أظهرت دراسة حديثة أن تطور تصلب الشرايين لا يعتمد فقط على تراكم الكوليسترول، بل يتأثر بشكل كبير بالعمليات الأيضية داخل الخلايا المناعية، وخاصة الخلايا البلعمية. هذا الاكتشاف يفتح الباب أمام فهم أعمق لأسباب الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، وربما تطوير علاجات أكثر فعالية في المستقبل. الدراسة، التي نشرت في مجلة Cardiovascular Research، تلقي الضوء على دور البرمجة الأيضية للخلايا المناعية في هذه العملية المعقدة.
أجريت الدراسة من قبل فريق بحثي دولي، وتهدف إلى تحديد العوامل التي تساهم في تحول اللويحات المتراكمة في الشرايين من حالة مستقرة إلى حالة خطيرة قد تؤدي إلى نوبة قلبية أو سكتة دماغية. النتائج تشير إلى أن التغيرات في بيئة الخلايا الأيضية تؤثر على قدرتها على معالجة الدهون والأحماض الأمينية، مما يؤدي إلى تفاقم تصلب الشرايين.
فهم دور الخلايا المناعية في تصلب الشرايين
ركز الباحثون على الخلايا البلعمية، وهي نوع من الخلايا المناعية التي تلعب دورًا رئيسيًا في استجابة الجسم للالتهابات وإزالة الخلايا الميتة. ووفقًا للدراسة، فإن هذه الخلايا تخضع لتغيرات أيضية تؤثر على وظيفتها في جدران الأوعية الدموية والأنسجة الدهنية والكبد. هذه التغيرات يمكن أن تؤدي إلى تراكم الدهون داخل الخلايا البلعمية وتحولها إلى ما يعرف بـ “الخلايا الرغوية”، وهي مكون أساسي في اللويحات التي تسبب تصلب الشرايين.
تحديد المؤشرات الحيوية للتطور المرضي
كشف التحليل عن ارتفاع نشاط جزيئات معينة في الخلايا البلعمية المرتبطة بتطور تصلب الشرايين، بما في ذلك Trem2 وFolr2 وSlc7a7. يعتبر هذا الارتفاع مؤشرًا على تحولات عميقة في وظيفة الخلايا المناعية وطريقة تفاعلها مع الدهون داخل جدار الأوعية. تشير النتائج إلى أن هذه الجزيئات قد تكون أهدافًا محتملة لتطوير علاجات جديدة.
على وجه الخصوص، سلط الباحثون الضوء على دور ناقل الأحماض الأمينية Slc7a7، المرتبط باستقلاب الغلوتامين. أظهرت التجارب أن تعطيل هذا البروتين يقلل من قدرة الخلايا البلعمية على امتصاص الدهون المعدلة، وبالتالي يحد من تحولها إلى خلايا رغوية. وهذا يشير إلى أن استهداف Slc7a7 قد يكون استراتيجية واعدة للحد من تطور اللويحات.
يؤكد الباحثون أن هذه النتائج تتجاوز الفهم التقليدي لتكوّن اللويحات، الذي كان يركز بشكل أساسي على ارتفاع مستويات الدهون في الدم. فالآن، يتبين أن طريقة تعامل الخلايا المناعية مع المغذيات تلعب دورًا حاسمًا أيضًا. هذا التحول في الفهم يفتح آفاقًا جديدة لتطوير أدوات تشخيصية أكثر دقة وعلاجات مبتكرة للوقاية من تصلب الشرايين وأمراض القلب المصاحبة.
بالإضافة إلى ذلك، تشير الدراسة إلى أهمية النظر في العوامل الأيضية عند تقييم خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية. فقد يكون من الممكن تحديد الأفراد الأكثر عرضة للإصابة بهذه الأمراض من خلال تحليل نشاط الجزيئات المذكورة في الخلايا المناعية لديهم. هذا قد يسمح باتخاذ تدابير وقائية مبكرة لتقليل خطر الإصابة.
ومع ذلك، يشدد الباحثون على أن هذه النتائج لا تزال أولية وتتطلب المزيد من البحث لتأكيدها وتحديد أفضل الطرق لتطبيقها في الممارسة السريرية. من الضروري إجراء دراسات إضافية على نطاق أوسع لتقييم فعالية استهداف هذه الجزيئات في الوقاية من تصلب الشرايين وعلاجها.
الخطوة التالية المتوقعة هي إجراء تجارب سريرية لتقييم سلامة وفعالية الأدوية التي تستهدف Slc7a7 أو الجزيئات الأخرى التي تم تحديدها في الدراسة. من المتوقع أن تبدأ هذه التجارب في غضون السنوات القليلة المقبلة، وستساعد في تحديد ما إذا كان من الممكن تطوير علاجات جديدة تعتمد على هذه الاكتشافات. يبقى من غير المؤكد ما إذا كانت هذه العلاجات ستكون فعالة في جميع المرضى، ولكن النتائج الأولية واعدة.