دمشق
استؤنفت الاحتجاجات في سوريا ضد فصل الآلاف من موظفي القطاع العام، بعد هدوء بعد أحداث العنف التي شهدتها المنطقة الساحلية في فبراير.
ويعكس تجدد المظاهرات الإحباط المتزايد بين الموظفين، مع تحذيرات من أن التأخير في معالجة قضاياهم قد يكون له تداعيات اجتماعية خطيرة، حيث لا تزال البلاد في حاجة إلى هدنة اجتماعية.
نظم العشرات من الموظفين السابقين بوزارة الدفاع احتجاجا يوم الثلاثاء للمطالبة بإعادتهم إلى وظائفهم ودفع الرواتب التي توقفت منذ سقوط الحكومة السابقة أواخر العام الماضي.
وقال موظف مدني سابق في وزارة الدفاع لإحدى وسائل الإعلام المحلية: “كموظفين إداريين في وزارة الدفاع، نحن نطالب بحقوقنا. منذ التحرير، فقدنا وظائفنا ورواتبنا، ولا نعرف ما يخبئه مستقبلنا”.
وأضافت أن حوالي 8000 موظف في جميع أنحاء سوريا تأثروا. وقالت: “لقد تواصلنا مع وزارة الدفاع ومكتب التنمية الإدارية وإدارات الشؤون الاجتماعية، لكن لم يصدر أي قرار بشأننا”.
ويواجه الموظفون صعوبات اجتماعية واقتصادية شديدة، ويحذر الخبراء من أن عدم إعادة النظر في عمليات الفصل قد يثير ردود فعل غاضبة، مما يهدد السلم الاجتماعي الهش.
على مدى عقود، توسع القطاع العام في سوريا في ظل النظام السابق، ووظف مئات الآلاف، ليس في المقام الأول بسبب الحاجة أو الكفاءة ولكن كأداة لتأمين الولاء السياسي وتعزيز التحالفات الطائفية، كما يقول النقاد. غالبًا ما كان التوظيف في مؤسسات الدولة يُمنح كمكافأة للموالين أو يستخدم لمعاقبة المعارضين بحرمانهم من العمل.
وبمرور الوقت، أصبح القطاع العام منتفخا وغير فعال، ومليئا بموظفين “وهميين” يتقاضون رواتبهم دون أداء واجباتهم الفعلية. وتشير تقديرات وزارة المالية في الحكومة الانتقالية إلى أن عدد هؤلاء الموظفين يصل إلى نحو 400 ألف، معظمهم في وزارات الخدمات والإدارات المحلية.
منذ أوائل عام 2025، أطلقت السلطات الانتقالية حملة واسعة النطاق لإعادة هيكلة القطاع العام، حيث قامت بفصل عشرات الآلاف، لا سيما أولئك المرتبطين بالنظام السابق أو المعينين بطرق غير نظامية.
وتقدر التقارير الواردة من الاتحاد الأوروبي ووسائل الإعلام السورية المعارضة أنه تم فصل ما بين 100 ألف إلى 200 ألف موظف، مع وعود بمراجعة القضايا وإعادة الحقوق إلى أولئك الذين لم تثبت إدانتهم بالفساد أو المخالفات السياسية.
ومع ذلك، كان التنفيذ متفاوتا. ويشكو العديد من الموظفين المفصولين من الافتقار إلى الشفافية والقرارات الشاملة التي تتجاهل الظروف الفردية. وفي مناطق مثل دير الزور وحماة وطرطوس، قال السكان المحليون إن عمليات الفصل أثرت بشكل غير متناسب على مجتمعات معينة، مما يشير إلى دوافع تتجاوز الإصلاح الإداري.
لقد أصبحت عمليات الإقالة بمثابة أزمة ثقة، مما خلق احتمالاً لتوترات اجتماعية وسياسية يمكن أن تزعزع استقرار الفترة الانتقالية.
إن فقدان وظيفة في القطاع العام في بلد تزيد نسبة البطالة فيه عن 40 بالمائة ويؤثر الفقر على ثلثي السكان يمكن أن يدمر الأسر. وقد فقد الآلاف مصدر دخلهم الوحيد، ويعيش البعض الآن في مخيمات أو يعتمدون على المساعدات الإنسانية.
ويصف المراقبون الموظفين المفصولين بأنهم “قنبلة اجتماعية موقوتة”، خاصة إذا شعروا بالتهميش أو المعاملة غير العادلة، الأمر الذي قد يغذي الغضب السياسي أو الاضطرابات الاجتماعية.
كما أدت عمليات التسريح الجماعي للعمال إلى تآكل الثقة داخل المجتمعات. وفي مدن مثل حمص واللاذقية وريف دمشق، يُنظر أحيانًا إلى الفصل من العمل على أنه إجراء عقابي أو لدوافع سياسية، مما يخلق شعوراً بالظلم الجماعي ويعقد جهود المصالحة الوطنية.
وقد أثر انخفاض عدد الموظفين المؤهلين على الخدمات العامة، وخاصة في مجالي التعليم والصحة، مما زاد من معاناة المواطنين وتقويض الثقة في الإدارة الجديدة.
ويرى الخبراء أن العدالة الانتقالية تتطلب التوازن بين المساءلة والمصالحة. وفي سوريا، فإن طرد الآلاف دون عملية قانونية واضحة أو برنامج لإعادة الإدماج يهدد بحدوث اضطرابات اجتماعية. فالاستبعاد يولد الإحباط، الذي يمكن أن يتحول إلى استياء، مما يؤدي إلى إدامة دورات الانقسام والعنف.
وقد حاولت بعض المبادرات المحلية معالجة هذا الأمر. وفي أبريل/نيسان 2025، أعادت وزارة التنمية الإدارية أكثر من 14 ألف موظف إلى وظائفهم بعد مراجعة ملفاتهم، في خطوة وُصفت بـ”تصحيح المسار”. لكن هذه التدابير تبقى محدودة مقارنة بحجم الأزمة.
وفي وقفة احتجاجية لوزارة الدفاع، قال موظف سابق: “منذ بداية التحرير وحتى اليوم، نحن موقوفون عن العمل دون أي قرار، ومعاقبون لانتمائنا لوزارة الدفاع السابقة”.
