تستمر شخصية كوكب الشرق، أم كلثوم، في جذب اهتمام صناع الأفلام والدراما، فهي ليست مجرد قصة نجاح لمطربة بارزة، بل تمثل انعكاساً لتطور المجتمع المصري بأكمله. فيلم “الست” الجديد، من بطولة منى زكي وإخراج مروان حامد، يثير نقاشاً حول كيفية تقديم هذه الشخصية التاريخية، خاصةً بعد الأعمال السابقة التي رسختها في الذاكرة الجماعية.
إرث مسلسل “أم كلثوم” وتأثيره على الذاكرة الشعبية
في عام 1999، قدم مسلسل “أم كلثوم” للمخرجة إنعام محمد علي، والذي كتبه محفوظ عبد الرحمن وقامت ببطولته صابرين، صورة شاملة لحياة الفنانة وأثرها في عصرها. لم يقتصر المسلسل على الجوانب الشخصية، بل تناول قضايا اجتماعية وثقافية وسياسية مهمة شهدتها مصر في تلك الفترة. لقد ربط العمل بين صعود أم كلثوم كفنانة و التحولات الكبرى التي شهدها المجتمع المصري مثل الحركة النسائية المبكرة وتطور الحياة السياسية.
فيلم “الست”: رؤية جديدة أم تبسيط لتاريخ أم كلثوم؟
يطرح فيلم “الست” مقاربة مختلفة، ويبدو أن الهدف من إنتاجه يتجاوز إعادة سرد القصة المعروفة. يعتمد الفيلم على تقنية سردية تركز على لحظة حاسمة في مسيرة أم كلثوم، وهي سقوطها على المسرح عام 1967، لاسترجاع ذكرياتها. هذه التقنية ليست جديدة، فقد استخدمت في أفلام سينمائية عالمية ومحلية، لكن نجاحها يكمن في كيفية توظيفها لتقديم رؤية جديدة.
يركز سيناريو الفيلم – وفقًا للتفاصيل الأولية – على علاقة أم كلثوم بالرجال في حياتها، مع التركيز على الصعوبات والتحديات التي واجهتها. تُصوَّر بعض الشخصيات الذكورية على أنها تعرقل مسيرتها أو تستغلها. ويشمل ذلك علاقتها بوالدها وشقيقها، بالإضافة إلى بعض الشخصيات الإعلامية والفنية، وعلى رأسهم الموسيقار محمد عبد الوهاب. هذه المقاربة تثير تساؤلات حول مدى دقتها وموضوعيتها.
التأثير الثقافي والسياسي لتمثيل أم كلثوم
لطالما كانت أم كلثوم رمزاً وطنياً وشخصية مؤثرة في الثقافة العربية. تقديمها بصورة جديدة، خاصةً إذا كانت تحمل تحيزًا أو تبسيطًا للأحداث، قد يؤثر على طريقة فهم الأجيال الشابة لدورها وتاريخها. من المهم تجنب الوقوع في فخ “إعادة كتابة التاريخ” أو تجاهل الحقائق التاريخية المعروفة.
لم تكن أم كلثوم شخصية منعزلة، بل كانت جزءًا من منظومة اجتماعية وثقافية وسياسية معقدة. صعودها لم يكن ممكنًا لولا دعم العديد من الشخصيات البارزة، رجالًا ونساءً. تبسيط هذه العلاقات وتحويلها إلى صراع بين الجنسين قد يشوه الصورة الحقيقية للأمور، ويقلل من قيمة الإنجازات التي تحققت بفضل التعاون والتكامل.
الجوانب الفنية: الإخراج والأداء في فيلم أم كلثوم
من الناحية البصرية، قد يواجه فيلم “الست” بعض الانتقادات بسبب استخدامه غير المتسق للألوان والأبيض والأسود. هذا التباين قد يبدو مشتتًا للتركيز، ويفقد المشاهد القدرة على تتبع الخط الزمني للأحداث. بالإضافة إلى ذلك، قد يكون الإفراط في استخدام الموسيقى التصويرية مبالغًا فيه، خاصةً وأن صوت أم كلثوم نفسه يعتبر أقوى مؤثر صوتي.
أداء منى زكي يمثل تحديًا كبيرًا، نظرًا لوجود كم هائل من المواد الأرشيفية الأصلية لأم كلثوم. قد تجد الممثلة صعوبة في الابتعاد عن ظل الأصل، وتقديم شخصية متميزة. في هذه الحالة، يكون من الضروري التركيز على الجوانب الداخلية للشخصية، وتقديم تفسير فني مقنع، بدلاً من مجرد محاولة تقليد الملامح الخارجية.
الاهتمام بالتفاصيل التاريخية في فيلم “الست”
التفاصيل التاريخية تلعب دورًا حاسمًا في نجاح أي عمل فني يعتمد على حياة شخصيات حقيقية، خاصة أم كلثوم التي تشكل جزءًا لا يتجزأ من الذاكرة المصرية والعربية. يجب أن يكون الفيلم دقيقًا في تصوير الحقبة الزمنية التي تعيش فيها الشخصية، وأن يراعي السياق الثقافي والسياسي الذي شكلها.
من المقرر أن يتم عرض فيلم “الست” في موسم أفلام عيد الأضحى القادم. لا يزال من غير الواضح كيف سيتم استقبال الفيلم من قبل الجمهور والنقاد. ما يثير الاهتمام هو أن الفيلم يمكن أن يفتح نقاشًا أوسع حول كيفية تمثيل الشخصيات التاريخية في الأعمال الفنية، وأهمية الحفاظ على الحقائق التاريخية وتقديمها بشكل موضوعي.