Connect with us

Hi, what are you looking for?

اخر الاخبار

خطة واشنطن لغزة تتوقف على إعادة تعريف “مكافحة التطرف”

واشنطن

ويقول المحللون إنه لكي تحقق خطة السلام الأمريكية هدفها طويل المدى المتمثل في إنشاء قطاع غزة خاليًا من حكم حماس ولم يعد يشكل تهديدًا لجيرانه، يجب على صناع السياسات الجمع بين الإنجازات الملموسة والقابلة للقياس مع الجهود الموازية في نزع السلاح وإعادة الإعمار المدني وإعادة تشكيل المواقف العامة.

تبدأ خطة الرئيس دونالد ترامب المكونة من 20 نقطة لإنهاء حرب غزة من فرضية تحويل الجيب إلى منطقة خالية من الإرهاب والتطرف ولا تشكل أي خطر على جيرانه. ومع ذلك، تركز معظم أحكامه على شروط وقف إطلاق النار والترتيبات السياسية والعسكرية والاقتصادية اللاحقة بين الأطراف.

وفي شكلها الحالي، لا تحدد الخطة بوضوح ما تعنيه عبارة “مكافحة التطرف” في الممارسة العملية، كما أنها لا تقدم استراتيجية متماسكة لتفكيك القبضة الإيديولوجية والمؤسساتية التي بنتها حماس على مدار ما يقرب من عقدين من الزمن في السلطة. كما أنه يفشل في معالجة الجذور الاجتماعية والتعليمية والثقافية للتطرف العنيف.

ولهذا السبب، يرى الخبراء أن الخطوة الأولى لابد أن تكون إعادة تعريف “مكافحة التطرف” في حد ذاته، والتحول من مفهوم غامض ومعقد إلى هدف أكثر عملية وقابل للقياس: الحد من الاستعداد الشعبي لدعم حماس أو المشاركة في أعمال إرهابية. ومن شأن إعادة التعريف هذه أن تسمح لصناع السياسات بوضع معايير واضحة، وتتبع التقدم، وتقييم النجاح، والاستجابة بشكل منهجي للنكسات.

وفي هذا الإطار، يتعين على الجهود أن تركز على بناء بيئة اقتصادية واجتماعية وسياسية تقلل من جاذبية الإرهاب وتحد من الحوافز التي تدفع الشباب الفلسطيني إلى الانضمام إلى أنشطة حماس العنيفة أو تأييدها.

تشير الأبحاث الأكاديمية حول مكافحة التطرف إلى أن العملية تنطوي على أكثر من مجرد وقف السلوك العنيف؛ كما يتطلب التغيير الفكري والأخلاقي. ومع ذلك، لا يوجد إجماع على العمق الضروري لمثل هذا التغيير، ويظل قياس النجاح في تغيير القناعات الفردية أمراً صعباً للغاية، إن لم يكن مستحيلاً.

ولذلك يميز الباحثون بين مكافحة التطرف المعرفي، ورفض الأفكار التي تبرر العنف الإرهابي، وفك الارتباط السلوكي، أي الامتناع عن أعمال العنف. ويعتقد العديد من الخبراء أن التحول الأيديولوجي الكامل أمر نادر وغير ضروري في كثير من الأحيان؛ وفي كثير من الحالات، قد يكون تبني نسخة أكثر واقعية وأقل عنفاً من الفكر المتطرف كافياً.

إن الدروس المستفادة من التجارب العالمية المختلفة في مكافحة التطرف، وخاصة في ظروف ما بعد الحرب مثل غزة اليوم، متضاربة. على سبيل المثال، ركز برنامج الحوار اليمني على النقاش الديني وإعادة التثقيف. وكانت النتائج المبكرة مشجعة، ولكن المبادرة كافحت من أجل الحفاظ على التغيير الفكري على المدى الطويل. انخفضت معدلات العودة إلى الإجرام في البداية ولكنها ارتفعت مرة أخرى في وقت لاحق، مما أثار الشكوك حول فعاليتها على المدى الطويل.

وفي المقابل، أظهرت عملية إزالة النازية في ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية نجاحاً أعظم من خلال سياسات أكثر واقعية: الإدارة الخارجية من قبل سلطة محايدة، والتعافي الاقتصادي واسع النطاق، وتفكيك مؤسسات النظام القديم، والإصلاحات التعليمية والإعلامية العميقة، والتجديد السياسي الجدير بالمصداقية. وأظهرت هذه التدابير مجتمعة أن مكافحة التطرف لا تتطلب إعادة التثقيف فحسب، بل إعادة بناء شاملة للأنظمة السياسية والاجتماعية.

كما أكدت الجهود التي تقودها الولايات المتحدة في أفغانستان والعراق على أهمية الملكية المحلية. وفي غياب شرعية محلية حقيقية، فإن مكافحة التطرف قد يُنظر إليها على أنها أجندة مفروضة من الخارج وتفتقر إلى الأصالة.

تؤكد الدراسات الحديثة أن إعادة تأهيل الشباب الذين كانوا منخرطين سابقًا في الجماعات المتطرفة أمر حيوي ولكنه غير كاف. ويجب أن تصاحبها برامج أوسع نطاقا لمعالجة الظروف الأساسية التي تستغلها الخطابات المتطرفة والفقر والفساد والتمييز، التي تديم دورات العنف.

وتُظهِر السوابق التاريخية، بدءًا من النجاح الجزئي في عملية اجتثاث النازية إلى محاولات كبح جماح التشدد الإسلامي، أن فك الارتباط الهادف يجب أن يتجاوز استهداف الأفراد. ويجب أن يعالج النظام البيئي الاجتماعي والسياسي الأوسع الذي تزدهر فيه الأفكار المتطرفة.

وكما لاحظت الباحثة أودري كورث كرونين، فإن النجاح في غزة يتطلب إعادة حساب التكاليف والفوائد المتصورة لدعم حماس، حتى بين المتعاطفين معها، بحيث يصبح الولاء المستمر أكثر تكلفة وأقل مكافأة من فك الارتباط. والخطوة الأولى نحو هذه النتيجة تتلخص في بناء هيئة حكم بديلة تبدو أكثر شرعية وفعالية وجاذبية من حماس في نظر سكان غزة. عندها فقط يمكن إنشاء مسارات جديدة لأعضاء حماس السابقين، رجالاً ونساءً على حد سواء، ليعيشوا حياة مدنية كريمة ضمن بيئة اجتماعية داعمة.

ولكن مثل هذه الجهود لا يمكن أن تنجح بمعزل عن غيرها. ويجب أن تتكشف جنباً إلى جنب مع العمليات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المنسقة. وفي غزة، سيتطلب ذلك شبكة معقدة من التعاون بين جهات فاعلة خارجية متعددة ذات أولويات متباينة. ومن المتوقع أن تصر إسرائيل على أن تفكيك البنية التحتية العسكرية لحماس ونزع سلاح القطاع يظل شرطاً مسبقاً لإعادة الإعمار، في حين يزعم آخرون أن تقديم أفق سياسي واضح يشكل ضرورة أساسية لبناء الثقة وتشجيع فك الارتباط.

وقد تظهر الخلافات أيضًا حول أدوار منظمات ودول معينة. وتنظر إسرائيل إلى وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين (الأونروا) ودول مثل قطر وتركيا بعين الريبة، في حين ترى الولايات المتحدة والعديد من الشركاء الدوليين أن إدراجها يشكل ضرورة أساسية لإعادة الإعمار والقضاء على التطرف على المدى الطويل.

ويرى المحللون أن أي استراتيجية موحدة لبرامج فك الارتباط في غزة يجب أن تعطي الأولوية لعدد من التدابير المترابطة. إن نزع السلاح الكامل لحماس سوف يتطلب جمع الأسلحة تحت إشراف دولي، وتقديم الحوافز لمنع إعادة التسلح، ونشر قوات أمن فلسطينية مدربة وفقاً لإطار قانوني واضح يقوم على “سلطة واحدة، قانون واحد، سلاح واحد”.

ومن شأن آليات مراقبة الحدود ومراقبتها، وخاصة على طول حدود غزة مع مصر، أن تساعد في بناء ثقة الجمهور. كما أن العمليات الاستخباراتية لتحديد أماكن المخزونات والأنفاق المخفية، إلى جانب الإصلاحات القانونية التي تجرم الميليشيات غير المرخصة، ستكون ضرورية أيضاً.

وفي الوقت نفسه فإن تفكيك البنية التحتية الأمنية والأمنية لحكومة حماس سوف يتطلب التمييز بين المقاتلين والموظفين المدنيين. وسيخضع المقاتلون لنزع السلاح، وإذا لزم الأمر، للاحتجاز أو المشاركة في برامج فض الاشتباك. ويمكن إعادة إدماج الموظفين المدنيين مثل المعلمين والعاملين في مجال الرعاية الصحية بسرعة أكبر من خلال إعادة التأهيل المدني، مع إخضاعهم للفحص الأمني ​​وإعادة التدريب المهني.

وسيكون إصلاح وسائل الإعلام والتعليم والاتصالات أمرا بالغ الأهمية. وسيتضمن ذلك إغلاق المنافذ التي تسيطر عليها حماس، وإنشاء هيئة اتصالات مستقلة تحت إشراف دولي، وإدخال إصلاحات تعليمية للحد من التحريض. وتستطيع اللجنة الفنية غير السياسية التابعة للخطة المقترحة المؤلفة من عشرين نقطة، والتي تدعمها شخصيات مثل رئيس وزراء المملكة المتحدة السابق توني بلير، أن تشرف على بنية الاتصالات المدنية هذه وأن تضمن تدفق المعلومات ذات المصداقية والخالية من التطرف.

ويجب أن تمتد عملية إعادة الإعمار الشاملة وإصلاح الحكم إلى ما هو أبعد من الإغاثة الإنسانية لتفكيك نفوذ حماس داخل المؤسسات العامة، وبناء اقتصاد عادل، وإنشاء سلطة قضائية مستقلة. ويجب أن تهدف المساعدات الإنسانية الفورية إلى تقويض سيطرة حماس على السوق السوداء، وأن يتبعها بسرعة الاستثمار في البنية التحتية، وتشغيل العمالة، والتعليم، والمجتمع المدني.

إن إعادة بناء مؤسسات غزة سوف تستغرق أشهراً أو سنوات، وليس أسابيع، اعتماداً على التنسيق الدولي والدعم المحلي ومصداقية السلطة الانتقالية. ويجب أن تكون العملية تدريجية، تبدأ بالقطاعات الهشة وتنتقل نحو القضاء والأجهزة الأمنية. وبدون هذا التسلسل، لن يتجذر أي تغيير حقيقي.

وفي نهاية المطاف، فإن إعادة تشكيل الأجندة العامة في غزة تتطلب الحد من الرغبة الشعبية في دعم حماس أو الجماعات المسلحة المستقبلية ورعاية قيادات متجذرة في المصالحة وحقوق الإنسان وسيادة القانون. وعندما تصبح إعادة الإعمار والأمن الشخصي والرفاهية الاجتماعية أمورا مركزية في الحياة العامة، فمن الممكن أن تظهر لغة جديدة من الأمل والانتماء.

وتُظهِر التجربة العالمية في مكافحة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) أن الخطابات الفعّالة لا تقوم على الخوف، بل على الهوية والمعنى. ولتفكيك الأفكار السامة، لا يكفي دحضها، بل يجب على الولايات المتحدة وشركائها تقديم بديل أكثر إقناعاً.

وفي غزة لابد وأن يقاس النجاح بمدى استعداد الرأي العام لدعم الحكومة الجديدة، والمشاركة في إعادة البناء ونزع السلاح، ورفض محاولات حماس إعادة بناء قوتها العسكرية.

ومن الممكن أن تلعب المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، بفضل شرعيتهما الإقليمية الواسعة، وانتشارهما الإعلامي الواسع وخبرتهما المثبتة في مكافحة التطرف، دوراً رائداً في هذا التحول، وخاصة إذا كانت مبادراتهما تؤكد على القيم الإنسانية العالمية بدلاً من إعادة التثقيف الديني.

الصبر أيضاً سيكون ضرورياً. إن تحويل أجندة غزة هو عملية جيلية تتطلب المثابرة والعمل المنسق عبر أنظمة متعددة. إن النهج الواضح والمستدام والمتعدد الطبقات هو وحده القادر على إحداث تغيير حقيقي وإرساء الأساس لغزة مستقرة في مرحلة ما بعد حماس.

اضف تعليقك

اترك تعليقك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

اخر الاخبار

5 ديسمبر (رويترز) – ذكرت وسائل إعلام رسمية أن البحرية التابعة للحرس الثوري الإيراني أطلقت صواريخ باليستية وصواريخ كروز على أهداف محاكاة في الخليج...

اخر الاخبار

بقلم أوليفيا لو بوديفين وجوني كوتون وسيسيل مانتوفاني جنيف (رويترز) – تواجه مسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) ضغطا محتملا على الميزانية بعد أن قالت إسبانيا...

اخر الاخبار

قالت وزارة الصحة الفلسطينية، ومقرها رام الله، إن قوات الاحتلال الإسرائيلي قتلت، اليوم الجمعة، شابا شمال الضفة الغربية المحتلة. وقالت وزارة الصحة في بيان...

اخر الاخبار

قال الرئيس اللبناني جوزيف عون يوم الجمعة لوفد في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إن بلاده لا تريد الحرب مع إسرائيل، بعد أيام من...

اخر الاخبار

بيروت، لبنان على الرغم من الجهود المبذولة للتحرك “الإيجابي” من قبل الجانبين بعد أول محادثات مباشرة منذ عقود بين لبنان وإسرائيل، إلا أن الشكوك...

اخر الاخبار

تم اكتشاف كنز مكون من 225 تمثالًا جنائزيًا داخل مقبرة في العاصمة المصرية القديمة تانيس في دلتا النيل، وهو اكتشاف نادر يحل أيضًا لغزًا...

اخر الاخبار

في يونيو 1939، عشية الحرب العالمية الثانية، كتب ألبير كامو، وهو مثقف يساري شاب ناشئ ولد لعائلة من المستوطنين الفقراء في الجزائر، ما يلي:...

اخر الاخبار

بيروت (5 ديسمبر كانون الأول) (رويترز) – انتقد الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم اليوم الجمعة قرار الحكومة اللبنانية إرسال مندوب مدني إلى لجنة...