طهران
ورغم أن إيران محاطة بالمياه من كل جانب، تواجه إيران واحدة من أخطر أزمات المياه في العالم، على عكس الدول المجاورة مثل الكويت وقطر والإمارات العربية المتحدة، التي حولت ندرة المياه إلى قصص نجاح.
تحد إيران الخليج العربي من الجنوب الغربي، وخليج عمان من الجنوب، وبحر قزوين من الشمال، إلا أنها تعاني من نقص حاد في المياه الصالحة للشرب. ويشير المحللون إلى أن الأزمة لا تنبع فقط من الندرة الطبيعية، بل أيضا من عقود من سوء الإدارة الحكومية وسوء التخطيط.
وبينما استثمرت دول الخليج بكثافة في البنية التحتية المتقدمة للمياه، خصصت إيران موارد كبيرة للمشاريع النووية المكلفة، مما ترك المواطنين يواجهون العطش والجفاف المتزايدين.
وتقدم الكويت نموذجا واضحا لكيفية إدارة ندرة الموارد بشكل فعال. وتدير البلاد ثماني محطات لتحلية المياه، توفر 93 في المائة من احتياجات المياه لسكانها البالغ عددهم خمسة ملايين نسمة، مما يجعلها واحدة من أكثر الدول أمناً مائياً في المنطقة. وبالمثل، تدير قطر 109 محطات لتحلية المياه توفر 48% من احتياجات المياه لثلاثة ملايين شخص، مما يضمن إمدادات مستدامة حتى أثناء الجفاف الشديد.
وقامت دولة الإمارات ببناء 70 محطة لتحلية المياه لتغطية 42% من احتياجات 11 مليون ساكن، وذلك باستخدام التكنولوجيا المتقدمة للحفاظ على كفاءة واستمرارية الخدمة. وتدير المملكة العربية السعودية، أكبر منتج للمياه المحلاة في العالم، 30 محطة ذات قدرة عالية، تلبي أكثر من نصف احتياجات مواطنيها البالغ عددهم 34 مليون نسمة.
وفي تناقض صارخ، توفر مرافق تحلية المياه في إيران أقل من ثلاثة في المائة من احتياجات البلاد من المياه لسكانها البالغ عددهم 92 مليون نسمة. ومعظمها صغير الحجم، ويعتمد على تقنيات قديمة وغير فعالة، ويعمل باستخدام الأساليب التقليدية. وكانت إيران من بين آخر الدول في الشرق الأوسط التي بدأت في تركيب محطات تحلية المياه، مما يعكس الاستجابة المتأخرة لأزمة المياه التي تلوح في الأفق.
وفي حين قامت الدول المجاورة بتعزيز البنية التحتية للمياه للتخفيف من حدة الجفاف، استثمرت إيران المليارات في البرامج النووية والصواريخ الباليستية، ولم يلبي أي منها الاحتياجات اليومية لسكانها.
ونتيجة لذلك، لجأت البلاد إلى ممارسات مائية غير مستدامة، مما أدى إلى تدهور بيئي حاد وانخفاض حاد في مستويات المياه الجوفية. وقد بدأت بعض المدن تعاني من “موت طبقة المياه الجوفية”، حيث يؤدي الإفراط في استخراج المياه الجوفية إلى هبوط الأراضي والتدهور البيئي.
ومع ارتفاع الاستهلاك وانخفاض هطول الأمطار، يواجه الإيرانيون مخاطر متزايدة من الجفاف الشديد، في حين يتمتع مواطنو البلدان المجاورة بإمدادات مستقرة من المياه حتى خلال فترات الجفاف. ويوضح التناقض عواقب التخطيط الاستراتيجي مقابل الإهمال.
تحركت الكويت وقطر والإمارات العربية المتحدة في وقت مبكر للاستثمار في تحلية المياه، وهو إجراء طويل الأجل يضمن الأمن المائي على الرغم من التحديات المناخية والنمو السكاني. وفي الوقت نفسه، أنفقت إيران مبالغ ضخمة على المفاعلات النووية، وتخصيب اليورانيوم وتطوير الصواريخ، وهي استثمارات تتجاوز بكثير تكلفة بناء محطات تحلية المياه المتقدمة. وتشير التقديرات إلى أنه حتى مفاعل نووي واحد في إيران يمكن أن يمول بناء العشرات من منشآت المياه الحديثة.
ونتيجة لذلك، يعتمد الإيرانيون على أساليب غير مستدامة، بما في ذلك الإفراط في ضخ المياه الجوفية، مما أدى إلى انخفاض مستويات المياه الجوفية، وتشقق التربة، وتراجع الإنتاجية الزراعية. وقد أدت السياسات سيئة التخطيط إلى توسيع الفجوة بين العرض والطلب على المياه، والتي تفاقمت بسبب النمو السكاني وارتفاع الاستهلاك، مما دفع البلاد نحو أزمة بيئية وإنسانية محتملة.
وفي الوقت نفسه، لم تقم دول الخليج ببناء محطات تحلية المياه فحسب، بل استخدمت أيضًا تقنيات متقدمة لضمان الكفاءة التشغيلية والتحكم في التكاليف واستمرارية الإمداد، حتى في حالات الطوارئ. وتثبت هذه البلدان أن ندرة الموارد لا تشكل عائقاً بطبيعتها؛ وعندما تتم إدارتها بذكاء، يمكن أن تصبح مصدرًا للاستقرار والقوة.
وتُظهر التجربة الإقليمية أيضًا أن الاستثمار في المياه ليس مجرد إجراء تفاعلي، بل هو مبادرة استراتيجية طويلة المدى ضرورية للأمن الوطني والقدرة على الصمود. وفي الكويت وقطر والإمارات العربية المتحدة، تشكل إدارة المياه حجر الزاوية في الاستقرار الاجتماعي والسياسي والاقتصادي.
وقد أدى إهمال إيران لقطاع المياه إلى تفاقم الضغوط الاقتصادية والاجتماعية، مما ساهم في تفاقم الأزمة الإنسانية. وتقلصت الأراضي الصالحة للزراعة، وانخفض إنتاج الغذاء المحلي، وتزايد الاعتماد على الواردات، مما زاد الضغط على الاقتصاد الوطني.
وتسلط الأزمة الإيرانية الضوء على درس أوسع نطاقا: وهو أن الإنفاق العسكري والنووي العدواني لا يضمن رفاهة المواطنين، في حين يضمن الاستثمار الاستراتيجي في القطاعات الحيوية مثل المياه الاستقرار الطويل الأمد. وفي حين تستطيع الكويت وقطر والإمارات العربية المتحدة الحفاظ على الحياة اليومية حتى في ظل الظروف المناخية القاسية، يظل الإيرانيون عرضة للجفاف والتدهور البيئي والهجرة القسرية المحتملة ما لم تتغير السياسات بشكل جذري.
والمقارنة صارخة: ندرة الموارد ليست عقبة لا يمكن التغلب عليها، بل هي الاختيار بين الاستدامة والفشل. وتظهر قصص النجاح في الكويت وقطر والإمارات العربية المتحدة أن التخطيط المبكر والاستثمار الاستراتيجي يمكن أن يحول الندرة إلى مصدر للقوة الوطنية.