لقد برزت استدامة الرعاية الصحية باعتبارها واحدة من أهم التحديات في عصرنا، مما يؤثر على المجتمعات في جميع أنحاء العالم. تقدر منظمة الصحة العالمية (WHO) أن استدامة الرعاية الصحية تساهم بشكل مباشر في حالات الطوارئ الإنسانية، بما في ذلك التحديات مثل موجات الحر وحرائق الغابات والفيضانات والعواصف الاستوائية والأعاصير، التي تتزايد من حيث الحجم والتكرار والشدة. تظهر الأبحاث أن 3.6 مليار شخص يعيشون بالفعل في مناطق معرضة بشدة للتحديات التي تواجه استدامة الرعاية الصحية. ومن المتوقع أن تتسبب هذه التحديات بين عامي 2030 و2050 في وفاة ما يقرب من 250 ألف شخص إضافي سنويا، ويرجع ذلك في المقام الأول إلى نقص التغذية وتلوث الهواء والإسهال والكوارث الطبيعية. وفي مواجهة هذا التهديد الوجودي، خطت دولة الإمارات العربية المتحدة خطوات ملحوظة لتطوير نظام صحي قادر على تحمل عواقب التحديات في استدامة الرعاية الصحية. ومن خلال إعطاء الأولوية للاستدامة في مجال الرعاية الصحية، لا تعمل دولة الإمارات العربية المتحدة على صياغة مستقبل أكثر صحة لشعبها فحسب، بل تعمل أيضًا على قيادة الابتكار والدعوة إلى التغيير الذي يعود بالنفع على المجتمع والكوكب ككل. مع استعداد العالم لمؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (COP28)، أصبحت الحاجة الملحة إلى تنفيذ أنظمة رعاية صحية قادرة على مواجهة التحديات واضحة بشكل متزايد.
لقد أدركت دولة الإمارات العربية المتحدة، المعروفة بنهجها الحكيم والتزامها بالابتكار، الحاجة إلى تطوير نظام صحي قادر على التكيف مع التحديات التي تفرضها استدامة الرعاية الصحية. يشكل ارتفاع درجات الحرارة والظواهر الجوية المتطرفة وأنماط الأمراض المتغيرة عقبات هائلة أمام أنظمة الرعاية الصحية في جميع أنحاء العالم. تدرك دولة الإمارات العربية المتحدة، بقيادتها التقدمية، أهمية بناء نظام صحي مرن قادر على حماية صحة مواطنيها والمقيمين فيها. ومن خلال الاستثمار في البنية التحتية المستدامة، يمكن لمرافق الرعاية الصحية أن تتغلب على عاصفة الظروف المتغيرة وتستمر في تقديم الخدمات الحيوية حتى في مواجهة الشدائد.
تكمن الاستدامة في قلب بناء مستقبل أكثر صحة للأفراد والمجتمع والكوكب ككل. إن تبني الاستدامة في مجال الرعاية الصحية يشمل نهجا شاملا لا يقلل من انبعاثات الكربون فحسب، بل يركز أيضا على تعزيز الرفاهية. تعد المباني الموفرة للطاقة وبرامج تقليل النفايات وإعادة التدوير ودمج مصادر الطاقة المتجددة من بين ممارسات الرعاية الصحية المستدامة التي تساهم في تقليل البصمة البيئية لمرافق الرعاية الصحية. تعد المدينة المستدامة في دبي ومستشفى الشيخ خليفة الطبي في أبو ظبي أمثلة قليلة على التزام دولة الإمارات العربية المتحدة بالاستدامة. تعد دولة الإمارات العربية المتحدة واحدة من أكثر الدول حكمة فيما يتعلق بالتخلص من النفايات الطبية والخطرة حيث يُطلب من مقدمي الرعاية الصحية أن يكون لديهم اتفاق مع الوكالات المهنية التي تقوم بجمع النفايات الطبية والتخلص منها بأمان لتجنب التلوث والتأثير على الرعاية الصحية للمرضى والمهنيين الطبيين. . علاوة على ذلك، من خلال تعزيز أنماط الحياة المستدامة وتدابير الرعاية الصحية الوقائية، يمكننا تحقيق نتائج صحية أفضل مع تخفيف العبء على نظام الرعاية الصحية على المدى الطويل.
يعد الابتكار قوة دافعة وراء ممارسات الرعاية الصحية المستدامة، وتقف دولة الإمارات العربية المتحدة في طليعة هذه الرحلة التحويلية. ومن خلال تسخير قوة التكنولوجيا، تُحدث البلاد ثورة في صناعة الرعاية الصحية. إن التطبيب عن بعد، والأجهزة القابلة للارتداء، والذكاء الاصطناعي، وتحليلات البيانات ليست سوى أمثلة قليلة على ابتكارات الرعاية الصحية المستدامة التي تشكل مستقبل تقديم الرعاية الصحية على مستوى العالم. لا تعمل هذه التقنيات على تعزيز رعاية المرضى فحسب، بل تساهم أيضًا في إنشاء أنظمة رعاية صحية أكثر كفاءة واستدامة. على سبيل المثال، تقلل مراقبة المرضى عن بعد من الحاجة إلى زيارات غير ضرورية إلى المستشفى، مما يقلل من انبعاثات الكربون المرتبطة بالنقل وفي نفس الوقت يقلل الضغط على البنية التحتية للرعاية الصحية.
علاوة على ذلك، يمتد الابتكار المستدام في مجال الرعاية الصحية إلى ما هو أبعد من التقدم التكنولوجي. يلعب تطوير واستخدام الأجهزة والمواد الطبية الصديقة للبيئة دورًا محوريًا في تقليل التأثير البيئي لقطاع الرعاية الصحية. تعمل الإمدادات والمعدات الطبية القابلة للتحلل الحيوي أو القابلة لإعادة الاستخدام على تقليل توليد النفايات بشكل كبير، بينما يؤدي دمج الممارسات المستدامة في تصنيع الأدوية إلى تقليل استهلاك المياه وتعزيز استخدام مصادر الطاقة النظيفة. ومن خلال تبني هذه المبادرات، يمكن لقطاع الرعاية الصحية أن يساهم بشكل كبير في مستقبل أكثر خضرة واستدامة.
إن العلاقة بين استدامة الرعاية الصحية والعدالة الاجتماعية لا يمكن إنكارها. تؤدي استدامة الرعاية الصحية إلى تفاقم الفوارق الصحية القائمة، مما يؤثر بشكل غير متناسب على الفئات السكانية الضعيفة. تعد المجتمعات المهمشة والفئات ذات الدخل المنخفض والمناطق ذات الوصول المحدود إلى الرعاية الصحية أكثر عرضة لتأثيرات استدامة الرعاية الصحية. إن موجات الحر والكوارث الطبيعية وانتشار الأمراض المعدية ليست سوى أمثلة قليلة على كيفية تضخيم استدامة الرعاية الصحية لعدم المساواة في مجال الصحة. من خلال معالجة استدامة الرعاية الصحية وضمان تطوير أنظمة الرعاية الصحية القادرة على مواجهة التحديات، فإننا نخطو خطوة مهمة نحو تحقيق العدالة الاجتماعية في مجال الرعاية الصحية.
بالإضافة إلى ذلك، هناك العديد من السبل الأخرى التي يمكن أن تساهم في رعاية صحية مرنة ومستدامة. وأحد هذه المجالات هو البحث والتطوير، الذي يلعب دورا حاسما في دفع الابتكار وإيجاد حلول مستدامة. يعد الاستثمار في الأبحاث لفهم الآثار الصحية لاستدامة الرعاية الصحية، وتطوير بنية تحتية مرنة وتعزيز ممارسات الرعاية الصحية المستدامة أمرًا ضروريًا. يمكن للشراكات التعاونية بين مؤسسات الرعاية الصحية والمنظمات البحثية وصانعي السياسات أن تسهل تبادل المعرفة وأفضل الممارسات، وتسريع التقدم نحو نظام مرن للرعاية الصحية.
علاوة على ذلك، يعد التعليم والتوعية أمرًا حيويًا لضمان نجاح مبادرات الرعاية الصحية المستدامة. إن تثقيف المتخصصين في الرعاية الصحية حول العلاقة بين استدامة الرعاية الصحية والصحة وتدريبهم على الممارسات المستدامة يزودهم بالأدوات اللازمة لمواجهة التحديات المقبلة. إن رفع الوعي العام حول أهمية ممارسات الرعاية الصحية المستدامة يمكّن الأفراد من اتخاذ خيارات مستنيرة تساهم في مستقبل أكثر صحة واستدامة.
إن استدامة الرعاية الصحية ليست تهديدًا بعيدًا ولكنها حقيقة حاضرة وستستمر تأثيراتها على أنظمة الرعاية الصحية في التصاعد إذا فشلنا في التصرف بسرعة. يعد مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (COP28) بمثابة منصة مهمة للقادة العالميين وصانعي السياسات والمتخصصين في الرعاية الصحية لإعطاء الأولوية للأنظمة المرنة للرعاية الصحية وتعزيز التعاون لإحداث تغيير هادف. لقد حان وقت العمل الآن، ومعًا، يمكننا بناء نظام رعاية صحية أكثر استدامة ومرونة وإنصافًا يستفيد منه الجميع.
إن التزام دولة الإمارات العربية المتحدة بتطوير نظام صحي قادر على مواجهة تحديات استدامة الرعاية الصحية هو بمثابة مثال ملهم للعالم. ومن خلال إعطاء الأولوية للاستدامة، وتحفيز الابتكار، وإدراك العلاقة بين التحديات في استدامة الرعاية الصحية والرعاية الصحية والعدالة الاجتماعية، تمهد دولة الإمارات الطريق لمستقبل أكثر صحة واستدامة. ومع انعقاد مؤتمر COP28 المؤثر على بعد أسابيع قليلة فقط، يجب على قادة العالم الاعتراف بالحاجة الملحة إلى تنفيذ أنظمة مرنة للرعاية الصحية واتخاذ إجراءات حاسمة للتخفيف من الآثار الصحية للتحديات في استدامة الرعاية الصحية. دعونا نغتنم هذه الفرصة لبناء مستقبل أفضل للجميع، حيث تكون الرعاية الصحية مرنة ومستدامة ومتاحة للجميع. (ينتهي)
– مقال بقلم الدكتور آزاد موبين، مؤسس ورئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب لشركة Aster DM Healthcare
