الشرق العربي، المشرق، فوضوي، ضعيف، منقسم، بلا اتجاه، غارق في الصراعات، ويفتقر إلى السيطرة على مصيره. لقد ظلت قوى غير عربية مختلفة لفترة طويلة تفترس المنطقة في سعيها لتحقيق تطلعاتها الخاصة، الأمر الذي جعل العرب على الدوام ضحايا لاستغلال الآخرين.
قبل قرن من الزمان، كان الشرق العربي عالقاً بين المخططات الاستعمارية وجشع البريطانيين والفرنسيين الذين يسعون للسيطرة على النفط وشرق البحر الأبيض المتوسط وقناة السويس. قسمت هذه القوى الاستعمارية المنطقة وخلقت دولًا من قطعة قماش كاملة ذات أشكال حكم مفروضة، وزرعت بذور الصراع التي ولدت ثمارًا مرة منذ ذلك الحين. لقد تم تجريد الفلسطينيين من ممتلكاتهم وتشتيتهم. لقد تم عزل الأكراد عن بعضهم البعض بين أربع دول متنافسة. لقد بشر الفرنسيون بدولة طائفية في لبنان، في حين فرضت سوريا والعراق أنظمة ملكية أفسحت المجال في نهاية المطاف لانقلابات عسكرية أيديولوجية تخفي الطائفية.
خلال الحرب الباردة، كان الشرق العربي منصة للمنافسة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، حيث كان السوفييت يدعمون “الحركات الثورية” في المنطقة والأنظمة العسكرية “المناهضة للإمبريالية”، وكانت الولايات المتحدة ترعى دولتها العميلة إسرائيل، الحلفاء بين الأنظمة الملكية الراغبة في ذلك. الاستقرار، والجماعات الطائفية التي تسعى للحفاظ على نفوذها.
بعد الحرب الباردة، وخاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، بالغت الولايات المتحدة في تقدير دورها في غزوها واحتلالها للعراق، والدعوة القائمة على الإيديولوجية إلى إرساء الديمقراطية، واحتضان الطموحات الإسرائيلية وتمكينها. وكانت النتيجة تقلص دور الولايات المتحدة، التي خسرت كنوزها وجنودها وهيبتها في محاولتها إنشاء دولة عميلة في العراق، وتزايد جرأة القوى الإقليمية غير العربية التي تحاول توسيع نفوذها الإقليمي.
والآن، في أعقاب الحروب في غزة ولبنان وسقوط نظام الأسد في سوريا، يواصل الروس والولايات المتحدة التدخل، لكن المشرفين الجدد على المنطقة هم إسرائيل وإيران وتركيا.
ويصف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بجنون العظمة الدور الإقليمي المهيمن الذي تلعبه بلاده، في حين يتجاهل أن موقف إسرائيل يعتمد بالكامل على الدعم الأميركي. وعلى الرغم من ادعاءاته بالقتال والنصر على سبع جبهات، وإنقاذ الغرب من التطرف الإسلامي، فإنه يعمل بلا ضابط أو رابط، فيحول قسماً كبيراً من غزة إلى منطقة عازلة، مع قواعد دائمة كدليل على الغزو الدائم. وتفعل القوات الإسرائيلية الشيء نفسه في سوريا. ومن الواضح أن إسرائيل تعتزم انتهاك اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان، والاحتفاظ بوجودها في الجنوب.
ولا تزال إيران، التي أضعفتها بلا شك خسائرها، خاصة في لبنان وسوريا، تحتفظ ببعض الدعم في لبنان وسوريا، وتدخل عميق في العراق واليمن.
ورغم أن محور المقاومة الإيراني قد يضعف، فقد برزت تركيا ودعمها للحركات الإسلامية في المنطقة باعتبارها العامل الجديد في المعادلة السياسية في سوريا والشرق العربي. ويظل تأثير هذا التطور على تمكين المنتسبين الأيديولوجيين المسلمين في الدول المجاورة غير واضح، كما هو الحال بالنسبة لرد فعل مجتمعات الأقليات الدينية/العرقية التي قد تكون حذرة بشكل معقول من طموحات تركيا المحتملة الشبيهة بطموحات الإمبراطورية العثمانية.
إن مصير الفلسطينيين والأكراد، الضحايا الرئيسيين للمكائد البريطانية/الفرنسية، يظل دون حل ومن المستحيل تجاهله.
تم تقسيم الأمة الكردية قسراً إلى أربعة أجزاء ودمجها في إيران والعراق وسوريا وتركيا. إن نقطة التوتر الرئيسية اليوم هي المنطقة الكردية في سوريا، المدعومة من الولايات المتحدة، والتي تواجه مقاومة من تركيا خوفاً من تهديد استمرار السيطرة على الأكراد في تركيا.
إن استمرار الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة والقمع المكثف للفلسطينيين في القدس والضفة الغربية يغذي المزيد من المقاومة الفلسطينية ويساهم في عزلة إسرائيل.
ويلقي البعض اللوم على عرب المشرق في هذه الفوضى، مشيرين إلى الطائفية أو غياب القيادة، لكن هذا هو إلقاء اللوم على الضحية. وقد أدى التلاعب الخارجي إلى الانقسامات القائمة، كما تم سحق أو استغلال الحركات السابقة التي كانت تسعى إلى خلق وحدة واسعة النطاق على أساس هوية غير طائفية من قبل قوى خارجية مماثلة.
والآن يتعين على العرب أن يتحكموا في مصيرهم، وأن لا يسمحوا للشرق العربي بأن يتحول إلى ملعب يتنافس فيه غير العرب على تحقيق أهدافهم الخاصة. ستكون نقطة البداية هي قيام دول الخليج العربية، وهي مركز القوة العربية الحالي، بعقد قمة ووضع رؤية للمستقبل مقترنة بالمطالب التالية:
• سياسة عدم التدخل بالنسبة للدول غير العربية، مما يجعل العلاقات المستقبلية مشروطة بالالتزام.
• رؤية للوحدة العربية غير الطائفية داخل كل دولة من دول المشرق.
• إنهاء الاحتلال الإسرائيلي والتوسع والعدوان.
• تقرير المصير الكامل للشعب الفلسطيني ووضع حد لإنكار دول المنطقة لحقوق الشعب الكردي. و
• إنشاء مجموعات عمل لدراسة كيفية جعل هذه الأهداف ممكنة.
ومع وجود الكثير من الأضرار المتراكمة التي يتعين التراجع عنها، فلن يحدث ذلك بين عشية وضحاها. ولكن إذا لم يتم تطوير رؤية جديدة، مدعومة بخطوات لترجمتها إلى واقع، فإن المنطقة سوف تظل مشلولة بسبب الانقسام والتلاعب الخارجي.