مبنى بريل في مدينة نيويورك. لقد أعاد العديد من المستثمرين الأميركيين مفاتيح المباني المكتبية إلى المقرضين، كما فعلت شركة بروكفيلد لإدارة الأصول مع مبنى بريل في نيويورك. — رويترز
لن تنعم أسواق العقارات العالمية، التي اهتزت بفعل أكبر ارتفاع في أسعار الفائدة منذ جيل كامل، بقدر كبير من الراحة من التخفيف التدريجي لتكاليف الاقتراض، مع وجود أمل ضئيل في العودة إلى الأموال المجانية التي غذت طفرة.
كانت صناعة التريليونات من الدولارات، التي ازدهرت في العقد الذي أعقب الأزمة المالية العالمية عندما انخفضت تكلفة المال إلى الصِفر، واحدة من أكبر الضحايا مع رفع البنوك المركزية لتكاليف الاقتراض. والآن تعمل البنوك المركزية، من البنك المركزي الأوروبي وبنك إنجلترا إلى سويسرا والسويد، على خفض أسعار الفائدة، مما يجعل الاقتراض أرخص، ومن المقرر أن يتبع بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي هذا النهج.
ولكن المسؤولين التنفيذيين في الصناعة والمصرفيين لا يرون حلاً سريعاً لصناعة بنيت على أسعار فائدة منخفضة للغاية أدت إلى تدفق تريليونات الدولارات إلى العقارات، وهي الأموال التي ينزفها القطاع الآن مع استعادة السندات وحسابات التوفير العادية لجاذبيتها. وقال أندرو أنجيلي، رئيس أبحاث العقارات العالمية في شركة زيورخ للتأمين، وهي شركة استثمار سويسرية، “لم نخرج من الغابة بعد”، مجادلاً بأن من غير المرجح أن يشهد القطاع انتعاشاً سريعاً. فقد أودت زيادات الأسعار خلال العامين الماضيين بعشرات الضحايا، بما في ذلك مجموعة العقارات سيجنا، التي كانت تمتلك مبانٍ فخمة في ألمانيا، تاركة وراءها منازل نصف مبنية وناطحات سحاب فارغة.
ارتفعت حالات الإفلاس العقاري في ألمانيا منذ أوائل عام 2022، وفقًا لشركة الاستشارات Falkensteg، لتصل إلى أكثر من 1100 حالة في الأشهر الستة الأولى من هذا العام.
شهد قطاع البناء في بريطانيا أكبر عدد من حالات الإفلاس مقارنة بأي صناعة أخرى لمدة عامين متتاليين، مع ما يقرب من 4300 حالة إفلاس على مدى 12 شهرًا حتى يونيو 2024.
إن الألم حاد بالنسبة للمكاتب، التي تعاني من ارتفاع تكاليف الاقتراض والعمل من المنزل، ولكن التأثير يمتد إلى سوق الإسكان الواسعة، التي غرقت في ألمانيا وتعثرت في بريطانيا.
قال بريان ووكر، رئيس شركة العقارات NAI Burns Scalo ومقرها بيتسبرغ: “لم أعمل بجد في حياتي من قبل وأشعر وكأنني لا أملك أي شيء لأقدمه”.
وقال ووكر “سيقول البعض… ربما نكون في قاع سوق المكاتب، لكنني لا أعرف كيف يمكنك قول ذلك”. “لقد بدأت ترى الكثير من مفاتيح المباني المكتبية تعود إلى البنك”. وقال كورنيليوس ريس، الرئيس التنفيذي لبنك دي زد، أحد أكبر المقرضين العقاريين في ألمانيا، إن أسعار الفائدة المرتفعة ستستغرق ثلاث سنوات لتشق طريقها عبر النظام. وقال “لقد قطعنا ما يقرب من ثلثي الطريق في المرحلة التي يمكن أن تظهر فيها المفاجآت”. ويضيف التباطؤ الاقتصادي في العديد من البلدان، بما في ذلك ألمانيا والصين، إلى التوتر.
المخاطر العالية
وتقدر شركة الاستثمار العقاري جيه إل إل أن إجمالي ديون العقارات التجارية على مستوى العالم تبلغ 2.1 تريليون دولار أميركي، وهو ما يتعين سداده هذا العام والعام المقبل. وقالت جيه إل إل إن المقترضين حصلوا على صفقات إعادة تمويل لتغطية ما يقرب من ثلث هذا المبلغ في الأشهر الستة الأولى من هذا العام، لكن قد يكون هناك عجز في العام المقبل يصل إلى 570 مليار دولار.
وقد أعاد العديد من المستثمرين الأميركيين مفاتيح المباني الإدارية إلى المقرضين، كما فعلت شركة بروكفيلد لإدارة الأصول مع مبنى بريل في نيويورك، وهو معلم اشتهر به مغنون مثل نيل دايموند، الذين بدأوا حياتهم المهنية كمؤلفي أغاني هناك. ولم ترد شركة بروكفيلد على الفور على طلب التعليق.
بعض البنوك الصغيرة، التي استثمرت كل أموالها في سوق العقارات المزدهر، أصبحت الآن تحت التهديد.
حددت ريبل كول، أستاذة التمويل بجامعة فلوريدا أتلانتيك، 62 بنكًا أمريكيًا صغيرًا تقدم قروضًا عقارية ضخمة.
وحدد كول عددا صغيرا من المقرضين المعرضين لخطر الإفلاس، لأن لديهم استثمارات في قطاع العقارات المشلول إلى حد كبير، في حين يعتمدون على التمويل من الودائع الكبيرة التي يمكن سحبها في أي لحظة.
وقال ديفيد أفيرام، المؤسس المشارك لشركة مافريك ريال استيت بارتنرز، وهي شركة استثمارية مقرها نيويورك، “هناك كمية هائلة من آجال الاستحقاق … على القروض التي ستصدر العام المقبل”.
وهذا يضغط على البنوك للتخلص من القروض من خلال محاولة بيعها، لكن العديد منها، التي عُرض عليها ما يصل إلى 40 في المائة فقط من القيمة الاسمية للديون، ألغت مثل هذه الصفقات، ووضعت الائتمان الفاسد في دفاترها بدلاً من ذلك، وفقًا لأفيرام.
بيع المباني ليس بالأمر السهل.
وفي وقت سابق من هذا العام، خفض مصفي الشركة نحو 160 مليون جنيه إسترليني (209.89 مليون دولار)، أو 60 في المائة، من سعر الشراء السابق لبرج إداري في كناري وارف في لندن، حسبما قال مصدر مطلع على الأمر، لكن عملية البيع فشلت على أي حال.
يعتقد البعض أن البنوك في حالة إنكار. وتشتبه الهيئات التنظيمية الأوروبية في أن البنوك ربما تخفي الحالة السيئة للقروض المقدمة للقطاع من خلال تجاهل انخفاض الأسعار. ولكن الانتظار قد يؤدي إلى تفاقم المشكلة. فقد بدأت هوة متسعة تنفتح بين المباني في المواقع المرغوبة وتلك التي لا تحظى بالاهتمام. ففي لوس أنجلوس، تسير الأمور على ما يرام في المنطقة التجارية المحيطة باستوديوهات فوكس، في حين تحولت مساحات شاسعة من وسط المدينة إلى “حطام قطار كامل”، حيث أفلست العديد من المباني وظلت مساحات كبيرة شاغرة، كما يقول جيفري ويليامز، المستثمر المقيم في نيويورك لدى شرودرز كابيتال.
وفي السويد، إحدى أكثر الدول تضرراً من انهيار سوق العقارات، فإن خفض أسعار الفائدة لا يزال يعطي أملاً.
وقال ليف سينيس الرئيس التنفيذي لشركة إس بي بي، إحدى أكبر مجموعات إس بي بي المتعثرة: “من الأفضل أن تعتقد أن تكاليف رأس المال سوف تنخفض وأن أسعار العقارات سوف ترتفع. فالمزاج الآن مختلف تماما”.
