أثارت تحقيقات نيابة إسطنبول المستمرة في قضايا المخدرات التي تشمل شخصيات بارزة، مخاوف متزايدة بشأن انتشار تعاطي المخدرات في تركيا، خاصة بين الشباب. وكشف مسؤولون في اتحاد مكافحة الإدمان عن انخفاض ملحوظ في سن بداية التعاطي، مع ظهور حالات بين الأطفال الذين لا يتجاوز عمرهم 12 عامًا، مما يضعف الجهود المبذولة لمكافحة هذه الظاهرة المتنامية.
وتتركز هذه القضية في إسطنبول، حيث تجري التحقيقات، ولكنها تعكس اتجاهًا مقلقًا على مستوى البلاد. وقد أكد رئيس الاتحاد خالد طوراق أن نحو 90% من المتعاطين دون سن الثامنة عشرة ينجرفون إلى شبكات المخدرات قسرًا، مما يثير تساؤلات حول آليات الاستغلال والضغط التي يتعرضون لها. وتأتي هذه التطورات في وقت تسعى فيه الحكومة إلى تطوير استراتيجيات وطنية جديدة لمكافحة الإدمان.
تزايد خطر تعاطي المخدرات بين القاصرين
أشار طوراق إلى أن الصورة أكثر خطورة بين الفئة العمرية الأقل من 18 عامًا، حيث وصل سن التعاطي إلى 12 عامًا. وهذا يمثل انخفاضًا كبيرًا مقارنة بالفترات السابقة، مما يشير إلى سهولة الوصول إلى المخدرات وتأثير العوامل الاجتماعية والاقتصادية على الشباب. وتشير البيانات إلى أن التعاطي لم يعد مجرد وسيلة للهروب من المشاعر السلبية، بل أصبح مرتبطًا بشكل متزايد بأغراض جنسية، خاصة بين الأفراد ذوي الدخل المرتفع.
آليات الاستغلال والضغط
وفقًا لتصريحات طوراق، فإن غالبية القاصرين الذين يتعاطون المخدرات يقعون ضحية للاستغلال من قبل شبكات الجريمة المنظمة. يدمن هؤلاء الشباب أولاً ثم يتم استغلالهم في أنشطة غير قانونية مثل بيع ونقل المخدرات، وذلك لسداد ديونهم أو للحفاظ على إمداداتهم.
بالإضافة إلى ذلك، تتعرض الفتيات القاصرات للإكراه على ممارسة الدعارة، بينما يضطر الذكور إلى ارتكاب جرائم مثل الحرق العمد والسرقة المسلحة. هذه الجرائم ليست فقط نتيجة للتعاطي، بل هي جزء من دائرة مفرغة من الاستغلال والإدمان.
أبعاد اجتماعية واقتصادية
لا يقتصر خطر الإدمان على الأفراد أنفسهم، بل يمتد ليشمل الأسر والمجتمع ككل. وتشير الدراسات إلى وجود علاقة بين الوضع الاجتماعي والاقتصادي للفرد وبين احتمالية تعاطيه المخدرات. فالشباب الذين يعيشون في ظروف صعبة، مثل الفقر والبطالة، هم أكثر عرضة للانخراط في هذه الأنشطة الخطيرة.
ومع ذلك، فإن انتشار التعاطي بين شرائح الدخل المرتفع يشير إلى أن المشكلة تتجاوز الأبعاد الاقتصادية البحتة، وتشمل عوامل نفسية واجتماعية معقدة. وتشير التقارير إلى أن الضغوط الاجتماعية والرغبة في التجربة والاستكشاف يمكن أن تدفع الشباب إلى تعاطي المخدرات بغض النظر عن خلفياتهم الاجتماعية والاقتصادية.
استراتيجيات وطنية لمكافحة الإدمان
وفي سياق متصل، أكد نائب الرئيس غودت يلماز في قمة لمنظمات المجتمع المدني أن مكافحة الإدمان تتطلب عملية تنسيق شاملة تشمل جميع أطراف المجتمع. وشدد على أهمية مشاركة الأسر والمجتمع المدني إلى جانب الدولة في جهود الوقاية والعلاج وإعادة التأهيل.
وتسعى الحكومة حاليًا إلى وضع إطار عمل شامل لمكافحة الإدمان بحلول عام 2028، من خلال ثلاث استراتيجيات وطنية للفترة 2024-2028. تهدف هذه الاستراتيجيات إلى تعزيز الوعي بمخاطر المخدرات، وتوفير خدمات علاجية فعالة، وتكثيف الجهود الأمنية لمكافحة تهريب وتوزيع المخدرات.
بالإضافة إلى ذلك، تركز الاستراتيجيات على دعم الأسر المتضررة من الإدمان، وتوفير فرص عمل وبرامج تدريبية للشباب المعرضين للخطر، وتعزيز التعاون الدولي في مجال مكافحة المخدرات. وتشمل الجهود أيضًا تطوير برامج تعليمية في المدارس والجامعات لزيادة الوعي بمخاطر المواد المخدرة.
ومع استمرار التحقيقات في قضايا المخدرات التي تشمل شخصيات بارزة، من المتوقع أن تشهد تركيا زيادة في الاهتمام العام بهذه القضية. وستراقب الجهات المعنية عن كثب تنفيذ الاستراتيجيات الوطنية الجديدة وتقييم فعاليتها في الحد من انتشار الإدمان. من غير الواضح حتى الآن ما إذا كانت هذه الاستراتيجيات ستكون كافية لمعالجة هذه المشكلة المعقدة، ولكنها تمثل خطوة مهمة في الاتجاه الصحيح. ومن المتوقع صدور تقرير تقييمي أولي حول التقدم المحرز بحلول نهاية عام 2025.