:
أكد البنك المركزي الروسي أنه لن يسحب دعواه القضائية ضد شركة “يوروكلير” البلجيكية، وأنه يدرس خيارات الدفاع عن مصالحه في محاكم دولية أخرى، وذلك في ظل استمرار تجميد أصول روسية بمليارات اليوروهات. يأتي هذا التصريح، من رئيسة البنك المركزي الروسي، إيلينا نبيولينا، ردًا على أسئلة حول إمكانية تخفيف حدة الصراع القانوني المتعلق بالأصول المجمدة. هذه الخطوة تأتي في سياق خلاف متصاعد حول تجميد الأصول الروسية واستخدامها لتمويل أوكرانيا.
أعلنت نبيولينا في مؤتمر صحفي عقب اجتماع مجلس إدارة البنك المركزي الروسي أن البنك لا يخطط لسحب الدعوى المرفوعة ضد “يوروكلير”. وأضافت أن البنك يفكر بجدية في اللجوء إلى المحاكم والتحكيم الدوليين لحماية مصالحه، مع إمكانية تنفيذ الأحكام الصادرة في دول أخرى. وتهدف هذه الإجراءات إلى استعادة الأصول المجمدة وتعويض الأضرار والخسائر المتكبدة.
الخلاف حول الأصول الروسية المجمدة وتصعيد موسكو
يجمد الاتحاد الأوروبي ودول مجموعة السبع حوالي 300 مليار يورو من الأصول الروسية، يُحفظ الجزء الأكبر منها، بقيمة 180 مليار يورو، في شركة “يوروكلير”. وقد أصبحت هذه الأصول نقطة خلاف رئيسية بين روسيا والغرب، خاصة مع البحث عن آليات لتمويل جهود إعادة إعمار أوكرانيا.
في وقت سابق، فشل قادة الاتحاد الأوروبي في التوصل إلى اتفاق بشأن مصادرة هذه الأصول بشكل مباشر لصالح أوكرانيا، تحت مسمى “قرض تعويضات”. بدلاً من ذلك، تم الاتفاق على تخصيص 90 مليار يورو لكييف على مدى العامين المقبلين من خلال آلية قرض تستند إلى الأرباح المتأتية من الأصول المجمدة.
في الثاني عشر من ديسمبر الحالي، قدم البنك المركزي الروسي دعوى قضائية إلى محكمة التحكيم في موسكو ضد “يوروكلير” بقيمة تقدر بـ 18.2 تريليون روبل. تشمل هذه الدعوى الأموال المجمدة والاحتفاظ بالأوراق المالية المجمدة، بالإضافة إلى المطالبة بتعويض عن الأرباح الضائعة نتيجة للتجميد.
رد الفعل الروسي والتحذيرات
أشار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سابقًا إلى أن روسيا ستدافع عن حقوقها في المحاكم في حال مصادرة أصولها من قبل الدول الأوروبية. كما أكد بوتين على أن موسكو ستسعى لإيجاد ولاية قضائية مستقلة عن الضغوط السياسية.
وحذر بوتين من أن أي محاولة لمصادرة الأصول الروسية ستنعكس سلبًا على أوروبا، ليس فقط من الناحية المادية، ولكن أيضًا من حيث سمعتها ومكانتها الدولية. كما أضاف أن أوروبا ستضطر في النهاية إلى إعادة ما سلبته. هذه التصريحات تشير إلى تصميم روسي على استعادة أصولها، حتى في حال اضطر ذلك إلى خوض معارك قانونية طويلة.
ويعكس هذا الإجراء الروسي تصاعدًا في التوتر الدبلوماي والقانوني مع الغرب، وتصميمًا على مواجهة الإجراءات العقابية المفروضة عليها. ويعتبر تجميد الأصول الروسية إجراءً غير مسبوق، مما يزيد من تعقيد الوضع القانوني والسياسي.
الأصول المجمدة ليست مجرد قضية مالية، بل هي أيضًا رمز للصراع الجيوسياسي بين روسيا والغرب. وفي حين يرى الغرب أن هذه الإجراءات ضرورية لممارسة الضغط على روسيا، تعتبرها موسكو بمثابة سرقة للأموال العامة. هذا التباين في وجهات النظر يجعل من الصعب التوصل إلى حلول سلمية.
الاستثمار الأجنبي في روسيا قد يتأثر بشكل كبير نتيجة لهذا الخلاف. الشركات الأجنبية قد تتردد في الاستثمار في روسيا خوفًا من تجميد أصولها في المستقبل. هذا التردد قد يؤدي إلى تباطؤ النمو الاقتصادي في روسيا.
العلاقات المصرفية بين روسيا وأوروبا متوترة للغاية. البنوك الأوروبية قد تواجه صعوبات في التعامل مع البنوك الروسية، مما يعيق التجارة والاستثمار بين الجانبين.
الوضع الحالي يشير إلى أن الحلول الدبلوماسية قد تكون بعيدة المنال في الوقت الحالي. من المرجح أن تستمر المعارك القانونية في المحاكم الدولية، وقد تشهد تصعيدًا في المستقبل. الأمر الآخر الذي يجب مراقبته هو رد فعل الدول الأخرى على هذه القضية، وكيف ستؤثر على السياسة المالية الدولية بشكل عام. تتطلب هذه القضية متابعة دقيقة وتقييم مستمر لتطوراتها المحتملة.
من المتوقع أن تستمر المحكمة في دراسة دعوى البنك المركزي الروسي ضد “يوروكلير”، مع إمكانية صدور قرار مبدئي خلال الأشهر القليلة القادمة. ومع ذلك، فإن التنفيذ الفعلي لأي حكم سيعتمد على التطورات السياسية والقانونية في المستقبل. يبقى من غير المؤكد ما إذا كانت روسيا ستتمكن من استعادة أصولها المجمدة، أو ما إذا كانت ستضطر إلى قبول حلول وسط.