حققت مصر مكاسب اقتصادية قياسية في الفترة الأخيرة، مسجلةً أعلى أداء لها منذ 140 عامًا، وذلك بفضل الإصلاحات الهيكلية التي بدأت في مارس 2024 والنمو الملحوظ في قطاعات رئيسية مثل الصناعة والسياحة والاتصالات. وتؤكد الوزيرة المعنية أن هذه المكاسب تعكس تحولًا جذريًا في هيكل الاقتصاد المصري، حيث أصبح القطاع الخاص هو المحرك الرئيسي للنمو، وليس الدولة. هذا التحسن في الأداء الاقتصادي يمثل نقطة تحول مهمة لمستقبل الاستثمار والتنمية في البلاد.
النمو الاقتصادي في مصر: دور القطاع الخاص ومؤشرات التعافي
أشارت الوزيرة إلى أن الاقتصاد المصري يشهد نموًا منتظمًا منذ يوليو 2024، مدفوعًا بشكل أساسي بالقطاع الخاص. يلعب القطاع الخاص دورًا حيويًا في قيادة قطاعات السياحة والصناعة، حيث يمثل 98% من حجم النشاط في قطاع السياحة ويقود التطور في مجالات مثل صناعة السيارات والكيماويات والمنسوجات والأدوات المنزلية. وتشير البيانات إلى أن هذا النمو يعتمد بشكل كبير على الاستثمارات الخاصة، مما يعكس ثقة المستثمرين في الاقتصاد المصري.
مؤشرات اقتصادية إيجابية
تظهر عدة مؤشرات تحسنًا ملموسًا في الأداء الاقتصادي. سجل الإنتاج الصناعي ارتفاعًا مستمرًا، مما أدى إلى زيادة ملحوظة في الصادرات. من المتوقع أن يستقبل قطاع السياحة حوالي 19 مليون سائح هذا العام، مع تسجيل أعلى عدد من الليالي السياحية في الربع الأخير من العام المالي.
بالإضافة إلى ذلك، شهدت قناة السويس تحسنًا في أدائها خلال الربع الثالث من العام، بعد فترة من التراجع بسبب التوترات الإقليمية. وتعتبر القناة شريانًا تجاريًا عالميًا هامًا، حيث تمثل 12% من حجم التجارة العالمية، وأي تأثير سلبي عليها يمكن أن يؤدي إلى ارتفاع معدلات التضخم على مستوى العالم.
الإصلاحات الاقتصادية كركيزة للتعافي
يعود الفضل في هذا التعافي إلى حزمة الإصلاحات الاقتصادية الشاملة التي أطلقتها الحكومة المصرية في مارس 2024. تضمنت هذه الإصلاحات حوكمة الاستثمارات العامة، ووضع سقف للاستثمارات الحكومية في الموازنة العامة عند تريليون جنيه، بهدف إفساح المجال لمزيد من الاستثمارات الخاصة. كما تضمنت إعادة هيكلة الإنفاق العام لصالح الاستثمار المنتج الذي يعزز النمو الاقتصادي المستدام.
نتيجة لهذه الإصلاحات، أصبح القطاع الخاص يمتلك الآن النصيب الأكبر من إجمالي الاستثمارات ويحصل على أكبر حصة من القروض الائتمانية من البنوك، خاصة في قطاع الصناعة. هذا التحول يعكس التزام الحكومة بتعزيز دور القطاع الخاص في الاقتصاد.
توقعات النمو المستقبلي
تشير التوقعات إلى أن النمو الاقتصادي في مصر سيصل إلى 5% خلال العام المالي 2025/2026. وتطمح الحكومة إلى تحقيق معدل نمو أعلى، يصل إلى 7%، بهدف زيادة فرص العمل وتحسين مستوى معيشة المواطنين.
ويعتبر العام 2026 بمثابة “عام التحول” بالنسبة لمصر، حيث من المتوقع أن تكتمل الإصلاحات المالية والنقدية وتبدأ البلاد في جني ثمار النموذج الاقتصادي الجديد الذي يعتمد على البنية التحتية المتطورة والموانئ والمناطق اللوجستية والقطاعات الإنتاجية الرئيسية مثل الصناعة والسياحة والتكنولوجيا والبناء.
وتؤكد الوزيرة أن استقرار الاقتصاد الكلي، من خلال السياسات المالية والنقدية الحكيمة والضبط المالي وحوكمة الإنفاق، هو الأساس لأي إصلاح هيكلي ناجح.
الاستثمار في التنمية البشرية والتحول الأخضر
تولي الحكومة المصرية أهمية كبيرة للتنمية البشرية، حيث تم تخصيص 48% من الاستثمارات العامة في خطة 2025/2026 لهذا القطاع. كما تركز الحكومة على التحول الأخضر وخلق فرص عمل لائقة، وذلك في إطار رؤية شاملة للتنمية المستدامة.
يشمل برنامج الإصلاحات الهيكلية، الذي يتم تنفيذه بالتنسيق بين أكثر من 40 جهة حكومية، أكثر من 430 إجراءً في مختلف القطاعات، بما في ذلك الإصلاح الضريبي والتجاري، وتوفير الحماية الاجتماعية الفعالة، ودعم الشركات الناشئة والابتكار، وتعزيز القدرة التنافسية للصناعة، وتطوير سوق العمل.
وتعتمد مصر على شراكات استراتيجية مع المؤسسات الدولية للحصول على تمويلات ميسرة، مما يقلل من تكلفة الاقتراض ويخفف العبء على الدين العام. وقد حصلت مصر على 9.5 مليار دولار في تمويلات ميسرة لدعم الموازنة خلال الفترة 2023-2026، بالإضافة إلى 17 مليار دولار للقطاع الخاص منذ عام 2020، و5 مليارات دولار عبر منصة “نُوفّي” لدعم مشاريع الطاقة المتجددة والشبكة القومية للكهرباء.
تعتمد خطة التنمية متوسطة الأجل، وفقًا لقانون التخطيط الجديد، على منهجية البرامج والأداء، مع تحديد مؤشرات واضحة لكل وزارة لضمان التوافق والشفافية وتحقيق الأهداف الطموحة في النمو والتشغيل والتصدير.
من المتوقع أن تشهد الفترة القادمة استمرارًا في تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية، مع التركيز على تعزيز دور القطاع الخاص وتحقيق نمو اقتصادي مستدام وشامل. ومع ذلك، لا تزال هناك بعض التحديات التي تواجه الاقتصاد المصري، مثل التوترات الإقليمية والتقلبات في الأسواق العالمية، والتي تتطلب متابعة دقيقة واتخاذ الإجراءات اللازمة للتخفيف من آثارها.