بغداد / واشنطن
اجتاحت طائرات إيرانية بدون طيار الأجواء الجبلية في منطقة كردستان شمال العراق في منتصف يوليو/تموز، وركزت على أهدافها: حقول النفط التي يديرها الأميركيون.
أطلقتها مجموعة ميليشيا مدعومة من إيران داخل العراق، على الأرجح انتقاما من الضربات الأمريكية على المواقع النووية الإيرانية قبل أسابيع، أصابت حقل سارسانغ الذي تديره شركة HKN Energy، وهي شركة مملوكة لابن ملياردير تكساس روس بيرو.
وضرب صاروخ آخر حقلا مجاورا تديره شركة هانت أويل ومقرها دالاس.
وبحلول نهاية الهجوم الذي استمر أربعة أيام، والذي أدى أيضًا إلى تعطيل العمليات في شركة محلية وشركة DNO النرويجية، كان ما يقرب من نصف إنتاج إقليم كردستان قد توقف.
وأثار الهجوم المباشر على المصالح الأمريكية غضب واشنطن، التي شعرت منذ فترة طويلة أن العراق لا يفعل ما يكفي للتصدي للميليشيات الموالية لإيران، ودفعها إلى تكثيف حملة الضغط على بغداد، حسبما ذكرت رويترز نقلا عن مصادر مطلعة على الأمر.
وأدت تلك الحملة في نهاية المطاف إلى إعادة فتح العراق خط أنابيب تصدير رئيسي لنفط كردستان، وهو امتياز كبير يشير إلى ميل في ميزان النفوذ داخل العراق بعيدا عن طهران ونحو واشنطن.
وقال مصدر داخل إدارة ترامب حول رد الولايات المتحدة على ضربات الطائرات بدون طيار: “أعتقد أنه من الآمن أن نقول إن وزير (الخارجية ماركو) روبيو بعث ببعض الرسائل الصارمة إلى بغداد لتوضيح أن لحظة الاختيار كانت في متناول اليد”.
وكانت واشنطن تضغط من أجل إعادة فتح خط الأنابيب المؤدي إلى ميناء جيهان التركي منذ إغلاقه في عام 2023 وسط نزاع بين بغداد وحكومة إقليم كردستان بشأن مبيعات النفط مما أدى إلى عزل الحكومة الفيدرالية.
وكان ذلك جزئياً لمساعدة شركات النفط الأمريكية في كردستان، وجزئياً لمحاولة خفض أسعار النفط العالمية، وجزئياً لأن إغلاق خط الأنابيب أدى إلى تحويل النفط الخام جنوباً، مما أدى إلى تغذية شبكات التهريب التي تدر مبالغ ضخمة لإيران ووكلائها.
لكن ضربات الطائرات بدون طيار دفعت الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى نقل حملة واشنطن إلى مستوى آخر.
وفي الشهرين التاليين للهجمات، هدد ممثلوه كبار مسؤولي الطاقة العراقيين بفرض عقوبات إذا لم يتم إعادة تشغيل خط الأنابيب، حسبما قال أحد المصادر المشاركة في حملة الضغط.
ولم يؤكد مسؤول كبير في وزارة الخارجية الأمريكية أو ينفي التهديد بفرض عقوبات، لكنه قال إن الولايات المتحدة مارست ضغوطًا دبلوماسية “مكثفة للغاية” من أجل إعادة تشغيل خط الأنابيب.
ورفض البيت الأبيض التعليق على ما إذا كان هدد بفرض عقوبات على العراق. وامتنعت الحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان وشركة هانت أويل عن التعليق.
وتم الإعلان عن اتفاق أولي لإعادة تشغيل خط الأنابيب في 17 يوليو/تموز، وهو اليوم الأخير لهجمات الطائرات بدون طيار، وبعد شهرين من الضغوط الأمريكية المكثفة، بدأ النفط يتدفق في 27 سبتمبر/أيلول.
ولم تعلن أي جماعة مسؤوليتها عن هجمات الطائرات بدون طيار. وقال مصدر حكومي عراقي، نقلاً عن تحقيق أجرته الأجهزة الأمنية، إن تلك الهجمات كانت من عمل مجموعة ميليشيا قوية موالية لإيران، امتنع عن ذكر اسمها.
وقال مصدر أمني عراقي إن بغداد حذرت الجماعة من أن أي هجمات أخرى ستضعها في مواجهة مباشرة مع الحكومة.
تسلط الحلقة الضوء على طموحات الطاقة الأمريكية في الشرق الأوسط. والعراق هو ثاني أكبر منتج في منظمة البلدان المصدرة للبترول، والتي انتقدها ترامب بانتظام لمحاولته إبقاء أسعار النفط مرتفعة.
كما أنه يسلط الضوء على الروابط الوثيقة بين الدبلوماسية الأمريكية والمصالح التجارية الأمريكية في عهد ترامب.
وقال المصدر في الإدارة الأمريكية: “بعد أن استثمرنا الكثير في هذا البلد… من حيث الكنز الوطني والخسائر في أرواح الأمريكيين إلى جانب شركائنا العراقيين في هزيمة الإرهاب… نتوقع أن يكون هناك عائد كبير على هذا الاستثمار”.
وفي الوقت نفسه، يشير التنازل العراقي إلى تحول في ميزان النفوذ في البلاد.
لقد سارت بغداد منذ فترة طويلة على حبل دبلوماسي مشدود بين حلفائها الرئيسيين، ولكن أيضًا بين عدويها اللدودين، طهران وواشنطن.
وتدعم إيران، التي تخضع لعقوبات أميركية وغربية بسبب طموحاتها النووية، نحو عشرة فصائل شيعية مسلحة متشددة تنشط في العراق وتقود نحو خمسين ألف مقاتل وترسانة من الأسلحة، كما تتمتع بنفوذ سياسي واسع النطاق.
لكن قوتها وهيبتها أضعفتا بشدة بسبب الهجمات الإسرائيلية ضد وكلائها في المنطقة وإيران نفسها.
ومع ذلك، فمن غير الواضح ما إذا كان هذا التحول في السلطة سيستمر، أو مدى استدامة صفقة خط الأنابيب.
إن اتفاقية استئناف خط الأنابيب مؤقتة ومن المقرر أن تراجعها بغداد وحكومة إقليم كردستان في نهاية ديسمبر/كانون الأول.
ويتعقد المستقبل أيضًا بسبب انتهاء اتفاقية عام 1973 بين العراق وتركيا في يوليو/تموز المقبل والتي تحدد الأساس القانوني لصادرات النفط.
كما تواصل بغداد معارضتها لصفقتي الغاز الكرديتين اللتين أبرمتهما شركتا HKN Energy وWesternZagros ومقرهما فانكوفر مع حكومة إقليم كردستان في شهر مايو.
HKN هي جزء من مجموعة هيلوود للعقارات والطاقة ومقرها دالاس والتي أسسها روس بيرو جونيور، نجل روس بيرو، الملياردير العصامي من تكساس والمرشح الرئاسي مرتين.
تعد عائلة بيروت من الداعمين الرئيسيين للحزب الجمهوري، حيث تبرعت بأكثر من 3 ملايين دولار في عامي 2025 و2024، وفقًا للسجلات العامة.
وتقول بغداد إن الاتفاقيات المتعلقة بالموارد الطبيعية للعراق لا يمكن إبرامها إلا مع الحكومة الفيدرالية. ورفعت دعوى قضائية ضد حكومة إقليم كردستان بشأن الصفقات في 26 مايو/أيار، وفي الأسبوع نفسه وقعت اتفاقا مع شركة جيو جايد بتروليوم الصينية لتوسيع حقل نفط في جنوب العراق.
ومع ذلك، هناك دلائل على تحسن العلاقات الأميركية العراقية.
قدمت واشنطن مبعوثا خاصا جديدا إلى العراق في 19 تشرين الأول/أكتوبر، بعد أيام من موافقة شركة الطاقة الأمريكية العملاقة إكسون موبيل على العودة إلى البلاد للمساعدة في توسيع الإنتاج في جنوب العراق.
وقال دارين وودز، الرئيس التنفيذي لشركة إكسون، في مؤتمر عُقد في لندن يوم 13 أكتوبر/تشرين الأول: “إنها خطوة أولى مهمة للغاية فيما يتعلق بالعمل الذي نريد القيام به”. “أمامنا طريق طويل للغاية فيما يتعلق بأي شيء سيؤتي ثماره، لكننا متفائلون ونتطلع إلى تقييم ذلك”.
