في قلب مدينة مصدر، تشهد صناعة الطائرات بدون طيار تطوراً ملحوظاً. شركة “إير كيو” (Air Q) الإماراتية، المتخصصة في تصنيع الطائرات بدون طيار، تعمل على تجهيز منصاتها المتطورة لتلبية احتياجات متنوعة، بدءاً من المراقبة وصولاً إلى الخدمات اللوجستية الطبية. هذا التطور يضع الإمارات في طليعة الدول التي تستثمر في تكنولوجيا الطيران المستقبلي.
تأسست “إير كيو” في عام 2022، وقد نمت بسرعة لتضم فريقاً من 100 مهندس وفني يعملون على تصميم وإنتاج واختبار هذه الطائرات المبتكرة. وتعتمد الشركة على نهج فريد يركز على التصنيع الداخلي لمعظم مكونات الطائرات، مما يمنحها تحكماً أكبر في الجودة وسرعة الاستجابة لمتطلبات السوق.
من التصميم الرقمي إلى الواقع: رحلة تطوير الطائرات بدون طيار في “إير كيو”
تبدأ عملية التصنيع في الطابق العلوي من المنشأة، حيث يعمل المصممون على نماذج ثلاثية الأبعاد مفصلة للطائرة “حرارة”. يتم ترميز كل مكون بالألوان لتسهيل عملية التجميع والفهم. يركز الفريق على الدقة والتفاصيل، مدركين أن كل جزء يلعب دوراً حاسماً في أداء الطائرة.
يؤكد دينو ديديتش، الرئيس التنفيذي لشركة “إير كيو”، على أهمية التحكم الكامل في عملية التصنيع. “لقد صنعناها من الصفر.. نحن نعرف كل جزء منفرد في طائرتنا”، يقول ديديتش. هذا العمق في المعرفة يسمح للشركة بتحديد وإصلاح أي أعطال بسرعة وكفاءة، دون الاعتماد على موردين خارجيين.
التركيز على الأداء والموثوقية
تتميز “حرارة” بقدرتها على الإقلاع والهبوط العمودي (VTOL) والتحليق لفترات طويلة. تتوفر بنسختين، كهربائية وهجينة، حيث يمكن للنسخة الهجينة الطيران لأكثر من ست ساعات وتغطية مسافة تصل إلى 600 كيلومتر. هذا الأداء يجعلها مثالية لمجموعة واسعة من التطبيقات، بما في ذلك المراقبة والمسح الجوي والخدمات اللوجستية.
أحد التطبيقات التجارية المبكرة للطائرة هو نقل عينات الدم بين المستشفيات والمختبرات في دولة الإمارات العربية المتحدة. يوضح ديديتش أن الطائرة يمكن أن توفر وقتاً وجهداً كبيرين مقارنة بالشاحنات التقليدية، خاصة في المناطق التي تعاني من الازدحام المروري. هذا يعزز كفاءة الرعاية الصحية ويحسن فرص المرضى.
جذور هندسية قوية وخبرة عالمية
يعود الفضل في تصميم “حرارة” إلى مهندس الطيران إيغور بونغراتس، الذي عمل سابقاً في شركة “ريماك” الكرواتية المتخصصة في السيارات الكهربائية عالية الأداء. وقد ساهمت خبرته في التغلب على التحديات الهندسية المعقدة، وخاصة تلك المتعلقة بالانتقال من الإقلاع العمودي إلى الطيران الأفقي.
يقول ديديتش إن هذه الخبرة كانت حاسمة في تطوير طائرة موثوقة وفعالة. “الطيران لا يعني فقط الإقلاع لثانية والهبوط.. إنه يعني الطيران لمدة ست ساعات ونصف”، يضيف ديديتش. هذا التركيز على القدرة على التحمل والموثوقية يميز “حرارة” عن العديد من الطائرات بدون طيار الأخرى في السوق.
التصنيع الداخلي: استراتيجية للنمو والسيطرة على الجودة
تعتمد “إير كيو” على التصنيع الداخلي لمعظم مكونات طائراتها، بما في ذلك المواد المركبة والدوائر الكهربائية والهياكل. وقد اتخذت الشركة هذا القرار بعد مواجهة تأخيرات في التسليم من الموردين الخارجيين. يسمح هذا النهج لـ “إير كيو” بالتحكم في الجودة وتقليل أوقات التسليم والاستجابة بسرعة لمتطلبات السوق.
تضم المنشأة أحدث المعدات والتقنيات، بما في ذلك آلات التحكم الرقمي (CNC) ومرافق تصنيع المواد المركبة. يعمل المهندسون والفنيون جنباً إلى جنب لضمان أن كل طائرة تلبي أعلى معايير الجودة والأداء. هذا الالتزام بالجودة هو ما يميز “إير كيو” عن منافسيها.
بالإضافة إلى ذلك، تستثمر الشركة في تطوير منصات شحن أكبر قادرة على حمل حمولات تصل إلى 200 كيلوغرام. كما تعمل على تطوير طائرات بدون طيار متخصصة للاستخدامات الدفاعية والأمنية، مثل طائرة “ستينغ جيت” (StingJet) التي تعمل كمحاكاة للتدريب العسكري.
تخطط “إير كيو” لمواصلة النمو والتوسع في الأسواق العالمية. ومع ذلك، فإن الشركة تلتزم بنهج حذر، مع التركيز على بناء سمعة قوية من خلال تقديم منتجات عالية الجودة وأداء موثوق. يراقب قطاع الخدمات اللوجستية عن كثب تطورات الشركة، وكذلك قطاع التكنولوجيا العسكرية.
في المستقبل القريب، من المتوقع أن تشهد “إير كيو” زيادة في الطلب على طائراتها بدون طيار. ومع ذلك، لا تزال هناك بعض التحديات التي يجب التغلب عليها، مثل الحصول على الموافقات التنظيمية وتوسيع نطاق الإنتاج. ستكون هذه التطورات حاسمة في تحديد مستقبل الشركة ودورها في صناعة الطائرات بدون طيار.