صنعاء
بعد أكثر من عقد من بدء الحرب، يبدو أن اليمن قد دخل مرحلة من الركود العنيف، حيث لا يوجد منتصر واضح ولا سلام في الأفق. وبقيت خطوط المواجهة بين أطراف النزاع دون تغيير إلى حد كبير، في حين يتزايد الإرهاق الإنساني والاجتماعي والاقتصادي يوماً بعد يوم.
في هذا البلد المنهك، أصبحت الحرب جزءا من الحياة اليومية، وتتحرك بوتيرة بطيئة مميتة عبر الجبهات الساكنة والأزمات المتكررة، في حين لا يزال اليمنيون يتحملون الثمن الأفدح في صراع لم يعد يحمل أي وعد بالنصر أو الحل.
وفشل مجلس القيادة الرئاسي، الذي تم تشكيله عام 2022 لتوحيد القوى المناهضة للحوثيين، في تحويل الدعم السعودي والإماراتي إلى أي إنجاز سياسي أو عسكري ملموس. وتفتقر الحكومة المعترف بها دولياً إلى التماسك الداخلي، وتدار من المنفى أكثر من العاصمة المؤقتة عدن، التي أصبحت في حد ذاتها ساحة معركة بين الفصائل المتنافسة.
وفي الجنوب، تآكلت الثقة في قدرة القيادة السياسية على الحكم، واشتد الغضب الشعبي بسبب سوء الخدمات وارتفاع تكاليف المعيشة وتفشي الفساد. وفي الشمال، يحتفظ الحوثيون بقبضة مشددة على الحياة السياسية والاجتماعية، معتمدين على التحالفات القبلية والسرد الديني الذي يبرر الحرب المستمرة باعتبارها “معركة مقدسة”.
تبدو خطوط التحكم محفورة تقريبًا في الحجر، مع القليل من التغيير الكبير لسنوات. لا تزال مأرب منقسمة، ولا تزال الحديدة منطقة نفوذ متنازع عليها، وتستمر المناطق الريفية في التقلب دون نتائج حاسمة.
اقتصاديا، يواجه اليمن واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم. ويعاني أكثر من نصف السكان من انعدام الأمن الغذائي الحاد، في حين يفتقر الملايين إلى المياه النظيفة أو الرعاية الصحية.
لقد أدى الفساد المستشري والبيروقراطية الفاشلة وغياب الحكم الرشيد إلى ترك الدولة غائبة فعلياً في معظم أنحاء البلاد. وحتى المساعدات الدولية، التي من المفترض أن تخفف من حدة الأزمة، أصبحت خاضعة للمساومات السياسية وسيطرة الأطراف المتحاربة على قنوات التوزيع.
وفي الوقت نفسه، عمّق الحوثيون نموذجهم للحكم في الشمال، حيث جمعوا بين الشعارات الدينية والانضباط الأمني الصارم. لقد بنوا جهازًا استبداديًا يسيطر على الموارد وصنع القرار، ويفرض السيطرة الاجتماعية باسم “الواجب الديني” و”المقاومة”.
لكن، وعلى الرغم من الاستقرار النسبي، يعتمد هذا النموذج على القمع وتقييد الحريات، مما يبقي البلاد في دائرة توتر مغلقة.
ويمتد الإرهاق إلى ما هو أبعد من الجبهات الداخلية وإلى المنطقة. لقد أصبح اليمن ساحة مفتوحة للصراعات الخارجية.
وقد أدى تورط الحوثيين في هجمات على السفن في البحر الأحمر وعلى إسرائيل منذ حرب غزة في عام 2023 إلى ردود أفعال إسرائيلية وأمريكية متكررة، دون تغيير توازن القوى الداخلي.
ومع كل جولة جديدة من القصف، يصبح من الواضح أنه لا أحد لديه استراتيجية حقيقية لإنهاء الحرب. فالضربات الإسرائيلية والأمريكية لم تطيح بالحوثيين ولم تضعف قدراتهم بما فيه الكفاية، في حين لم يحقق المجلس الرئاسي أي مكاسب سياسية أو إقليمية ملحوظة.
ولم تعد الضربات الجوية، مثل المعارك البرية، أكثر من مجرد استعراض متبادل للقوة وسط فراغ سياسي آخذ في الاتساع.
وفي هذا السياق، تبدو الأمم المتحدة غير قادرة على فرض عملية سلام فعالة، على الرغم من الجهود التي بذلها المبعوث الأممي هانز غروندبيرغ لإعادة إطلاق المفاوضات على أساس خارطة الطريق السعودية العمانية.
تتصادم مبادرات الأمم المتحدة مع حسابات الجهات الفاعلة المحلية والتشابكات الإقليمية الأوسع. وحتى الحوار الإنساني تعثر، حيث احتجز الحوثيون العشرات من موظفي الأمم المتحدة في صنعاء، مما كشف عن هشاشة العلاقة بين المنظمة الدولية وسلطات الأمر الواقع.
بعد عشر سنوات من الحرب، تحول الصراع في اليمن من معركة على السلطة إلى صراع من أجل البقاء. ويتشبث كل طرف بما يسيطر عليه، بينما تغرق البلاد أكثر في أزمات الفقر والجوع والفساد والنزوح المتداخلة.
ويعكس الجمود العسكري ركودا سياسيا أشد خطورة، في حين أصبح الإرهاق الجماعي هو التجربة الوحيدة المشتركة بين جميع اليمنيين.
وقد يبدو وقف إطلاق النار في بعض المناطق وكأنه فرص للسلام، ولكنه في واقع الأمر يعكس الإرهاق الشامل، مع عدم القدرة على القتال ولا الرغبة في التوصل إلى تسوية.
ومن دون مشروع وطني موحد ووسيط دولي قادر على كسر الجمود، سيظل اليمن محصوراً على طول خطوط أمامية ثابتة، وشعبه منهك من حرب لا نهاية لها.
