يمثل التقرير الجديد للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش حول قضية الصحراء تحولا دقيقا ولكنه مهم في كيفية رؤية المجتمع الدولي لهذه المسألة التي طال أمدها. ومن خلال توصية مجلس الأمن بتمديد ولاية بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية لمدة عام آخر، فإن غوتيريش لا يجدد مهمة حفظ السلام فحسب، بل إنه في الواقع يعترف باستقرار المغرب ومصداقيته وشعوره بالمسؤولية في إدارة الصراع الموروث من قرن آخر.
لقد اختار المغرب، منذ سنوات، طريقا واضحا وثابتا: مسار الاقتراح السياسي الواقعي، المرتكز على القانون الدولي والشرعية التاريخية، المتجسد في مخطط الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية. وهذه المبادرة، التي وصفها مجلس الأمن نفسه بأنها “جدية وذات مصداقية”، أصبحت الآن الإطار الوحيد القابل للتطبيق للتوصل إلى حل سياسي دائم ومقبول من الطرفين.
المشهد الدبلوماسي يتحدث عن نفسه. تدعم العديد من الدول الآن بشكل علني خطة الحكم الذاتي المغربية. وفي مختلف أنحاء أوروبا وأفريقيا والعالم العربي وآسيا والأمريكتين، تنظر العواصم على نحو متزايد إلى هذا النهج باعتباره نهجاً عملياً قادراً على التوفيق بين الاستقرار الإقليمي والتنمية الاقتصادية واحترام السيادة الوطنية.
ولم تعد القنصليات التي افتتحتها حوالي ثلاثين دولة بالعيون والداخلة مجرد لفتات رمزية؛ إنها تمثل اعترافًا ملموسًا بالمقاطعات الجنوبية باعتبارها جزءًا لا يتجزأ من المملكة.
وحتى داخل المؤسسات الدولية، تطورت اللهجة. ويبدو أن أيام الحياد الحذر في تقارير الأمم المتحدة بدأت تتلاشى. ويعكس تقرير غوتيريش لعام 2025 الاستمرارية والواقعية، حيث يشيد ضمنا بضبط النفس ومسؤولية المغرب في مواجهة الاستفزازات والعراقيل التي تمارسها جبهة البوليساريو، خاصة شرق الجدار الأمني.
إن الدبلوماسية المغربية ترتكز على واقع قوي: التنمية الملموسة في الأقاليم الجنوبية. فالطرق السريعة، والموانئ، والجامعات، والمناطق الصناعية، والمستشفيات، ومشاريع الطاقة المتجددة، الحقائق تتحدث بصوت أعلى من الشعارات.
يعمل نموذج التنمية الجديد للأقاليم الجنوبية، الذي أطلقه الملك محمد السادس، على إحداث تحول في المنطقة: معدلات نمو أعلى من المتوسط الوطني، وبنية تحتية عالمية المستوى، واندماج في الممرات الاقتصادية الأفريقية الرئيسية.
إن استراتيجية التنمية هذه ليست سياسية فحسب؛ لقد أصبح شكلا من أشكال الشرعية الدولية، ودليلا على قدرة المغرب على توفير الاستقرار والازدهار والاندماج لمواطنيه الصحراويين.
وفي تناقض صارخ، تظل جبهة البوليساريو محاصرة في خطاب عفا عليه الزمن وممارسات استبدادية داخل مخيمات تندوف. ويسلط تقرير الأمين العام الضوء على القيود المفروضة على بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية (مينورسو) والأوضاع الإنسانية المتدهورة في المخيمات، حيث يعيش السكان دون تسجيل قانوني أو حرية التنقل.
والتناقض صارخ: من جهة، دولة تبني وتستثمر وتتكامل؛ ومن ناحية أخرى، هناك حركة تتشبث بروايات عفا عليها الزمن، ومنفصلة عن حقائق القرن الحادي والعشرين.
ومن خلال التوصية بتجديد ولاية بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية حتى أكتوبر 2026، يعترف أنطونيو غوتيريش ضمنا بأن الوضع الراهن لم يعد مستداما. لقد انتهى عصر الشلل السياسي. إن الحل السياسي الواقعي الذي يدعو إليه المغرب لم يعد مجرد خيار، بل أصبح الأفق الطبيعي للدبلوماسية الأممية.
إن المغرب، الذي يرتكز على الاستقرار المؤسسي ويعززه انتشاره الأفريقي والدولي، يقف اليوم كركيزة للسلام والأمن الإقليميين. ومع تطور التحالفات العالمية وتراكم الحقائق، تصبح هناك حقيقة واحدة لا يمكن إنكارها: أن مخطط الحكم الذاتي المغربي لم يعد مقترحا بين مقترحات أخرى، بل أصبح النقطة المرجعية للواقعية الدولية.