وفي عالم حيث يتم إعادة رسم خطوط التعاون العالمي بشكل مستمر، يستعيد البحر الأبيض المتوسط دوره كمفترق طرق استراتيجي، ليس فقط للتجارة والهجرة ولكن للمستقبل المشترك. إن إطلاق الميثاق الجديد للبحر الأبيض المتوسط، وهو مبادرة أطلقتها المفوضية الأوروبية، يشير إلى محاولة أوروبا صياغة علاقة أكثر توازناً مع جيرانها في الجنوب. ومع ذلك، في الرباط، وليس بروكسل، قد تجد هذه الرؤية شريكها الأكثر طبيعية وفعالية.
وخلال الاجتماع السنوي الثاني عشر للجنة البرلمانية المشتركة بين المغرب والاتحاد الأوروبي، المنعقد هذا الأسبوع في العاصمة المغربية، أكد الجانبان مجددا على فكرة بسيطة ولكنها قوية: لا يمكن للبحر الأبيض المتوسط أن يكون مستقرا أو مزدهرا أو آمنا دون مشاركة المغرب الكاملة والنشطة.
على مدى عقود، اتبع المغرب سياسة خارجية متعددة الأبعاد جعلته دولة جسر تربط إفريقيا بأوروبا، ومنطقة الساحل بالمحيط الأطلسي، والعالم العربي بالغرب. وتحت قيادة الملك محمد السادس، قامت المملكة ببناء شبكة من الشراكات القائمة على الاحترام المتبادل والتنمية المشتركة.
ويتجلى ذلك بوضوح أكبر في المبادرة الأطلسية، وهي الرؤية الملكية لفتح بلدان الساحل على المحيط الأطلسي. هذه المبادرة هي أكثر من مجرد ممر لوجستي؛ إنها إعادة تشكيل جيوسياسية للجغرافيا الاقتصادية لأفريقيا. ومن خلال تمكين الدول غير الساحلية من الوصول إلى طرق التجارة العالمية، يقترح المغرب نموذجا للنمو القائم على التضامن، وهو نموذج يحول الجغرافيا إلى فرصة.
وخلال اجتماع الرباط، أكد لحسن حداد، الرئيس المشارك للجنة البرلمانية المشتركة عن الجانب المغربي، كيفية تقاطع الميثاق الجديد والمبادرة الأطلسية. وأشار إلى أن كلاهما يهدف إلى بناء الشمول الاقتصادي والاستقرار من خلال معالجة القضايا الهيكلية التي تغذي الهجرة غير الشرعية وانعدام الأمن.
والواقع أن مسألة الهجرة هيمنت على قدر كبير من المناقشة، ليس كمصدر للتوتر بل باعتبارها مجالاً للإبداع. إن النهج الذي يتبعه المغرب، والذي يوازن بين الإدارة الإنسانية والتعاون الإقليمي، يتناقض بشكل صارخ مع المناقشات التفاعلية والمثيرة للانقسام في كثير من الأحيان داخل الاتحاد الأوروبي. وكما أشار روجيرو رازا، نظيره الأوروبي، فإن الهدف الآن هو تحويل هذه الشراكة إلى حوار مستمر، مع التخطيط لعقد جلسات جديدة في بروكسل لتشكيل أطر ملموسة للتعاون.
إن هذا الحوار المتجدد بين الرباط وبروكسل لا يأتي من فراغ. وفي جميع أنحاء البحر الأبيض المتوسط، فقد نموذج التعاون التقليدي بين المانحين والمتلقين مصداقيته. إن أوروبا تحتاج إلى شركاء موثوقين ومستقرين وقادرين على معالجة التحديات المشتركة، من تغير المناخ إلى الأمن الغذائي، من خلال حلول عملية ومحلية. إن المغرب، بفضل تحديثه الزراعي وريادته في مجال الطاقة النظيفة، يقدم ذلك على وجه التحديد.
وكما أكد حداد، فإن المرحلة المقبلة ستشمل تعميق التعاون في القطاعات الرئيسية مثل الزراعة والتنمية المستدامة. إن الهدف المشترك واضح: بناء مساحة متوسطية حيث يتم خلق الرخاء بشكل مشترك، وليس توزيعه بشكل غير متساو.
إن الاهتمام الأوروبي المتجدد بالجوار الجنوبي ليس من قبيل الإيثار البحت. وفي مواجهة المنافسة العالمية المتزايدة، وانعدام أمن الطاقة، وصعود لاعبين جيوسياسيين جدد في أفريقيا، لم يعد الاتحاد الأوروبي قادراً على النظر إلى البحر الأبيض المتوسط باعتباره منطقة هامشية. ويجب عليها أن تنظر إليها كمحور مركزي لاستقرارها ونموها.
وبهذا المعنى فإن ميثاق البحر الأبيض المتوسط الجديد يشكل اختباراً لاستقلال أوروبا الاستراتيجي بقدر ما يشكل اختباراً لإخلاصها في بناء شراكات متساوية. وبالنسبة للمغرب، فهي فرصة لترسيخ رؤيته الأطلسية والإفريقية ضمن إطار أوروبي متوسطي أوسع، إطار يحترم سيادته، ويقدر قيادته ويعترف بدوره الذي لا غنى عنه في الاستقرار الإقليمي.
ربما لم يسفر اجتماع الرباط عن تصريحات كبيرة، لكنه كان علامة على شيء أكثر أهمية: وهو تقارب الرؤى. والآن يتحدث الجانبان لغة المسؤولية المشتركة، والاعتماد الاقتصادي المتبادل، والتنمية المشتركة.
وإذا استمرت هذه الروح فإن الميثاق الجديد من أجل البحر الأبيض المتوسط من الممكن أن يتطور من بيان دبلوماسي إلى إطار حقيقي للتحول الإقليمي، إطار يعترف أخيراً بما أكدته الجغرافيا والتاريخ لفترة طويلة: أن المغرب ليس جارة أوروبا إلى الجنوب، بل شريكها في قلب مستقبل البحر الأبيض المتوسط.