري في موريتانيا، وتدشين أول معبر حدودي يربط بين البلدين، والطريق البري على مسافة أكثر من 800 كيلومتر، بالإضافة إلى دوريات أمنية مشتركة مزمعة. لخلق جو من الطمأنينة والاستقرار.
وتحدثت وسائل إعلام موريتانية عن زيارة تبون قائلة إن “موريتانيا والجزائر دولتان جارتان وتواجهان نفس التحديات، بما في ذلك التحديات الأمنية، وأن المسؤولين في البلدين أصبحوا مقتنعين في السنوات الأخيرة بأن التنسيق والتحالف الاستراتيجي بين البلدين أصبح ضرورة”. “.
وورد أن زيارة تبون لها “طابع إقليمي مهم، نظرا لموقع البلدين ودورهما في إفريقيا ومنطقة الساحل على وجه الخصوص، التي تعتبر من المناطق الإفريقية التي تتعارض فيها الأجندات الدولية”.
وكان نائب وزير الدفاع الجزائري ورئيس أركان الجيش الفريق أول سعيد شنقريحة قد زار موريتانيا في أكتوبر الماضي وعقد سلسلة لقاءات ومشاورات مع مسؤولين عسكريين ومدنيين في نواكشوط. وأسفرت تلك الزيارة عن حزمة من الاتفاقيات، أهمها التخطيط لتسيير دوريات عسكرية وأمنية مشتركة على طول الحدود، لتعزيز التبادل التجاري والاقتصادي وتأمين الحدود.
وأجبرت المواجهات العنيفة التي تندلع بين الحين والآخر بين الجيش المالي مدعما بقوات فاغنر الروسية ومسلحي أزواد قرب حدود موريتانيا والجزائر، الحكومتين على التنسيق بشكل مكثف بشأن القضايا الإقليمية لتجنب أي خطر قد يمس استقرارهما. .