مسقط –
رحب مفتي سلطنة عمان الشيخ أحمد بن حمد الخليلي باستيلاء الحوثيين على سفينة شحن في مياه البحر الأحمر. ويعد رد فعل المفتي محرجا للغاية للسلطات لأنه يتعارض مع التزامات عمان الدولية ويشكل تحديا لعلاقات البلاد الدبلوماسية مع الدول الأخرى، بما في ذلك القوى الكبرى التي تحرص على الحفاظ على سلامة الملاحة البحرية الإقليمية، التي تعد عصبا حيويا لاقتصادات العالم.
لكن المطلعين على السياسة العمانية استبعدوا احتمال أن يكون تصريح المفتي، الذي يعتبر من كبار موظفي الدولة، مبادرة فردية وعفوية، مشددين على أن “الروح الثورية” التي تتسم بها آراءه في عدة قضايا هي سوى جزء من الدور المنوط به من قبل السلطات. والهدف من ذلك هو إنشاء قناة تستطيع الدولة من خلالها مراقبة مشاعر الجمهور العماني، الذي يغلب عليه المحافظون. وهذا من شأنه، بحسب مراقبين، منع تفاقم التوترات داخل المجتمع نتيجة أي سياسات حكومية لا تحظى بدعم شعبي، بما في ذلك إقامة علاقات قوية، وإن كانت غير رسمية، مع إسرائيل.
وقال الخليلي في تدوينة على موقع “إكس” المعروف سابقاً بتويتر، إنه يدعم “جهاد” الحوثيين، ودعا “كافة الشعب اليمني الشقيق إلى الالتفاف حول هذا المبدأ الديني العظيم لنصرة المظلومين والمضطهدين من إخواننا”.
وبتعبيره عن موقف متشدد ضد إسرائيل، يكون المفتي على خلاف مع سياسات الدولة التي ينتمي إليها رسميا.
وتحتفظ عمان بعلاقات غير رسمية ولكن قوية مع إسرائيل، كما يتضح من زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى مسقط عام 2018، عندما استقبله السلطان الراحل قابوس بن سعيد.
وعقب زيارة نتنياهو، انتشر مقطع فيديو، ظهر فيه الخليلي وهو يعبر عن موقف ديني عام، معتبراً أن مغازلة الأعداء تخالف الشرع، مستشهداً بالآية القرآنية: (ولن يرضى عنك اليهود ولن يرضى عنك النصارى) والنصارى) حتى تتبع ملتهم).
ورغم أن محتوى الفيديو ردد موقفا متخذا على نطاق واسع في خطب الدعاة والمشايخ، ولم يتضمن أي إشارة إلى زيارة نتنياهو إلى السلطنة، إلا أنه تم الترويج له على نطاق واسع على الإنترنت على أنه “شجاع”.
من خلال تقديم الفيديو على أنه “مسرب”، رغم نشره على حساب الخليلي الرسمي على موقع X، خلقت حوله هالة من الغموض والارتباك
لكن الفيديو تجاهلته وسائل الإعلام التي سلطت الضوء على تورط المفتي في تبرير الزيارة باعتباره جزءا من الدولة العمانية.
جاء ذلك في رسالة بعث بها إلى رجل الدين الإيراني جعفر الصبحاني أكد له فيها أن زيارة نتنياهو إلى مسقط لا تعني إقامة علاقات رسمية بين السلطنة وإسرائيل. وشدد على “الموقف العماني الدائم تجاه القضية الفلسطينية ودعم السلطنة للنضال الفلسطيني واسترداد الحقوق المغتصبة كاملة”.
وقال المفتي في الرسالة أيضًا إن “الوضع استدعى تبادل الزيارات لتخفيف العبء عن الشعب الفلسطيني”.
وكان الظهور المفاجئ لنتنياهو إلى جانب السلطان قابوس بن سعيد في أكتوبر 2018 بمثابة مفاجأة مدوية للعمانيين وشعوب المنطقة، الذين علم الكثير منهم بوجود علاقات بين مسقط وتل أبيب دون أن يتوقعوا أن تصل إلى هذه الدرجة من التطور، والدليل على ذلك مدى الحفاوة التي استقبل بها السلطان الراحل نتنياهو.
لكن الأمر لم يكن مفاجئا للمراقبين والمتابعين للشأن العماني، الذين اعتادوا التعامل مع نهج الدولة العمانية في العلاقات الخارجية. وفي الواقع فإن دبلوماسية السلطنة تقوم على الالتزام بأقصى درجات السرية والسرية. وهذا أمر يعود بالأساس إلى طبيعة الدولة التي لا تعتبر نفسها ملزمة بإعلام الجمهور بتفاصيل سياساتها وتحركاتها، التي يعتبر بعضها مصيريا.
وتشير السرية التي تتبعها الدولة العمانية إلى مدى صرامة السلطنة وعدم السماح لأي تعبير غير الموقف الرسمي، حتى لو كان الخليلي، بمكانته الدينية وجاذبيته الشعبية.