Connect with us

Hi, what are you looking for?

اخر الاخبار

الإمارات تبرز كوسيط رئيسي في الجهود المبذولة لإنهاء الحرب في السودان

الخرطوم

ويكثف الرباعي الذي يضم الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ومصر والولايات المتحدة جهوده لإنهاء الصراع الدموي في السودان وإنقاذ ملايين المدنيين من مخاطر الموت والتشريد عبر مسار الحل السياسي.

وتبرز الإمارات كمهندس دبلوماسي ضمن المجموعة التي تشكل إطارا فريدا يجمع بين القوة الناعمة العربية والنفوذ الدولي، في محاولة جادة لإنهاء الصراع السوداني الذي اندلع في أبريل 2023 بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع.

وتحول الصراع إلى واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم، حيث يواجه نصف سكان السودان، حوالي 25 مليون شخص، انعدام الأمن الغذائي الحاد، بينما تصل المساعدات حاليا إلى حوالي أربعة ملايين شخص فقط شهريا، وفقا لتقارير الأمم المتحدة.

وفي هذا السياق المأساوي، برزت مبادرة الرباعية كمنصة دبلوماسية متعددة الأبعاد، لا تهدف فقط إلى تحقيق وقف إطلاق النار ولكن أيضًا إلى إعادة بناء السودان من خلال استعادة الحكم المدني وإطلاق عملية سياسية شاملة لإعادة الاستقرار والوحدة الوطنية إلى البلاد.

وما يميز هذه المبادرة ليس طموحها السياسي فحسب، بل أيضا طبيعة داعميها الرئيسيين، وفي مقدمتهم الإمارات، التي أثبتت مرة أخرى أنها لا تكتفي باللفتات الرمزية، بل تمارس دبلوماسية الفعل، وليس المراقبة.

لا تتعامل دولة الإمارات العربية المتحدة مع الأزمات بشكل تفاعلي، بل بعقلية استباقية ترتكز على مبدأ “الحياد الإيجابي”، وهو شكل متطور من الدبلوماسية ينتقل من الحياد السلبي إلى المشاركة النشطة. وهو الحياد الذي لا يعني الوقوف على مسافة متساوية من جميع الأطراف، بل التعامل معهم على أساس المساواة والعدالة، دون أجندات خفية أو مصالح ضيقة، سعياً لتحقيق الصالح العام للشعب السوداني.

ويرفض هذا النهج بشدة عسكرة الحلول ويؤكد أن مستقبل السودان لابد أن يصوغه شعبه من خلال صناديق الاقتراع، وليس فوهة البندقية. فهو يبعث برسالة واضحة إلى كافة الأطراف مفادها أن الحل العسكري هو طريق مسدود ولن يؤدي إلا إلى المزيد من الدمار والمعاناة، وأن المسار الوحيد القابل للتطبيق للمضي قدمًا هو العودة إلى الحوار.

إن النموذج الإماراتي لإدارة الأزمات ليس مفاجئا ولا منفصلا عن سياقه الإقليمي الأوسع، بل هو استمرار لرؤية استراتيجية شاملة تم اختبارها وصقلها عبر العديد من الساحات الإقليمية. وفي ليبيا، دعمت الإمارات باستمرار المسار السياسي برؤية واضحة ترفض تقسيم البلاد وعسكرتها، وتؤكد مجددا أولوية الحلول التفاوضية.

وفي اليمن، تطور الحضور الإماراتي، بعد مرحلته العسكرية السابقة، إلى دور تنموي وإنساني بارز يهدف إلى إعادة بناء ما دمرته الحرب ودعم مؤسسات الدولة الشرعية، وهو نموذج عملي للانتقال من منطق الحرب إلى منطق السلام. وفي القرن الأفريقي، قامت الإمارات ببناء شراكات استراتيجية تقوم على التنمية والاستقرار المتبادل، بعيداً عن الهيمنة والإملاءات.

ويشكل هذا الثالوث المتكامل، الاستقرار والتنمية والاحترام المتبادل، جوهر النموذج الإماراتي، مما يمنحه مصداقية عالية وجاذبية في أي مسعى دولي جاد، كما يعزز المنفعة المتبادلة بدلاً من الاستغلال.

وتجسد خارطة الطريق التي أعلنتها المجموعة الرباعية في سبتمبر الماضي هذه الرؤية على أرض الواقع. وتتضمن الخطة وقف إطلاق نار إنساني لمدة ثلاثة أشهر يتبعه وقف دائم وشامل للأعمال العدائية، ثم مرحلة انتقالية مدنية مدتها تسعة أشهر تنتهي بإجراء انتخابات حرة، وهو أحد المقترحات الأكثر شمولاً وواقعية منذ بدء الأزمة.

ومع ذلك، فإن نجاح خارطة الطريق هذه لا يعتمد فقط على نوايا الفصائل السودانية المتحاربة، بل يعتمد أيضًا على الحكمة والقدرة الدبلوماسية للدول الراعية.

وهنا تثبت دولة الإمارات أنها ليست مجرد مشارك، بل قوة دافعة ومحفزة، تستخدم أدوات التأثير السياسي والاقتصادي والإنساني وتوظفها بمهارة لبناء الثقة ودفع العملية قدما. فهو يقدم درساً عملياً في كيفية معالجة الأزمات المعقدة دون اللجوء إلى لغة التهديدات أو المواقف الأيديولوجية، ويعيد تعريف الدور العربي على الساحة العالمية من دور متلقي إلى دور صانع وفاعل.

وتتوافق مشاركة الإمارات في الرباعية، في جوهرها، مع فلسفتها الأوسع في السياسة الخارجية القائمة على مبادئ ثابتة: بناء السلام بدلاً من فرضه، واحترام السيادة الوطنية بدلاً من التدخل فيها، ودعم الحلول السياسية بدلاً من تأجيج الصراعات.

وهذه الفلسفة، التي تنعكس في مواقفها من مختلف القضايا الإقليمية، تعيد رسم صورة الدولة العربية الحديثة، دولة ذات قرار مستقل، وتحالفات متوازنة، والقدرة على الجمع بين القوة وضبط النفس والنفوذ دون هيمنة.

ومن خلال هذا النموذج، لا تمنح الإمارات فرصة للسودان للخروج من محنته فحسب، بل تقدم للعالم أيضًا مثالاً لدبلوماسية السلام البناءة، وهندسة مستقبل عربي وإقليمي قائم على العقلانية والسيادة والإنسانية، حيث تكمن القوة الحقيقية في قدرة الأمة على أن تكون جسراً للسلام، وليس ساحة معركة للحرب.

اضف تعليقك

اترك تعليقك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

اخر الاخبار

تم اكتشاف كنز مكون من 225 تمثالًا جنائزيًا داخل مقبرة في العاصمة المصرية القديمة تانيس في دلتا النيل، وهو اكتشاف نادر يحل أيضًا لغزًا...

اخر الاخبار

في يونيو 1939، عشية الحرب العالمية الثانية، كتب ألبير كامو، وهو مثقف يساري شاب ناشئ ولد لعائلة من المستوطنين الفقراء في الجزائر، ما يلي:...

اخر الاخبار

بيروت (5 ديسمبر كانون الأول) (رويترز) – انتقد الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم اليوم الجمعة قرار الحكومة اللبنانية إرسال مندوب مدني إلى لجنة...

اخر الاخبار

بغداد / واشنطن اجتاحت طائرات إيرانية بدون طيار الأجواء الجبلية في منطقة كردستان شمال العراق في منتصف يوليو/تموز، وركزت على أهدافها: حقول النفط التي...

اخر الاخبار

5 ديسمبر (رويترز) – اندلع القتال في شرق جمهورية الكونجو الديمقراطية يوم الجمعة بعد يوم من استضافة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب زعيمي الكونجو ورواندا...

اخر الاخبار

لندن قالت مصادر ملاحية وتأمينية، اليوم الخميس، إن تكاليف التأمين ضد الحرب على السفن المبحرة إلى البحر الأسود ارتفعت مرة أخرى مع قيام شركات...

اخر الاخبار

5 ديسمبر (رويترز) – قال الرئيس اللبناني جوزيف عون يوم الجمعة إن محادثات وقف إطلاق النار مع إسرائيل تهدف في المقام الأول إلى وقف...

اخر الاخبار

انقرة قالت وزارة الدفاع التركية، اليوم الخميس، إن أعمال البناء بدأت في أول غواصة محلية الصنع (ميلدن)، مضيفة أن أنقرة أكملت أيضًا أول عملية...