شهد الناتج الصناعي الصيني تباطؤًا ملحوظًا في شهر نوفمبر الماضي، مما أثار مخاوف بشأن استمرار التعافي الاقتصادي للبلاد. وبلغ النمو 4.8% على أساس سنوي، وهو أضعف أداء شهري منذ أغسطس 2024، وفقًا لبيانات رسمية. يأتي هذا التباطؤ في وقت تواجه فيه الصين تحديات اقتصادية متعددة، بما في ذلك أزمة في قطاع العقارات وتراجع الطلب العالمي.
البيانات الصادرة عن المكتب الوطني للإحصاءات في الصين تشير إلى أن هذا التباطؤ يؤثر على الشركات الصناعية الكبيرة، حيث يغطي الناتج الصناعي الشركات التي تتجاوز إيراداتها السنوية 20 مليون يوان (حوالي 2.85 مليون دولار أمريكي). ويأتي هذا في ظل جهود الحكومة لتحقيق نمو اقتصادي مستدام وتقليل الاعتماد على الصادرات.
تراجع الناتج الصناعي الصيني وأسباب مقلقة
يعكس تباطؤ النمو الصناعي في الصين صورة أوسع للتحديات الاقتصادية التي تواجهها البلاد. فبعد فترة من التعافي السريع من جائحة كوفيد-19، بدأت وتيرة النمو في التباطؤ بشكل ملحوظ. ويرجع ذلك جزئيًا إلى ضعف الطلب على الاستثمار العقاري، وهو قطاع حيوي للاقتصاد الصيني.
أزمة العقارات وتأثيرها على الصناعة
تعاني شركات التطوير العقاري الصينية من ضائقة مالية متزايدة، مما أدى إلى تأخير أو إلغاء العديد من المشاريع. وقد أثر ذلك سلبًا على الطلب على مواد البناء والمنتجات الصناعية الأخرى. بالإضافة إلى ذلك، أدت المخاوف بشأن الاستقرار المالي لقطاع العقارات إلى تراجع ثقة المستهلكين والمستثمرين.
وفقًا لتقارير رويترز، فإن هذا التباطؤ يدفع بعض المحللين إلى الدعوة إلى تدخل حكومي أكبر. ويشمل ذلك اتخاذ تدابير لتحفيز الطلب المحلي، ومعالجة المشاكل الهيكلية في قطاع العقارات، وتقليل الاعتماد المفرط على الصادرات كقوة دافعة للنمو الاقتصادي.
تراجع الطلب العالمي
بالإضافة إلى المشاكل الداخلية، يواجه الاقتصاد الصيني تحديات خارجية، بما في ذلك تباطؤ النمو العالمي وارتفاع أسعار الفائدة في الاقتصادات الكبرى. وقد أدى ذلك إلى انخفاض الطلب على المنتجات الصينية المصدرة، مما أثر سلبًا على الإنتاج الصناعي. كما أن التوترات الجيوسياسية المستمرة تؤثر على سلاسل التوريد العالمية وتزيد من حالة عدم اليقين.
الاستثمار في البنية التحتية، وهو محرك تقليدي للنمو في الصين، لم يكن كافيًا لتعويض التراجع في قطاع العقارات والصادرات. على الرغم من أن الحكومة قد أعلنت عن حزم تحفيزية، إلا أن تأثيرها على الاقتصاد الفعلي كان محدودًا حتى الآن. ويرجع ذلك جزئيًا إلى أن بعض هذه الحزم تستهدف الاستثمار العام بدلاً من تعزيز الطلب الخاص.
البيانات التفصيلية تشير إلى أن بعض القطاعات الصناعية تأثرت بشكل خاص بالتباطؤ. على سبيل المثال، شهد إنتاج السيارات انخفاضًا طفيفًا، في حين أن إنتاج الإلكترونيات والمعدات الكهربائية ظل ثابتًا نسبيًا. ومع ذلك، فإن التراجع العام في النمو الاقتصادي يشير إلى أن المشاكل أوسع نطاقًا من مجرد قطاع أو قطاعين.
تعتبر الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وأي تباطؤ في نموها له تداعيات عالمية. فقد يؤدي ذلك إلى انخفاض الطلب على السلع والخدمات من الدول الأخرى، مما يؤثر على النمو الاقتصادي العالمي. بالإضافة إلى ذلك، فإن أي أزمة مالية في الصين يمكن أن تنتشر بسرعة إلى الأسواق المالية العالمية.
الوضع الحالي يتطلب من الحكومة الصينية اتخاذ إجراءات حاسمة لمعالجة المشاكل الهيكلية في الاقتصاد. ويشمل ذلك إصلاح قطاع العقارات، وتنويع مصادر النمو، وتعزيز الطلب المحلي. كما أن الاستثمار في الابتكار والتكنولوجيا يمكن أن يساعد الصين على تحقيق نمو اقتصادي مستدام على المدى الطويل. وتشير بعض التحليلات إلى أهمية التركيز على التصنيع عالي التقنية لتعزيز القدرة التنافسية للصين.
بالإضافة إلى ذلك، من الضروري مراقبة تطورات السياسة النقدية والمالية في الصين. فقد يلجأ البنك المركزي الصيني إلى خفض أسعار الفائدة أو اتخاذ تدابير أخرى لتخفيف الظروف المالية وتحفيز النمو. ومع ذلك، فإن هذه التدابير قد تكون محدودة بسبب المخاوف بشأن التضخم وارتفاع مستويات الديون.
من المتوقع أن يصدر المكتب الوطني للإحصاءات في الصين بيانات جديدة عن الأداء الاقتصادي في نهاية الشهر المقبل. وستوفر هذه البيانات مزيدًا من الوضوح حول مدى خطورة التباطؤ وما إذا كانت الحكومة قد اتخذت أي إجراءات فعالة لمعالجته. ويرى المحللون أنهم سيراقبون عن كثب مؤشرات مثل الاستثمار في الأصول الثابتة، ومبيعات التجزئة، والإنتاج الصناعي.