Connect with us

Hi, what are you looking for?

اخر الاخبار

ويواجه السودان خطر الانقسام الدائم مع رفض القوى الإسلامية الحوار

الخرطوم

منذ أبريل 2023، يشهد السودان صراعًا داخليًا مستمرًا بين القوات المسلحة السودانية بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع شبه العسكرية. ويتجاوز الصراع مجرد المواجهة العسكرية التقليدية، فهو يعكس صراعاً سياسياً أعمق بين القوى الإسلامية العسكرية في البلاد وبقية الأطراف السودانية والمجتمع الدولي.

وفي قلب هذا الصراع يكمن الدور الحاسم الذي يلعبه الإسلاميون العسكريون، الذين يقدمون الأولوية لمصالحهم الخاصة فوق أي هدف لتحقيق السلام العادل. إنهم يسعون إلى فرض أجندتهم السياسية دون أي اعتبار للمدنيين أو الاستقرار الوطني، مما يجعل احتمال التوصل إلى حل سلمي يبدو بعيد المنال في الوقت الحاضر.

وقال المحلل السياسي جيمس ويلسون، في تقرير نشرته مجلة مودرن بوليسي، إن تصرفات الإسلاميين العسكريين خلال الأشهر الأخيرة تظهر بوضوح أن هدفهم الأساسي هو تعزيز السيطرة العسكرية والسياسية على الدولة السودانية، وليس إنهاء الصراع أو حماية المدنيين.

وشن البرهان هجوماً دبلوماسياً على مجلس الاتحاد الأوروبي، متهماً إياه بمحاولة تمكين قوات الدعم السريع من إعادة تجميع صفوفها، وهو الموقف الذي يعكس أسلوب “اتهام الطرف الآخر بفعل ما تفعله أنت بنفسك”، والذي يستخدم لتبرير الأعمال العدائية والدفاع عن المصالح الذاتية على حساب السلام.

وأشار التقرير إلى أن مثل هذا السلوك يوضح عدم رغبة الإسلاميين العسكريين في قبول أي شكل من أشكال الحوار أو التفاوض، حتى مع المبادرات الدولية. وينبع ذلك من اعتقادهم أن أي تنازل قد يضعف سلطة الجيش الإسلامي على البلاد ويهدد مشروعهم المتمثل في إقامة دولة تهيمن فيها القوات العسكرية على المدنيين وتفرض سيطرتها الكاملة.

ويكمن الخطر الأكبر في خريطة الطريق التي تبنتها القوات المسلحة السودانية، والتي تدعو إلى تفكيك قوات الدعم السريع وإبقائها محصورة في المعسكرات قبل دمجها لاحقًا في محادثات السلام.

ويرى ويلسون أن هذه الخطة، من الناحية التحليلية، غير واقعية وتفتقر إلى أي اعتبار عملي للواقع العسكري والسياسي، بالإضافة إلى تجاهل الأبعاد الإنسانية للأزمة.

ويشير إلى أنها ليست خطة لوقف إطلاق النار، بل هي خطة تنطوي على الاستسلام المشروط أو احتجاز قوات الدعم السريع، وربما القضاء عليها، مما يجعل أي إمكانية للسلام أو وقف الأعمال العدائية شبه مستحيلة.

ويشير إصرار القوات المسلحة على تنفيذ خارطة الطريق هذه إلى أن هدف الإسلاميين العسكريين ليس التفاوض أو التوصل إلى تسوية سلمية، بل فرض الهيمنة والسيطرة الكاملة على الأرض، مع التجاهل التام لمعاناة المدنيين.

ومن الناحية الإنسانية، فإن استمرار المأزق السياسي والعسكري يؤدي إلى تفاقم معاناة الشعب السوداني.

وأدى الصراع إلى نزوح أكثر من 11.7 مليون شخص، في حين تشير تقديرات عدد القتلى إلى عشرات الآلاف، فيما تشير بعض المصادر غير المؤكدة إلى أن العدد الفعلي قد يصل إلى 150 ألفا.

ويعاني المدنيون من نقص حاد في الغذاء والمياه والرعاية الصحية، ويتعرضون للقتل والتهجير والقصف العشوائي. وفي الوقت نفسه، تستخدم القوى الإسلامية المعارضة لقوات الدعم السريع تكتيكات الحصار وعرقلة المساعدات الإنسانية كأسلحة، مما يجعل المدنيين الضحايا الرئيسيين للصراع المستمر.

لقد أصبح من الواضح أن الإسلاميين العسكريين يعطون الأولوية لمصالحهم الخاصة على حياة المدنيين، ويؤكدون من جديد أن هدفهم هو تعزيز السلطة السياسية والعسكرية.

وقد حاول المجتمع الدولي مرارا وتكرارا جلب الأطراف المتحاربة إلى طاولة المفاوضات. وحاول الاتحاد الأوروبي والمبادرة الرباعية التوسط بين الأطراف، لكن إصرار البرهان وحلفائه الإسلاميين على خريطة طريق غير قابلة للتنفيذ حال دون تحقيق أي تقدم ملموس.

وبينما يرى الاتحاد الأوروبي أن مشاركة قوات الدعم السريع في المفاوضات أمر ضروري، فإن القوات المسلحة السودانية ترفض أي شكل من أشكال التسوية أو الحوار. وهذا يعكس الطبيعة الصارمة للعسكريين الإسلاميين وتصميمهم على فرض إرادتهم السياسية.

ومما يزيد المهمة الدولية تعقيدا تضارب المصالح الجيوسياسية، أن البرهان وحلفائه الإسلاميين يتلقون دعما معنويا من كتلة أفريقية تتبنى موقفا مناهضا للتدخل، معتبرة السيادة الوطنية قيمة مقدسة لا يمكن انتهاكها. وهذا يجعل من الصعب للغاية ممارسة الضغط على الإسلاميين العسكريين لتحقيق السلام.

وتُظهِر تجارب الماضي، مثل صفقة الرهائن في غزة في تشرين الأول/أكتوبر، أن كسر هذا الطريق المسدود يتطلب ممارسة ضغوط جدية على الطرفين، سواء من خلال القوة المباشرة ضد أحد الجانبين أو بقطع التمويل والأسلحة عن الجانب الآخر، لإجبار الفصائل المتحاربة على الجلوس والتوصل إلى اتفاق.

ومع ذلك، في حالة السودان، لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت هناك أي آليات دولية فعالة لإجبار البرهان والعسكريين الإسلاميين على الدخول في مفاوضات حقيقية، مما يترك المدنيين السودانيين يواجهون العنف المستمر والجوع والتشريد.

إن استمرار الشلل السياسي والعسكري يجعل السودان عرضة لخطر التقسيم الدائم إلى مناطق نفوذ متنافسة، في حين يظل المدنيون محاصرين في مخيمات اللاجئين، محرومين من أبسط ضروريات الحياة.

وفي ظل هذه الظروف فإن أي حل مستدام سوف يعتمد على رغبة المجتمع الدولي في ممارسة ضغوط حقيقية وفعّالة على الإسلاميين العسكريين، على أن يقترن ذلك بدعم واضح لحماية المدنيين وإجراء حوار حقيقي، بعيداً عن الشروط المسبقة غير الواقعية وخرائط الطريق السياسية المصممة فقط لتعزيز الهيمنة العسكرية والسياسية.

ويظهر التحليل النهائي أن الإسلاميين العسكريين في السودان، بقيادة البرهان، يضعون مصالحهم فوق أي رؤية للسلام العادل. إن خارطة الطريق التي اعتمدتها القوات المسلحة السودانية تمنع أي فرصة حقيقية لوقف إطلاق النار.

إن تعاملهم مع المدنيين لا يؤدي إلا إلى تعميق معاناتهم ويضع السودان على حافة الانقسام وانهيار الدولة، مما يجعل تحقيق السلام العادل شبه مستحيل طالما تمسكوا بالسيطرة والهيمنة.

ولذلك فإن أي جهد دولي لتحقيق السلام يجب أن يركز على استخدام أدوات ضغط قوية وفعالة، وضمان حماية المدنيين، وإجبار الطرفين على الانخراط في مفاوضات حقيقية دون شروط غير واقعية، بحيث يصبح السلام العادل هدفاً ملموساً وليس شعاراً يتم استغلاله لتبرير المصالح الذاتية للعسكريين الإسلاميين.

في نهاية المطاف، يتوقف مستقبل السودان على ما إذا كان الإسلاميون العسكريون على استعداد للتخلي عن مصلحتهم الذاتية، وهو الأمر الذي لا يوجد ما يشير إليه حاليا، ما لم يتمكن المجتمع الدولي من فرض إرادة قوية وموحدة لإجبار البرهان وحلفائه على قبول الحوار والمفاوضات.

إن استمرار الشلل لن يؤدي إلا إلى تعميق معاناة المدنيين وترسيخ الانقسامات، مما يترك السودان عند منعطف حرج قد يحدد مساره لعقود قادمة.

اضف تعليقك

اترك تعليقك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

اخر الاخبار

قال الرئيس اللبناني جوزيف عون يوم الجمعة لوفد في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إن بلاده لا تريد الحرب مع إسرائيل، بعد أيام من...

اخر الاخبار

بيروت، لبنان على الرغم من الجهود المبذولة للتحرك “الإيجابي” من قبل الجانبين بعد أول محادثات مباشرة منذ عقود بين لبنان وإسرائيل، إلا أن الشكوك...

اخر الاخبار

تم اكتشاف كنز مكون من 225 تمثالًا جنائزيًا داخل مقبرة في العاصمة المصرية القديمة تانيس في دلتا النيل، وهو اكتشاف نادر يحل أيضًا لغزًا...

اخر الاخبار

في يونيو 1939، عشية الحرب العالمية الثانية، كتب ألبير كامو، وهو مثقف يساري شاب ناشئ ولد لعائلة من المستوطنين الفقراء في الجزائر، ما يلي:...

اخر الاخبار

بيروت (5 ديسمبر كانون الأول) (رويترز) – انتقد الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم اليوم الجمعة قرار الحكومة اللبنانية إرسال مندوب مدني إلى لجنة...

اخر الاخبار

بغداد / واشنطن اجتاحت طائرات إيرانية بدون طيار الأجواء الجبلية في منطقة كردستان شمال العراق في منتصف يوليو/تموز، وركزت على أهدافها: حقول النفط التي...

اخر الاخبار

5 ديسمبر (رويترز) – اندلع القتال في شرق جمهورية الكونجو الديمقراطية يوم الجمعة بعد يوم من استضافة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب زعيمي الكونجو ورواندا...

اخر الاخبار

لندن قالت مصادر ملاحية وتأمينية، اليوم الخميس، إن تكاليف التأمين ضد الحرب على السفن المبحرة إلى البحر الأسود ارتفعت مرة أخرى مع قيام شركات...