طرابلس
حذرت الأمم المتحدة من أن جهود المصالحة الوطنية في ليبيا قد تم تقويضها بسبب التسييس واستبعاد أصحاب المصلحة الرئيسيين، حيث يتلاعب القادة السياسيون المتنافسون بالعملية لصالحهم.
وقالت مراجعة استراتيجية للأمم المتحدة قدمت إلى مجلس الأمن إن المنافسة السياسية همشت مجموعات مهمة بما في ذلك النساء والشباب والمجتمعات غير العربية والمجتمع المدني وممثلي الضحايا. إن النتائج بمثابة إدانة واضحة لكيفية التعامل مع إحدى أهم أولويات ليبيا، وهي المصالحة الشاملة والفعالة.
وحدد التقرير هذا الاستبعاد كسبب أساسي لدوامات العنف والمظالم والإفلات من العقاب المتكررة في البلاد. كما سلط الضوء على فشل المسار السياسي في بناء عقد اجتماعي جديد بعد أكثر من عقد من انتفاضة العام 2011.
ووفقاً للأمم المتحدة، فقد أدت الثروة النفطية الهائلة في ليبيا إلى استمرار حالة الشلل الحالية، مما سمح للبلاد بتجنب الانهيار المؤسسي حتى مع التآكل الحاد لنزاهة وفعالية هيئاتها الاقتصادية والرقابية. وفي الوقت نفسه، تمكنت السلطات المتنافسة في الشرق والغرب من تأمين إيرادات موازية لتمويل إداراتها.
وفصلت المراجعة الخلافات القيادية التي أصابت البنك المركزي والمؤسسة الوطنية للنفط وديوان المحاسبة بالشلل، حيث تتنافس الجهات السياسية والمسلحة المتنافسة على السيطرة على الموارد. تفتقر ليبيا إلى ميزانية وطنية موحدة منذ عام 2014، مما أجبر كلاً من حكومة الوحدة الوطنية ومقرها طرابلس والسلطات الشرقية على الاعتماد على تدفقات الإيرادات البديلة والتحويلات من البنك المركزي.
أعربت الأمم المتحدة عن قلقها الشديد بشأن التوقعات الاقتصادية لليبيا، حيث أفادت أنه في الربع الأول من عام 2025 وحده، وصل عجز العملة الأجنبية في البلاد إلى 4.6 مليار دولار، وهو ما يعادل تقريبًا العجز البالغ 5.2 مليار دولار المسجل في عام 2024 بأكمله. وقد أثار تخفيض قيمة الدينار المركزي لاحقًا مخاوف من أن استقرار الاقتصاد الكلي الهش في البلاد قد ينهار أكثر، مما يؤدي إلى تعميق الانقسامات القائمة.
وقال التقرير إن غياب عملية مصالحة شاملة وقائمة على الحقوق أدى إلى إدامة حالة عدم الاستقرار، مع حدوث اعتقالات واحتجازات تعسفية، بما في ذلك لأعضاء المجتمع المدني والشخصيات السياسية، وتقلص المساحة المدنية مما يقوض آفاق السلام المستدام. وأدى انتشار خطاب الكراهية والتطرف على وسائل التواصل الاجتماعي إلى زيادة الاستقطاب.
ورغم أن الترتيبات المؤقتة بين الجهات الفاعلة الرئيسية منعت حتى الآن العودة إلى القتال على نطاق واسع، فإن التنافس على السيطرة على الموارد والمؤسسات لا يزال يهدد تماسك الدولة. وحذرت الأمم المتحدة من أن هذا قد يدفع ليبيا إلى حافة الانهيار ويزيد من خطر تجدد الصراع.
كما سلط التقرير الضوء على غياب نموذج حوكمة متماسك يربط بين السلطة المركزية والمحلية. تعمل المجالس البلدية بموارد محدودة وغالباً ما تكون غير قادرة على توفير الخدمات العامة الأساسية.
وقالت الأمم المتحدة إن سيادة القانون لا تزال تحت ضغط شديد. ويتم توثيق انتهاكات القانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان من قبل قوات الأمن ووكالات إنفاذ القانون والجماعات المسلحة بشكل منهجي. وتشير الهجمات على القضاة والمدعين العامين والمحامين، إلى جانب انتهاكات الإجراءات القانونية الواجبة والإجراءات التي تقوض استقلال القضاء، إلى تدهور خطير في الضمانات القانونية.
وخلص التقرير إلى أن العدالة والمساءلة لا تزال بعيدة المنال بالنسبة للعديد من ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، بما في ذلك المتضررين من الفظائع في مرزق في عام 2019 وترهونة بين عامي 2013 و2022.
إن معدل البطالة بين الشباب، الذي يبلغ حوالي 50 بالمائة، يترك الكثيرين، وخاصة الرجال، عرضة للتجنيد من قبل الجماعات المسلحة والشبكات الإجرامية. وعلى الرغم من الضمانات القانونية للمساواة بين الجنسين، تواجه المرأة تمييزا بنيويا عميقا، مع انخفاض مشاركتها في العمل، وانخفاض أجورها، ومحدودية قدرتها على الوصول إلى الأراضي والممتلكات. ولا تزال المرأة ممثلة تمثيلا ناقصا إلى حد كبير في صنع القرار والحياة السياسية، مما يضعف الجهود الرامية إلى تحقيق الحكم الشامل والسلام الدائم.
ودعت الأمم المتحدة إلى عملية سياسية متجددة بقيادة الأمم المتحدة وبدعم من المجتمع الدولي لاستعادة مسار موثوق به نحو ليبيا موحدة ومستقرة في ظل مؤسسات شرعية.
وحذر التقرير من أنه بدون هذه العملية، من المرجح أن يتفاقم الانقسام الفعلي للبلاد، مما يؤدي إلى تسارع الاتجاهات السلبية، وفي أسوأ السيناريوهات، يؤدي إلى الانزلاق مرة أخرى إلى صراع مسلح واسع النطاق، وهو ما يعكس مدى هشاشة الوضع الحالي.