اندلع القتال الدامي في غزة يوم الاثنين بعد أن حذرت إسرائيل من أنه إذا لم تفرج حماس عن جميع الرهائن، فإنها ستواصل هجومها خلال شهر رمضان المبارك، بما في ذلك منطقة رفح في أقصى الجنوب.
وقد تصاعد القلق العالمي بشأن مصير 1.4 مليون فلسطيني أجبروا على العيش في رفح بالقرب من الحدود المصرية، حيث تعرضوا للقصف ونقص حاد في الغذاء بينما يعيشون في ملاجئ مؤقتة وخيام مكتظة.
وقالت وزارة الصحة في القطاع الذي تديره حماس إن الغارات والمعارك الليلية في غزة قتلت أكثر من 100 فلسطيني، معظمهم من النساء والأطفال، مما رفع عدد القتلى إلى أكثر من 29 ألفا، مع اشتداد القتال في خان يونس شمال رفح.
حذر عضو مجلس الوزراء الحربي بيني غانتس يوم الأحد من أن الجيش الإسرائيلي مستعد للتوغل بشكل أعمق في رفح خلال شهر رمضان الذي يبدأ في 10 مارس تقريبًا بناءً على التقويم القمري.
وقال غانتس، رئيس أركان الجيش السابق: “يجب على العالم أن يعرف، وعلى قادة حماس أن يعرفوا: إذا لم يعد الرهائن إلى منازلهم بحلول شهر رمضان، فإن القتال سيستمر في كل مكان، بما في ذلك منطقة رفح”.
وأضاف “سنفعل ذلك بطريقة منسقة لتسهيل إجلاء المدنيين بالحوار مع الشركاء الأمريكيين والمصريين وتقليل الخسائر في صفوف المدنيين قدر الإمكان”.
وأضاف: “لدى حماس خيار. يمكنها أن تستسلم، وتطلق سراح الرهائن، ويمكن للمدنيين في غزة أن يحتفلوا بعيد رمضان”.
ولم تحدد إسرائيل حتى الآن المكان الذي يمكن للفلسطينيين الفرار إليه بعد أكثر من أربعة أشهر من الحرب المدمرة التي دمرت مساحات شاسعة من قطاع غزة.
وشددت مصر على أنها لا تريد أن يفر سكان غزة إلى أراضيها في سيناء، بحجة أن هذا من شأنه أن يسهل جهود إخلاء غزة من سكانها الفلسطينيين، وهو الهدف الذي تنفيه إسرائيل.
تظهر صور الأقمار الصناعية أن مصر بدأت في إقامة سياج مسور مواز لحدود غزة، في خطوة احترازية واضحة في حالة حدوث رحلة جماعية للاجئين.
– “نصر كامل” –
وتزايدت الضغوط الدولية على إسرائيل لوقف الحرب في القطاع الساحلي المحاصر، لكن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أصر على أن الجيش سوف يدمر حماس ويعيد الأسرى المتبقين.
وفي حديثه يوم الأحد، تعهد رئيس الوزراء اليميني مرة أخرى بتحقيق “النصر الكامل” على حماس، حتى في الوقت الذي يواجه فيه ضغوطًا متزايدة داخل إسرائيل من الاحتجاجات المناهضة للحكومة وأقارب الرهائن اليائسين.
وبدأت الحرب عندما شنت حماس هجومها غير المسبوق في 7 تشرين الاول/اكتوبر والذي اسفر عن مقتل نحو 1160 شخصا في جنوب اسرائيل، معظمهم من المدنيين، بحسب تعداد لوكالة فرانس برس استنادا الى ارقام اسرائيلية رسمية.
كما احتجز مسلحو حماس، التي تعتبرها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وحكومات أخرى جماعة “إرهابية”، حوالي 250 رهينة، ما زال 130 منهم في غزة، بما في ذلك 30 قتيلاً، بحسب إسرائيل.
وأسفرت الحملة الانتقامية الإسرائيلية واسعة النطاق عن مقتل ما لا يقل عن 29092 شخصًا، معظمهم من النساء والأطفال، وفقًا لآخر إحصاء صادر عن وزارة الصحة في القطاع.
نشر الجيش يوم الاثنين لقطات من داخل قطاع غزة الذي مزقته الحرب تظهر فيها القوات المقاتلة الإسرائيلية مع وحدات الكلاب البوليسية وهي تخوض معارك ضارية من منزل إلى منزل والدبابات وهي تتحرك عبر الرمال وسط بقايا متفحمة من المباني المدمرة.
أجبرت الأزمة الإنسانية المتصاعدة في غزة بعض الفلسطينيين على طحن علف الحيوانات وتحويله إلى دقيق.
وقالت امرأة من شمال غزة لوكالة فرانس برس “أطفالي يتضورون جوعا، يستيقظون يبكون من الجوع”. “من أين أحصل على الطعام لهم؟”
وقالت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين التابعة للأمم المتحدة، التي كانت على خلاف مرير مع إسرائيل، إن ما يقرب من ثلاثة أرباع سكان غزة يشربون مياها ملوثة، وحذرت من أن “سرعة التدهور في غزة غير مسبوقة”.
– المستشفى المحاصر –
وفشلت محادثات الهدنة التي استمرت أسابيع بمشاركة وسطاء أمريكيين ومصريين وقطريين في التوصل إلى اتفاق لوقف القتال، ورفضت إسرائيل مطالب حماس، التي تشمل الانسحاب الكامل لقواتها.
واندلع قتال عنيف داخل وحول مستشفى ناصر في خان يونس، المحاصر منذ أكثر من أسبوع والذي قالت منظمة الصحة العالمية إنه لم يعد يعمل.
وقال الجيش الإسرائيلي يوم السبت إنه اعتقل نحو 100 مشتبه به في المستشفى وإنه عثر هناك على أدوية كانت قد أرسلت للرهائن ولكن لم يتم تسليمها لهم قط.
وقالت وزارة الصحة في غزة إن سبعة مرضى، بينهم طفل، توفوا هناك منذ يوم الجمعة بسبب انقطاع التيار الكهربائي، وتم اعتقال “70 موظفا بينهم أطباء العناية المركزة”.
وقال رئيس منظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس إن ما لا يقل عن 20 من أصل 200 مريض ما زالوا هناك بحاجة ماسة إلى النقل إلى مرافق أخرى، مضيفًا أن منظمته “لم يُسمح لها بدخول” الموقع.
وقال المتحدث العسكري الإسرائيلي ريتشارد هيشت إنه تم تسليم إمدادات الديزل والأكسجين إلى المستشفى، كما يجري تشغيل مولد مؤقت.
وقال وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف جالانت إنه في مستشفيي الناصر والأمل في خان يونس، “عملت القوات بدقة كبيرة للقبض على الإرهابيين، دون وقوع إصابات في صفوف المدنيين”.
– ادعاء “إبادة جماعية” –
ومع تزايد الضغوط الدولية على إسرائيل، افتتحت المحكمة العليا التابعة للأمم المتحدة أسبوعا من جلسات الاستماع اعتبارا من يوم الاثنين لبحث التبعات القانونية لاحتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية المستمر منذ 57 عاما.
وقال وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي أمام المحكمة إن شعبه يعاني من “الاستعمار والفصل العنصري” في ظل الاحتلال الإسرائيلي.
وتعد جلسات الاستماع، التي طلبتها الجمعية العامة للأمم المتحدة، منفصلة عن القضية البارزة التي رفعتها جنوب أفريقيا والتي تزعم أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في هجومها الحالي على غزة.
وتطالب الحكومات الغربية بشكل متزايد بالاعتراف الأحادي بالدولة الفلسطينية ليكون جزءا من عملية سلام أوسع نطاقا.
لكن الحكومة الإسرائيلية تبنت يوم الأحد إعلانا جاء فيه أن “إسرائيل ترفض تماما الإملاءات الدولية بشأن التسوية الدائمة مع الفلسطينيين”.
وقالت إن أي تسوية، “إذا تم التوصل إليها، لن تتم إلا من خلال المفاوضات المباشرة بين الطرفين، دون شروط مسبقة”.
اتهم الرئيس البرازيلي لويز إيناسيو لولا دا سيلفا إسرائيل يوم الأحد بارتكاب “إبادة جماعية” وشبه أفعالها بحملة أدولف هتلر لإبادة اليهود.
ووصف نتنياهو التصريحات بأنها “مخزية” وكذلك “التقليل من شأن المحرقة ومحاولة للإضرار بالشعب اليهودي وحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”.
بور-phz/fz/jsa
