Connect with us

Hi, what are you looking for?

اخر الاخبار

آفاق جديدة بعد التصويت الأممي على الصحراء المغربية

وأخيرا، تصاعد الدخان الأبيض، ليس من الفاتيكان، بل من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. لقد كانت لحظة تاريخية، انتظرها العالم بفارغ الصبر، وأنهت جموداً دام عقوداً بشأن النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية.

وانتهت عقود من الانتظار والتعقيدات بتصويت الأمم المتحدة على مقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، مع دعوة جميع الأطراف إلى الانخراط في مفاوضات جادة على أساس الخطة التي قدمها المغرب لأول مرة إلى الأمم المتحدة في عام 2007. وقد حظي القرار بتأييد 11 من أصل 15 عضوا في مجلس الأمن الدولي، في حين امتنعت روسيا والصين وباكستان عن التصويت، ولم تشارك الجزائر. وفي الوقت نفسه، تم تجديد ولاية بعثة الأمم المتحدة (مينورسو) لمدة عام آخر لمواصلة مراقبة وقف إطلاق النار والوضع على الأرض.

ويكرس القرار سلسلة من المكاسب التي حققها المغرب خلال السنوات الأخيرة نحو توسيع الدعم الدولي لمقترح الحكم الذاتي. إن التصويت لا يشكل انتصاراً لجانب على الآخر، بل إنه فرصة لتحويل الصراع من عبء تاريخي إلى محرك للتعاون الإقليمي.

وقد أثبتت الدبلوماسية المغربية، بقيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس، قدرتها على بناء تحالفات عابرة للقارات، تمتد من أمريكا إلى أوروبا وإفريقيا. وقد أيدت دول مثل ألمانيا وإسبانيا وهولندا والإمارات العربية المتحدة والسنغال مبادرة الحكم الذاتي كأساس عملي للسلام. ولم يكن هذا الدعم سياسيا فحسب، بل اقتصاديا أيضا، حيث شمل اتفاقيات الشراكة الزراعية مع الاتحاد الأوروبي التي تغطي منتجات الأقاليم الجنوبية، فضلا عن الاستثمارات الأمريكية والفرنسية في مشاريع الطاقة. وباعتماد قرار مجلس الأمن الدولي، سيعمل المغرب على ترسيخ دوره كبوابة إفريقية إلى أوروبا، وتعزيز النمو الاقتصادي، وخلق المزيد من فرص العمل للشباب، وتحويل الصراع من مصدر للتوتر إلى ركيزة للاستقرار.

وتتجه الأنظار الآن إلى ما سيأتي بعد هذا اليوم التاريخي وكيف ستترجم بنود القرار المتخذ إلى واقع ملموس، خاصة في الرباط والجزائر العاصمة.

وبالنسبة للمغرب، فإن اعتماد هذا القرار يعني تعزيز سيادته الترابية، وتوجيه الجهود نحو التنمية الداخلية، وتعزيز الاستقرار في الأقاليم الجنوبية. أما بالنسبة للجزائر التي امتنعت عن التصويت، فإن ذلك يمثل فرصة تاريخية لإعادة تشكيل السياسات الإقليمية. وعلى الرغم من التحديات السياسية الداخلية، فإن القرار يمكن أن يمهد الطريق للتعاون بدلا من المواجهة. إن فتح الحدود بين البلدين، الذي أصبح ممكنا مع حل الصراع، سيفتح فرصا اقتصادية غير مسبوقة.

ستستفيد الجزائر من الوصول المباشر إلى المحيط الأطلسي عبر الأراضي المغربية، وبالتالي تعزيز صادراتها من الطاقة مع تقليل تكاليف النقل.

وفي المقابل، سيحصل المغرب على سوق جزائرية واسعة لمنتجاته الصناعية والزراعية، مما يعيد تنشيط اتحاد المغرب العربي الذي يصبح بالتالي قادرا على الظهور ككتلة اقتصادية قوية.

ومن شأن مثل هذا التطور أن يمهد الطريق أمام التكامل الإقليمي ويمنح الدول الأعضاء في الكتلة نفوذًا تفاوضيًا أكبر تجاه القوى العالمية، وسط أزمات الطاقة وتحديات تغير المناخ، في حين يمكن توجيه موارد الطاقة الجزائرية والطاقة المتجددة المغربية إلى مشاريع مشتركة.

أما بالنسبة لجبهة البوليساريو، فإن الحكم الذاتي يقدم خيارا واقعيا يحفظ حقوق شعب الصحراء المغربية، دون الحاجة إلى استفتاء فقد أهميته السياسية. وسوف ينهي معاناة اللاجئين في المخيمات ويفتح الأبواب أمام التنمية المشتركة.

ومن جانبها، ستستفيد موريتانيا من الاستقرار الإقليمي، حيث أن التعاون الأمني ​​سيقلل من التهديدات عبر الحدود الناجمة عن الإرهاب والجريمة المنظمة، ويعزز التجارة عبر الحدود، وبالتالي دعم الاقتصاد الناشئ في البلاد.

وعلى المستوى الأمني، سيساهم حل النزاع في تعزيز الاستقرار في منطقة الساحل والصحراء، حيث يمكن للمغرب والجزائر، كقوتين إقليميتين، التعاون في مكافحة الجماعات الإرهابية والتهريب.

ومن شأن هذا التعاون أن يحمي المنطقة من تداعيات الصراعات العالمية، بما في ذلك التوترات في الشرق الأوسط والأزمة الأوكرانية، ويضع المغرب العربي كشريك موثوق للاتحاد الأوروبي في إدارة الهجرة غير الشرعية والطاقة.

ومن الناحية الاجتماعية والثقافية، فإن إعادة فتح الحدود وإعادة التواصل بين الشعوب، بالاعتماد على الروابط التاريخية المشتركة، سوف يعيد بناء جسور الثقة ويضمد جراح الماضي.

لقد حان الوقت للدخول في حوار حقيقي يحول الصراع إلى فرصة. لقد قدم المغرب نموذجا تنمويا ناجحا، من خلال مشاريع مثل الطاقة الشمسية في العيون وموانئ الداخلة، والتي يمكن توسيعها لتشكيل شراكات إقليمية. وتستطيع الجزائر من جانبها تحويل مواردها من الطاقة إلى أداة للتنمية المشتركة، بدلا من استنفادها في صراع يعيق التقدم.

إن القرار الذي تم التصويت عليه ليس غاية في حد ذاته، بل هو بداية مرحلة “مربحة للجانبين”، حيث يعزز المغرب وحدته، وتكتسب الجزائر شريكا استراتيجيا، في حين يحصل الشعب الصحراوي على حكم ذاتي يضمن حقوقه. وفي هذه الأثناء تحقق المنطقة استقراراً يعزز مكانتها العالمية.

وقال صاحب الجلالة الملك محمد السادس، في خطابه الموجه إلى الأمة عقب تصويت مجلس الأمن الدولي، إن “هناك حقبة ما قبل 31 أكتوبر 2025، وما بعد 30 أكتوبر”، مضيفا: “إننا نبدأ فصلا جديدا في عملية ترسيخ مغربية الصحراء، وإنهاء هذا النزاع المفتعل، نهائيا، في إطار حل توافقي على أساس مبادرة الحكم الذاتي”.

وأشار إلى أن “هذه لحظة مفصلية ونقطة تحول حاسمة في تاريخ المغرب الحديث”.

ودعا محمد السادس الشعب الصحراوي بتندوف إلى الالتحاق بالتراب المغربي والاستفادة من الفرص التي يتيحها الحكم الذاتي للمساهمة في تدبير شؤونه المحلية وتنمية وطنه. كما دعا الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى “حوار صادق وأخوي بين المغرب والجزائر لتجاوز الخلافات وبناء علاقات جديدة مبنية على الثقة والأخوة وحسن الجوار”، مؤكدا التزام المغرب بمواصلة العمل من أجل تنشيط اتحاد المغرب العربي، على أساس الاحترام المتبادل والتعاون والتكامل بين دوله الخمس الأعضاء.

إن لحظة الحقيقة هذه ليست فقط خطوة نحو السلام بالنسبة للمغرب، ولكنها أيضا فرصة تاريخية للجزائر لتحرير نفسها من عبء الصراع الذي استنزف مواردها لعقود من الزمن. ومع طي البلدين صفحة الماضي، سينفتح الأفق على حقبة جديدة من التعاون والتنمية المشتركة، بما يعود بالنفع على شعبيهما ويعزز مكانة منطقة المغرب العربي في العالم.

ويدعونا قرار الأمم المتحدة هذا إلى التفكير في المستقبل: هل سنظل غارقين في طريق مسدود، أم أننا سنستثمر في السلام؟ لقد قدمت الرؤية الملكية إجابة على هذا السؤال بالذات… فليتحدث أصحاب الكلمات الطيبة، أو ليصمتوا فالسلام ينتظرنا.

اضف تعليقك

اترك تعليقك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

اخر الاخبار

قالت وزارة الصحة الفلسطينية، ومقرها رام الله، إن قوات الاحتلال الإسرائيلي قتلت، اليوم الجمعة، شابا شمال الضفة الغربية المحتلة. وقالت وزارة الصحة في بيان...

اخر الاخبار

قال الرئيس اللبناني جوزيف عون يوم الجمعة لوفد في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إن بلاده لا تريد الحرب مع إسرائيل، بعد أيام من...

اخر الاخبار

بيروت، لبنان على الرغم من الجهود المبذولة للتحرك “الإيجابي” من قبل الجانبين بعد أول محادثات مباشرة منذ عقود بين لبنان وإسرائيل، إلا أن الشكوك...

اخر الاخبار

تم اكتشاف كنز مكون من 225 تمثالًا جنائزيًا داخل مقبرة في العاصمة المصرية القديمة تانيس في دلتا النيل، وهو اكتشاف نادر يحل أيضًا لغزًا...

اخر الاخبار

في يونيو 1939، عشية الحرب العالمية الثانية، كتب ألبير كامو، وهو مثقف يساري شاب ناشئ ولد لعائلة من المستوطنين الفقراء في الجزائر، ما يلي:...

اخر الاخبار

بيروت (5 ديسمبر كانون الأول) (رويترز) – انتقد الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم اليوم الجمعة قرار الحكومة اللبنانية إرسال مندوب مدني إلى لجنة...

اخر الاخبار

بغداد / واشنطن اجتاحت طائرات إيرانية بدون طيار الأجواء الجبلية في منطقة كردستان شمال العراق في منتصف يوليو/تموز، وركزت على أهدافها: حقول النفط التي...

اخر الاخبار

5 ديسمبر (رويترز) – اندلع القتال في شرق جمهورية الكونجو الديمقراطية يوم الجمعة بعد يوم من استضافة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب زعيمي الكونجو ورواندا...