أظهرت دراسة حديثة، تركز على التهاب الأمعاء، أن التغيرات في تركيبة الميكروبيوم المعوي، وخاصةً مستويات الأكسجين، قد تلعب دورًا حاسمًا في تطور هذا المرض. قام فريق بحثي من جامعة برمنغهام بتحليل بيانات من أكثر من 1700 شخص مصابين بالتهاب الأمعاء من 11 دولة، بهدف فهم أفضل للعوامل البيولوجية المرتبطة بظهور المرض.
وكشفت الدراسة، التي شملت بيانات أولية من الأطفال والبالغين الذين تم تشخيصهم حديثًا قبل بدء العلاج، عن اختلافات ملحوظة في الميكروبيوم المعوي بين المرضى والأصحاء. تُعد هذه النتائج خطوة مهمة نحو تطوير طرق تشخيص وعلاج أكثر فعالية لـالتهاب الأمعاء، وهو مرض مزمن يؤثر على ملايين الأشخاص حول العالم.
فهم العلاقة بين الميكروبيوم والتهاب الأمعاء
يركز البحث على العلاقة المعقدة بين الميكروبيوم المعوي، وهو مجتمع الكائنات الحية الدقيقة الذي يعيش في أمعائنا، وأمراض التهاب الأمعاء مثل مرض كرون والتهاب القولون التقرحي. وفقًا للدراسة، يعاني المصابون بهذه الأمراض من نقص في البكتيريا اللاهوائية المفيدة، وهي ضرورية لهضم الكربوهيدرات المعقدة والحفاظ على صحة الأمعاء.
في المقابل، لوحظت زيادة في البكتيريا التي تزدهر في وجود الأكسجين، والتي غالبًا ما تنتقل من الفم إلى الأمعاء. يشير هذا التحول في تركيبة الميكروبيوم إلى أن التغيرات في مستويات الأكسجين داخل الأمعاء قد تكون محفزًا رئيسيًا للالتهاب. هذه النتائج تدعم ما يعرف بـ “فرضية الأكسجين” التي تقترح أن زيادة الأكسجين في بطانة الأمعاء يمكن أن تعطل التوازن الطبيعي للميكروبيوم وتساهم في تطور المرض.
الاكتشافات الرئيسية للدراسة
أظهرت الدراسة عدة نتائج مهمة، بما في ذلك:
- نقص في البكتيريا المضادة للالتهابات لدى المرضى المصابين بـالتهاب الأمعاء.
- زيادة في البكتيريا التي تنمو في بيئة غنية بالأكسجين، بما في ذلك أنواع موجودة عادة في الفم، مثل “غرانوليكاتيلا” و”هيمافيلوس”.
- وجود اختلافات في تركيبة الميكروبيوم بين عينات البراز والخزعات، وبين الأطفال والبالغين، مما يسلط الضوء على تعقيد المرض وتنوعه.
- تنوع أنماط الميكروبيوم حسب المنطقة الجغرافية، مما يؤكد الحاجة إلى جمع بيانات عالمية لدعم الدراسات المستقبلية وتطوير علاجات مخصصة.
- أهمية التوحيد القياسي للأساليب التحليلية المستخدمة في دراسة الميكروبيوم لضمان دقة وموثوقية النتائج.
بالإضافة إلى ذلك، كشفت الدراسة عن وجود بكتيريا فموية في الأمعاء، مما يفتح الباب أمام استهداف هذه البكتيريا بشكل خاص في العلاجات الجديدة. هذا الاكتشاف قد يؤدي إلى تطوير استراتيجيات علاجية أكثر دقة وفعالية.
تأثير الدراسة على التشخيص والعلاج
تُشير هذه النتائج إلى إمكانية تطوير أدوات تشخيصية جديدة للكشف المبكر عن التهاب الأمعاء، حتى قبل ظهور الأعراض السريرية الواضحة. يمكن أن تساعد هذه الأدوات في تحديد الأفراد المعرضين لخطر الإصابة بالمرض واتخاذ تدابير وقائية مبكرة.
علاوة على ذلك، قد تفتح الدراسة الطريق لتطوير استراتيجيات علاجية جديدة تستهدف الميكروبيوم المعوي أو تعدل مستويات الأكسجين في الأمعاء. على سبيل المثال، يمكن استكشاف استخدام البروبيوتيك أو العلاج بالتبرع بالبراز لاستعادة التوازن الطبيعي للميكروبيوم. كما يمكن دراسة استخدام الأدوية التي تقلل من مستويات الأكسجين في الأمعاء لتهدئة الالتهاب.
أوضح الدكتور بيتر ريمر، استشاري أمراض الجهاز الهضمي والقائد المشارك في الدراسة، أن النتائج توفر “صورة دقيقة لما يحدث في الأمعاء عند بداية الإصابة”، وأن التغيرات في مستويات الأكسجين وهجرة البكتيريا من الفم قد تكون عوامل رئيسية في تطور الالتهاب.
نُشرت هذه الدراسة في مجلة أمراض الجهاز الهضمي، وتعتبر إضافة قيمة إلى المعرفة المتزايدة حول دور الميكروبيوم في الصحة والمرض. من المتوقع أن تلهم هذه الدراسة المزيد من البحوث في هذا المجال، وأن تؤدي في النهاية إلى تحسين رعاية المرضى المصابين بـالتهاب الأمعاء وأمراض الجهاز الهضمي الأخرى.
في المستقبل القريب، من المرجح أن نرى المزيد من الدراسات التي تهدف إلى التحقق من هذه النتائج وتحديد الآليات الدقيقة التي تربط بين الميكروبيوم ومستويات الأكسجين والالتهاب. كما يجب مراقبة التقدم في تطوير أدوات تشخيصية جديدة وعلاجات مستهدفة للميكروبيوم، مع الأخذ في الاعتبار التحديات المتعلقة بالتوحيد القياسي للأساليب التحليلية والتنوع الجغرافي في تركيبة الميكروبيوم.