تفاقم أزمة قتل النساء مع إثبات عدم فعالية قانون مكافحة العنف في تونس
تونس
ويهدف القانون الأساسي عدد 58 لسنة 2017 المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة إلى وضع تدابير للقضاء على جميع أشكال العنف القائم على النوع الاجتماعي من أجل تحقيق المساواة واحترام الكرامة الإنسانية. وهي تعتمد نهجا شاملا يقوم على الوقاية والملاحقة القضائية ومعاقبة الجناة وحماية الضحايا ورعايتهم.
لكن عدم تطبيق هذا القانون جعله مجرد حبر على ورق. فهي لم ترقى إلى مستوى الردع الصارم، وفشلت في كبح العدد المتزايد من جرائم قتل الإناث.
وقالت عربية لحمر، أخصائية اجتماعية بمركز الاستماع والإرشاد التابع للاتحاد الوطني للمرأة التونسية، إنه رغم مرور ثماني سنوات على صدور القانون رقم 58، إلا أن العنف ضد المرأة ما زال يتصاعد بشكل مطرد بمختلف أشكاله، لدرجة أن قتل النساء أصبح ظاهرة. بين يناير وسبتمبر 2025، قُتلت 22 امرأة تونسية على يد أزواجهن أو أقاربهن.
وشكك لحمر في فعالية القانون وتنفيذه، خلال عرض دراسة عن تجربة الاتحاد في دعم مريضات السرطان اللاتي يعانين من العنف الأسري، في لقاء بعنوان “تأثير السرطان على العلاقات الزوجية”.
وأوضحت أنه بحلول منتصف عام 2025، سجل الاتحاد الوطني للمرأة التونسية 466 امرأة من ضحايا العنف وطلبن الدعم الاجتماعي والنفسي وكذلك التوجيه القانوني من خلال وحدات الاستماع ومراكز الدعم التابعة له في جميع أنحاء البلاد. ووفقا لدراسة الاتحاد، فإن أعلى معدل للعنف ضد المرأة هو العنف المنزلي بنسبة 81 في المائة، يليه العنف المرتبط بالأسرة بنسبة 12 في المائة، والعنف في الأماكن العامة بنسبة سبعة في المائة.
ومن حيث أشكال العنف، احتلت الإساءات النفسية واللفظية المرتبة الأولى بنسبة 36 في المائة، بزيادة قدرها 5 في المائة عن عام 2024، يليها العنف الاقتصادي بنسبة 34 في المائة، والعنف الجسدي بنسبة 27 في المائة، والعنف الجنسي بنسبة 3 في المائة.
وكانت النساء المتزوجات الأكثر تعرضا للعنف، حيث مثلن 36% من الحالات، تليها المنفصلات (غير المطلقات) بنسبة 28%، والعازبات بنسبة 17%، والمطلقات بنسبة 15%، والأرامل بنسبة 3%، والأمهات العازبات بنسبة 1%.
وبحسب الدراسة فإن استمرار العنف يرتبط بعوامل متعددة، منها الضغوط الأسرية التي تتعرض لها المرأة للحفاظ على وحدة الأسرة، والتقاليد الثقافية والاجتماعية، فضلا عن العوامل الاقتصادية مثل الفقر والبطالة والفروق المالية بين الزوجين.
وقالت الباحثة في دراسات النوع الاجتماعي أمل قرامي إن انتشار العنف ضد المرأة في تونس متجذر في بنيات عقلية وثقافية لم يتم التصدي لها بشكل كاف. وأشارت إلى أنه “كان هناك تركيز على القوانين والتشريعات والإصلاحات، ولكن ليس على جوهر المشكلة”.
وتساءلت: “هل تغيرت أساليب تربيتنا الاجتماعية؟ هل تم فحصها وتحليلها بشكل متعمق؟” وشددت على أن المجتمع التونسي تراجع في عدة مجالات، موضحة: “السلاح الوحيد ضد الجهل هو التعليم الجيد، فهو الدرع الذي يحمي الفرد المفكر لكن نظام التعليم في تونس ينهار”.
وأضاف جرامي أن هناك أيضًا نقص في المساحات المفتوحة للمجتمع المدني لمناقشة القضايا الاجتماعية الحاسمة مثل أنظمة القيم والتغيرات السلوكية ومعدلات التسرب من المدارس والتسول والعنف بجميع أشكاله.
كشفت بيانات حديثة لوزارة الأسرة والمرأة وجمعية أصوات نيسا، أن جرائم قتل النساء تضاعفت أربع مرات بين عامي 2018 و2024، لتصل إلى 26 حالة. وتظهر البيانات أيضًا أن الأقارب الذكور والأزواج والإخوة والآباء وحتى الأبناء كانوا مسؤولين عن أكثر من 70 بالمائة من هذه الجرائم.
وعلى الرغم من هذا الاتجاه المثير للقلق، فإن العنف لم يهدأ. وتزامن إصدار التقرير مع جريمتي قتل صادمتين هزتا الرأي العام في تونس مؤخرًا، مما سلط الضوء على خطورة الوضع وتكرار أعمال العنف من قبل نفس النوع من الجناة.
وعثر على أحد الضحايا، وهو محام، محترقا حتى الموت ومرميا في واد بمنوبة بالقرب من العاصمة. وفتحت السلطات تحقيقا مع أقاربها، الذين يشتبه في ارتباطهم بالجريمة.
أما الضحية الثانية فقد طعنها زوجها حتى الموت في أبريل الماضي، مما أدى إلى إصابة ابنتهما بجروح خطيرة قبل أن يفر الجاني.
وجدت دراسة بعنوان “حماية النساء ضحايا العنف: بين النص والواقع”، والتي تناولت تفسير وتطبيق القانون رقم 58، عدة عيوب، من بينها عدم التزام الوحدات المتخصصة ببعض التزاماتها القانونية، مثل إعلام الضحايا بحقوقهم، وتوقيع التقارير دون قراءتها للضحايا، وضعف تقييم المخاطر في بعض الحالات.
كما أشارت الدراسة إلى أوجه القصور في تطبيق التدابير الوقائية. لاحظت جماعات المجتمع المدني والمحامون ندرة تنفيذ إجراء “الإخلاء من منزل الأسرة” من قبل وحدات الشرطة المتخصصة، لا سيما في منطقة تونس، حيث لم تكن العديد من النساء اللاتي تمت مقابلتهن على علم بوجود مثل هذا الإجراء.
وفيما يتعلق بأوامر الحماية القضائية الصادرة عن قضاة الأسرة في تونس والكاف، تركزت معظم الطلبات على ترتيبات المعيشة وحضانة الأطفال. تتم الموافقة على طلبات الحماية في الغالب عندما يتم إثبات العنف بشكل واضح. ومع ذلك، نادراً ما صدرت أوامر الحماية في كلتا المنطقتين ضمن الأطر الزمنية العاجلة التي يقتضيها القانون.
وبحسب الدراسة التي أجرتها جمعية المرأة والمواطنة بالكاف، فإن حماية المرأة وتنفيذ آليات الحماية تتطلب تدريبا مستمرا للقضاة والموظفين المكلفين بإنفاذ القانون، خاصة على ديناميات العنف الأسري واستراتيجيات المعتدين والآثار النفسية على الضحايا وتقييم المخاطر.
واختتمت الدراسة بعدة توصيات. وكان من بين أهمها التدريب الإلزامي والمستمر لجميع القضاة وضباط الأمن (بما في ذلك الوحدات المتخصصة وفرق العمل) بشأن مسألة العنف ضد المرأة، وتدريب قضاة الأسرة على كيفية اتخاذ قرارات الحماية، وتعميم استخدام أدوات تقييم المخاطر وجعلها إلزامية لكل من الشرطة وقضاة الأسرة.
وتضمنت التوصيات القانونية إضافة تدابير جديدة مثل العلاج النفسي والاجتماعي الإلزامي للجناة، وتعديل المادة 26 من القانون رقم 58 لتنص على التنفيذ الفوري لأمر “الإخلاء من منزل الأسرة” من قبل الشرطة وتحديد إطار زمني قانوني محدد لإصدار تدابير الحماية.