كان يحلم دائمًا بأن يصبح أخصائي علاج طبيعي محترف في كرة القدم، وقد كان شغف الدكتور بريندون ستابس يدور حول اللياقة البدنية منذ فترة طويلة. على الرغم من أنه لم ينته في هذا الدور بالضبط، إلا أنه وجد رضاًا كبيرًا في عمله كأخصائي علاج طبيعي، حتى اتخذت حياته المهنية منعطفًا غير متوقع عندما وضعته وظيفته في مستشفى للصحة العقلية.
«في عالم العلاج الطبيعي، تعلمت كيفية إصلاح الجسم عند تعرضه للإصابة، سواء كانت عظمة مكسورة، أو مفصلًا مخلوعًا، أو رعاية ما بعد السكتة الدماغية. “لكن ما أذهلني هو مدى قلة معرفتي عن العقل”، يتذكر الدكتور ستابس تلك التجربة التي فتحت أعينه. “إن العمل في مستشفى الصحة العقلية، محاطًا بأفراد في حاجة ماسة إلى العلاج، جعلني أدرك التأثير العميق الذي يمكن أن تحدثه التمارين والحركة على الأشخاص الذين هم في أدنى مستوياتهم.”
في حين أن الفلسفة القائلة بأن العقل السليم يساوي الجسم السليم وأن الحركة مفيدة للصحة العقلية هي حقيقة معروفة بشكل عام، فإن ما عزز تفانيه على مدى العقدين الماضيين، هو تطوير قاعدة أدلة علمية قوية وذات مصداقية لدعم المطالبة. باحث وأكاديمي بارز في مجال الصحة العقلية والنشاط البدني، قدم الدكتور ستابس مساهمات كبيرة في دراسة كيف يمكن للنشاط البدني والتمارين الرياضية أن تفيد الأفراد الذين يعانون من حالات الصحة العقلية.
الدكتور بريندون ستابس، رائد عالمي في أبحاث الحركة والصحة العقلية في دبي. تصوير نيراج مورالي/خليج تايمز
في ظل تحدي دبي للياقة المستمر، خليج تايمز تحدثت إلى الباحثة لفهم ما يمكن اعتباره تمرينًا رياضيًا، وكيف يمكن استخدامه كعلاج تكميلي لمختلف اضطرابات الصحة العقلية، بما في ذلك التوتر والاكتئاب والقلق وتأثير النشاط البدني على الشيخوخة. مقتطفات محررة من المقابلة:
أصبحت فكرة تأثير التمارين الرياضية على صحتنا العامة حقيقة معروفة. كيف تدعم الأدلة العلمية هذا الادعاء وأين يقف البحث حاليًا؟
أولا وقبل كل شيء، دعونا نتعمق في الوقاية. تنبع أفكارنا من دراسات رائدة متعددة الجنسيات، شملت إحداها أكثر من 50000 مشارك حول العالم. على مدى ما يقرب من سبع سنوات ونصف، كنا نهدف إلى استكشاف العلاقة بين النشاط البدني وخطر الاكتئاب في المستقبل، وخاصة بين الأفراد الذين بدأوا بصحة نفسية جيدة. وكانت النتائج مهمة، إذ تشير إلى أن أولئك الذين يمارسون مستويات أعلى من النشاط البدني كانوا أقل عرضة بنسبة 15% تقريبًا للإصابة بالاكتئاب في المستقبل.
علاوة على ذلك، فإن الأفراد الذين يلتزمون بالمبادئ التوجيهية الحكومية الموصى بها والتي تبلغ 150 دقيقة أسبوعيًا، أظهروا انخفاضًا بنسبة 30% في خطر الإصابة بالاكتئاب في المستقبل. وقد صدقت هذه النتائج عبر الفئات العمرية والجنس والمواقع الجغرافية. علاوة على ذلك، فقد أجرينا دراسات لفحص الأفراد المعرضين وراثيًا للاكتئاب، وكشفنا أن المستويات الأعلى من النشاط البدني تقلل من احتمالية الإصابة بالاكتئاب، حتى بين أولئك الذين لديهم نفس الاستعداد الوراثي. والخلاصة الرئيسية هنا هي أن العوامل الوراثية والنشاط البدني يلعبان أدوارًا محورية في الوقاية من الصحة العقلية، مما يجعل ممارسة الرياضة عنصرًا حاسمًا في تعزيز صحة نفسية أفضل.
كيف تساعد التمارين الرياضية في علاج حالات الصحة النفسية؟
لقد تم تحقيق خطوات ملحوظة في دمج التمارين الرياضية في علاج الصحة العقلية. يدرك الكثيرون الآن قيمة تضمين التمارين الرياضية في خطط العلاج للأفراد الذين يعانون من الاكتئاب والقلق. في دراسة أجراها زملاؤنا في هولندا، تم توزيع 140 شخصًا يعانون من أول نوبة من الاكتئاب بشكل عشوائي إما على العلاج الجاري، الذي يتضمن جلستين إلى ثلاث جلسات أسبوعية على مدار أربعة أشهر، أو على الأدوية التقليدية المضادة للاكتئاب. ولم تكن النتائج أقل من رائدة. أثبتت التمارين الرياضية، في هذا السياق الواقعي، فعاليتها على قدم المساواة مع الأدوية في تحسين نتائج الصحة العقلية. ومع ذلك، فقد حققت التمارين الرياضية أيضًا فوائد إضافية من حيث الصحة البدنية، على عكس الأدوية، التي غالبًا ما تأتي مع آثار جانبية مثل زيادة الوزن، والتغيرات في نسبة الجلوكوز والدهون في الدم، والتغيرات في محيط الخصر، أثبتت التمارين الرياضية أنها أكثر ملاءمة للصحة البدنية.
لقد أحرزنا أيضًا تقدمًا كبيرًا في كشف السبب العلمي وراء لماذا تجعلنا التمارين الرياضية نشعر بالتحسن وكيف تعمل على تحسين صحتنا العقلية. وبينما يعزو الكثيرون هذا التأثير إلى الإندورفين، فقد أظهر بحثنا أنه يتجاوز هذا التفسير التبسيط. أجرينا فحوصات التصوير بالرنين المغناطيسي، وكشفنا أن التمارين الرياضية تعزز التغيرات في مناطق الدماغ المرتبطة بالاكتئاب والحالات المعرفية. على سبيل المثال، وجد أن منطقة الحصين، وهي منطقة حيوية لتعزيز الذاكرة والمعالجة العاطفية، تنمو لدى الأفراد المشاركين في ممارسة التمارين الرياضية على المدى الطويل. ولاحظنا أيضًا نشاطًا معززًا في مناطق أخرى من الدماغ ذات أهمية كبيرة للمعالجة العاطفية، مثل قشرة الفص الجبهي. بالإضافة إلى ذلك، تؤدي التمارين الرياضية إلى إطلاق عامل التغذية العصبية المشتق من الدماغ (BDNF)، والذي يوصف غالبًا باسم “مخصب الدماغ”. يساعد BDNF في نمو وربط خلايا الدماغ الجديدة.
ما الذي يعتبر، في نظرك، بمثابة تمرين/نشاط بدني؟
تؤكد منظمة الصحة العالمية على أهمية النشاط البدني، وتقترح أن يهدف الأفراد إلى ممارسة نشاط بدني معتدل أو قوي لمدة تتراوح بين 150 إلى 300 دقيقة كل أسبوع. قد يبدو هذا رقمًا مخيفًا، وصحيح أن أكثر من 50% من الأشخاص لا يستوفون هذا المبدأ التوجيهي. ومع ذلك، من الضروري أن نتذكر أنه حتى التغييرات الصغيرة يمكن أن يكون لها تأثير كبير. لذا، إذا كانت فكرة تحقيق هذا المبلغ الموصى به تبدو مرهقة، فأنت لست وحدك.
يعد اتخاذ خطوات تدريجية أمرًا بالغ الأهمية، خاصة إذا كنت تتعامل مع تحديات الصحة العقلية. وببساطة، يشمل النشاط البدني أي حركة جسدية تزيد من إنفاق الطاقة. يتضمن ذلك أنشطة مثل الرقص أو اليوجا أو البيلاتس أو رياضات التجديف أو حتى الجري. من المهم تبديد الاعتقاد الخاطئ بأن التمارين الرياضية تستلزم دائمًا الذهاب إلى صالة الألعاب الرياضية أو المشاركة في تدريبات مكثفة وعالية السرعة. في الواقع، أظهر بحثنا، الذي أجري بالتعاون مع ASICS، أن 15 دقيقة وتسع ثوانٍ فقط من النشاط البدني يمكن أن تؤدي إلى تحسن ملموس في الصحة العقلية للأشخاص. لا تحتاج إلى دفع نفسك إلى أقصى الحدود أو ممارسة التمارين لفترات طويلة لتجربة هذه الفوائد.
يعد التوتر والاكتئاب من بعض تحديات الصحة العقلية الشائعة التي يواجهها الناس في جميع أنحاء العالم. كيف يمكن للحركة أن تساعدنا على إطلاق المشاعر المكبوتة؟
غالبًا ما تكون الحياة مليئة بالتوتر والتحديات، وتحتاج أدمغتنا وأجسادنا إلى معالجة هذه المشاعر بفعالية. وبدون منفذ مناسب، يمكن لهذه المشاعر أن تتراكم داخلنا. توفر التمارين الرياضية وسيلة قوية للحفاظ على سرد “العقل السليم والجسم السليم” وتساعدنا على التغلب على هذه المشاعر الصعبة التي نواجهها يوميًا. يعد النشاط البدني وسيلة فعالة لتهدئة أنظمتنا العصبية وتسهيل معالجة هذه المشاعر. إحدى الآليات التي تساهم في هذا التأثير هي إطلاق مواد كيميائية مثل الدوبامين والكورتيزول، والتي ترتبط باستجابات المكافأة والضغط النفسي على المستوى الأساسي.
وتمتد هذه الفوائد إلى الأفراد الذين يتعاملون مع اضطرابات المزاج، بما في ذلك الاكتئاب. توفر التمارين الرياضية وسيلة للأشخاص لإعادة التواصل مع أجسادهم، مما يعزز الشعور بالوجود والانتماء. بالنسبة لأولئك الذين يعانون من الاكتئاب، يمكن أن يشكل الدافع للقيام بالمهام اليومية تحديًا، وقد يشعرون غالبًا بالانفصال عن أجسادهم. تعمل التمارين الرياضية كقناة لإعادة إنشاء الاتصال وتساعد الأفراد على إعادة اكتشاف شعورهم بالانتماء داخل أجسادهم، مما يساهم في النهاية في خلق حالة ذهنية وجسدية أكثر انسجامًا.
كيف يؤثر النشاط البدني على عملية الشيخوخة؟
هناك أدلة دامغة تثبت أن ممارسة التمارين الرياضية، بما في ذلك تدريبات القوة وتحسين اللياقة القلبية التنفسية، لا تقدم فوائد للصحة العقلية فحسب، بل تزيد أيضًا من العمر الإجمالي. والأهم من ذلك أنه يساهم في حياة أطول وأكثر صحة. تلعب التمارين الرياضية بانتظام دورًا حاسمًا في الحفاظ على قوة العضلات والعظام والقلب والرئتين وجميع أعضائك الحيوية، بما في ذلك الدماغ. عندما تهمل النشاط البدني وتعرض جسمك للحد الأدنى من الإجهاد بمرور الوقت، فإن هذه الهياكل الأساسية – مثل القلب والرئتين ومناطق مختلفة من الدماغ – تبدأ بالتدهور تدريجيًا دون وعيك.
وبالتالي، مع مرور السنين، قد تجد نفسك أقل قدرة على الحركة، وتكافح للعب مع أحفادك، وتواجه صعوبات في المهام اليومية مثل المشي إلى المتاجر المحلية أو صعود السلالم. ومع ذلك، من خلال الانخراط باستمرار في قدر صحي من التمارين الرياضية، فإنك لا تحافظ على استقلاليتك فحسب، بل تعزز أيضًا قدرتك على الحفاظ على نمط حياة مُرضٍ ونشط.
ومن الجدير بالذكر أن فوائد التمارين الرياضية تمتد إلى ما هو أبعد من مجرد منع مشاكل الصحة العقلية في المستقبل. وهي تشمل انخفاض خطر الإصابة بأمراض القلب، وأنواع معينة من السرطان، وأكثر من ذلك. ومع ذلك، بالنسبة للعديد من الأفراد، فإن فكرة أن ممارسة الرياضة اليوم يمكن أن تقلل من خطر الإصابة بنوبة قلبية بنسبة صغيرة خلال 30 عامًا قد لا توفر حافزًا كافيًا. ولهذا السبب من المهم استخلاص إحساس يومي بالمتعة والإنجاز من النشاط البدني للحفاظ على هذه العادة.