اكتشف باحثون آلية جديدة قد تفسر تطور بعض أنواع السرطان، وتحديداً تلك التي تؤثر على نخاع العظام. الدراسة، التي نشرت نتائجها مؤخراً، تشير إلى أن الخلايا المناعية الالتهابية، أثناء محاولتها مكافحة الأمراض، يمكن أن تساهم بشكل كبير في تلف نخاع العظام، مما يزيد من خطر الإصابة بسرطانات الدم وأمراض أخرى مرتبطة بالتقدم في العمر.
أجريت الدراسة في المركز الوطني لأمراض الأورام في دريسدن، ألمانيا، حيث قام فريق البحث بتحليل عينات من نخاع العظام مأخوذة من متبرعين أصحاء ومرضى يعانون من متلازمة خلل التنسج النخاعي، وهي حالة يمكن أن تتطور إلى سرطان الدم الحاد. ركز التحليل على البيئة الدقيقة داخل نخاع العظام وكيف تتغير في ظل وجود المرض.
دور الالتهاب في تلف نخاع العظام
أظهرت النتائج أن الالتهاب المزمن في نخاع العظام، الناتج عن نوع معين من الخلايا المناعية يسمى الخلايا السدوية اللحمية الالتهابية، يلعب دوراً محورياً في المراحل المبكرة من تطور سرطان الدم. هذه الخلايا، التي عادة ما تكون جزءاً من الاستجابة المناعية الطبيعية، يمكن أن تتسبب في خلل في التوازن الدقيق للخلايا داخل نخاع العظام.
عادةً، ينتج نخاع العظام خلايا الدم المختلفة، بما في ذلك خلايا الدم الحمراء والبيضاء والصفائح الدموية، بالإضافة إلى الخلايا الجذعية التي يمكن أن تتطور إلى أنواع مختلفة من خلايا الدم. يضمن هذا النظام توازنًا صحيًا للخلايا. لكن مع التقدم في العمر، أو بسبب الالتهابات المزمنة، أو الطفرات الجينية، يمكن أن يختل هذا التوازن، مما يخلق بيئة مواتية لتطور السرطان.
الشيخوخة والالتهاب المزمن
يقول الباحثون إن نخاع العظام يبدو أنه هدف رئيسي وعامل محفز للالتهاب المرتبط بالشيخوخة. هذا الالتهاب، المعروف باسم “شيخوخة الالتهاب”، يرتبط بمجموعة واسعة من الأمراض المزمنة، بما في ذلك السرطان وأمراض القلب والأوعية الدموية والاضطرابات العصبية. فهم هذه العلاقة يمكن أن يفتح آفاقًا جديدة للوقاية والعلاج.
بالإضافة إلى ذلك، تشير الدراسة إلى أن بيئة نخاع العظام قد تحتفظ بـ “ذاكرة” للمرض، حتى بعد العلاج. وهذا يعني أن الخلايا السرطانية التي تمت إزالتها قد تترك وراءها تغييرات في نخاع العظام تؤثر على كيفية استجابة الخلايا الجذعية الجديدة للعلاج، مما قد يؤدي إلى عودة المرض. هذا يثير تساؤلات مهمة حول فعالية علاجات مثل زرع الخلايا الجذعية الدموية.
تعتبر متلازمة خلل التنسج النخاعي (MDS) حالة خطيرة تؤثر على إنتاج خلايا الدم في الجسم. وفقًا للجمعيات الطبية المتخصصة، تتطور هذه المتلازمة في حوالي ثلث الحالات إلى سرطان دم حاد، مما يجعلها حالة تتطلب مراقبة وعلاجًا دقيقين.
النتائج التي توصل إليها الباحثون لها آثار كبيرة على تطوير علاجات جديدة تستهدف بيئة نخاع العظام نفسها، بالإضافة إلى الخلايا السرطانية. قد يشمل ذلك تطوير أدوية تقلل الالتهاب في نخاع العظام أو تعيد التوازن الطبيعي للخلايا. كما أنها تسلط الضوء على أهمية فهم كيفية تأثير “ذاكرة المرض” على فعالية العلاج.
في المستقبل القريب، يخطط الفريق البحثي لمواصلة دراسة دور بيئة نخاع العظام في تطور السرطان، مع التركيز بشكل خاص على تحديد الآليات الجزيئية التي تساهم في الالتهاب وتلف الأنسجة. كما سيقومون بتقييم إمكانية استخدام هذه النتائج لتطوير استراتيجيات علاجية جديدة وأكثر فعالية. من المتوقع أن تستغرق هذه الدراسات عدة سنوات، ولكنها قد تؤدي إلى تغييرات كبيرة في طريقة علاجنا لسرطانات الدم والأمراض الأخرى المرتبطة بالشيخوخة والالتهاب.