المسكات عنب طيب الشذا
تبرز المكتبات في عمان كركائز للثقافة الوطنية، حيث تحمي تاريخ البلاد وتعزز المعرفة والهوية والشعور بالانتماء. وإدراكًا للدور الحاسم للكتب والمكتبات في نشر التعلم، استثمرت السلطنة في مجموعة واسعة من المؤسسات، بدءًا من مكتبة عمان الوطنية والمكتبات العامة وحتى المكتبات الخاصة والرقمية، لضمان مواكبة الوصول إلى المعرفة لعصر المعلومات.
واليوم، تلعب المكتبات العمانية دورًا مركزيًا في الحفاظ على التراث الفكري، وتشجيع القراءة، ودعم البحث الأكاديمي، وتعزيز الحوار الثقافي. وهي بمثابة جسور تربط ماضي الأمة بحاضرها ومستقبلها.
ويوضح المشرف على مشروع المكتبة الوطنية موسى المفرجي أن مهمة المكتبة هي الحفاظ على جميع أشكال الإنتاج الفكري العماني من المطبوعات إلى الأعمال الرقمية، وبالتالي الحفاظ على ذاكرة البلاد وتعزيز الهوية الثقافية. تقوم المكتبة بجمع وتنظيم وإتاحة مجموعة كاملة من المنح الدراسية العمانية، بما في ذلك المنشورات الحكومية والرسائل الأكاديمية وسجلات المؤتمرات والندوات التي تركز على عمان.
وفي محاولة لتعزيز الهوية والشعور بالانتماء لدى الأجيال الشابة، تقوم المكتبة الوطنية بإنشاء مكتبة مخصصة للأطفال في مبنى منفصل، مليئة بالكتب والألعاب التعليمية والموارد المصممة لغرس حب القراءة منذ سن مبكرة.
كما ستوفر المكتبة مرافق بحثية متخصصة، من بينها قاعات للعلماء، وأقسام للمخطوطات والكتب النادرة، ودراسات عن عمان والجزيرة العربية، وقسم مخصص لحياة سلاطين عمان وأئمتها، إلى جانب الخدمات المرجعية للموسوعات والموارد الأخرى.
كما تساهم المكتبات الجامعية في تعزيز ثقافة القراءة والبحث.
وأشار رئيس قسم تسويق المعلومات بجامعة السلطان قابوس حمود البوسعيدي إلى أن الجامعة تدعم الطلاب والأكاديميين والموظفين بأكثر من أربعة ملايين رسالة رقمية وأكثر من 500 ألف كتاب مطبوع وإلكتروني و45 ألف مجلة إلكترونية واشتراكات في قواعد البيانات الدولية في تخصصات متعددة. ومن خلال توفير هذه البيئة والوصول إلى الموارد، تعمل المكتبة على تنمية الوعي بالتراث الثقافي والإسلامي بين مجتمعات الجامعة.
ويضيف البوسعيدي أن المكتبة تعمل بشكل نشط على تعزيز ثقافة القراءة من خلال الفعاليات والأنشطة المتخصصة واعتماد التقنيات الرقمية التي تسهل الوصول إلى المعرفة، مع توثيق التراث الثقافي العماني والحفاظ عليه من خلال دعم المؤلفين المحليين والإنتاج الفكري.
وتعزز الشبكة العمانية للبحث والتعليم (OMREN)، بقيادة منير البطاشي، هذه الجهود من خلال ربط المؤسسات التعليمية والبحثية بشبكات المعرفة العالمية، ودعم النظام البيئي للبحث والابتكار في البلاد بما يتماشى مع رؤية عمان 2040. تعمل OMREN على تقوية الرابط بين المعرفة الأكاديمية والنشاط الثقافي، وتسهيل الوصول إلى الإنتاج الفكري العماني مع تمكين التعاون وتبادل المعرفة عبر التخصصات.
كما تحافظ المكتبات على التراث الإعلامي لعُمان. وتشير وردة بنت حسن اللواتية، رئيسة المكتبة الثقافية بوزارة الإعلام، إلى أن المكتبة تضم الصحف التاريخية والدوريات النادرة، بالإضافة إلى النصوص التأسيسية العمانية والعربية، لتكون بمثابة مرجع للباحثين والجمهور الأوسع المهتم بالإعلام والثقافة والمعرفة.
كما تساهم المراكز الثقافية في الحفاظ على التراث العماني والهوية الوطنية. ويسلط خميس بن راشد العدوي، مدير منتدى نزوى الثقافي في بهلاء، الضوء على مبادرات مثل جمع المخطوطات والتاريخ الشفهي من الشيوخ وتوثيق المطبوعات التاريخية. ويقوم المركز أيضًا بتجميع موسوعة لأسماء العمانيين البارزين، تشمل السلاطين والعلماء والمستكشفين وغيرهم من الشخصيات، مع توفير الموارد التعليمية للأطفال.
وتلعب المكتبات الخاصة أيضًا دورًا حاسمًا في تعزيز ثقافة القراءة وهويتها. وتؤكد مريم بنت علي القمشوية صاحبة مكتبة الثعلب الأحمر أن المكتبات تحول القراءة من مهارة إلى تجربة تثري الحياة وتربط الأطفال بالمعرفة وتعزز الاعتزاز بالتراث العماني.
وفي عصر العولمة والرقمنة، تتحمل المكتبات والناشرون مسؤولية أكبر لحماية الهوية الثقافية، وإنشاء أعمال تعكس بيئة عمان وتراثها مع ربط القراء والكتاب العمانيين بالعالم العربي الأوسع. وتضمن هذه المؤسسات استمرار الحضور الثقافي العماني عبر الأجيال وإحداث صدى على الساحة الإقليمية.