الرباط
تشهد مدينة الداخلة الساحلية، الواقعة في الأقاليم الجنوبية للمغرب، تحولا اقتصاديا وتنمويا سريعا، مما يعكس رؤية المملكة الطموحة لجعل الصحراء مركزا للاستثمار العالمي والنمو والسياحة المستدامة.
ووسط الرمال وأشجار النخيل المزروعة حديثا، تقف الداخلة اليوم كنموذج للتنمية المستدامة التي تجمع بين الاستثمار الدولي، وتحسين البنية التحتية، وتحسين نوعية الحياة للسكان المحليين. وتتسارع مشاريع البناء، وتنتشر مواقع الاستثمار في مختلف أنحاء المدينة، لتشكل شبكة اقتصادية متكاملة تثبت قدرة المغرب على تحويل التحديات الجغرافية والسياسية إلى فرص حقيقية للتنمية والتقدم.
وبفضل موقعها الاستراتيجي على ساحل المحيط الأطلسي، تتمتع الداخلة بظروف طبيعية فريدة تجعلها وجهة مثالية للأنشطة الاقتصادية والسياحية، بما في ذلك رياضة ركوب الأمواج بالطائرة الورقية، التي تستفيد من الرياح المستمرة وتستقطب الزوار المحليين والدوليين.
هذه الميزة الطبيعية، إلى جانب التركيز الحكومي على التنمية المستدامة، جعلت الداخلة نموذجا لدمج النشاط الاقتصادي مع السياحة البيئية والرياضية، مما يعكس استراتيجية المغرب للتنمية المتوازنة التي تحترم البيئة وتسخر الموارد المحلية.
وشهدت العلاقات المغربية الفرنسية، خلال السنوات الأخيرة، تحولا إيجابيا كبيرا بعد إعلان فرنسا دعمها لمخطط المغرب للحكم الذاتي في الصحراء، وهي خطوة دبلوماسية كبيرة عززت الثقة بين البلدين وفتحت آفاقا جديدة للشراكة الاقتصادية.
لقد تجاوز هذا الدعم الفرنسي الاعتراف السياسي إلى الاستثمار المادي، حيث شارك حوالي ثلاثين من كبار رجال الأعمال وأصحاب الشركات الفرنسيين في منتدى اقتصادي عقد في الداخلة، وهو الأول من نوعه، مما يؤكد الاهتمام المتزايد للقطاع الخاص الدولي بإمكانات الجهات الجنوبية للمغرب.
وتسلط الاستثمارات الفرنسية، التي تشمل الطاقة المتجددة والسياحة والبنية التحتية، الضوء على قدرة المغرب على تحويل المنطقة التي كانت نائية ذات يوم إلى مركز اقتصادي حيوي. ويشكل تطوير ميناء المياه العميقة بالداخلة جزءا أساسيا من خطة المملكة لجعل المدينة بوابة للتجارة والإنتاج نحو أفريقيا.
ويعكس هذا رؤية المغرب الاستراتيجية الرامية إلى الاستفادة من الفرص الدولية لتعزيز اقتصاده المحلي وخلق بيئة مواتية للشركات العالمية، مع الحفاظ على الهوية الثقافية والطبيعية للمنطقة.
ويقول المراقبون إن هذا التطور الإيجابي يمكن فهمه من خلال ثلاثة أبعاد مترابطة: الاقتصادي، السياسي الدبلوماسي، والاجتماعي البيئي.
ومن الناحية الاقتصادية، نجح المغرب بشكل واضح في جذب الاستثمار الأجنبي المباشر، خاصة الفرنسي، مما يعزز مكانته كوجهة استثمارية مستقرة وواعدة. وتنظر الشركات الفرنسية، بما في ذلك المجموعات الرئيسية في قطاعات الطاقة والسياحة والخدمات اللوجستية، إلى الداخلة باعتبارها فرصة استراتيجية للاستثمار طويل الأجل، مستفيدة من مناخ استثماري واضح ومنظم جيدًا وآفاق نمو قوية في السنوات المقبلة.
ومن المتوقع أن تفتح مشاريع تطوير الموانئ أبوابا جديدة أمام المغرب لتوسيع التجارة مع الأسواق الإفريقية وتعزيز دور الصحراء كمحرك اقتصادي إقليمي.
سياسيا ودبلوماسيا، يعكس دعم فرنسا لخطة الحكم الذاتي المغربية اعترافا دوليا متزايدا بجهود المملكة لتعزيز الاستقرار والتنمية في الصحراء.
وقد عزز هذا الدعم موقع المغرب على الساحة الدولية، خاصة فيما يتعلق بالنزاع الإقليمي حول الصحراء، ويوضح نجاح المملكة في بناء شبكة متوازنة من العلاقات الدولية التي توحد الشركاء التقليديين مع المستثمرين العالميين.
ولم يكن المنتدى الاقتصادي الفرنسي المغربي في الداخلة مجرد حدث اقتصادي، بل كان أيضا أداة دبلوماسية لبناء الثقة بين الشركاء الدوليين وإظهار قدرة المغرب على ترجمة الرؤية السياسية إلى مشاريع ملموسة على الأرض.
ويحتل البعد الاجتماعي والبيئي نفس القدر من الأهمية في هذه الديناميكية، حيث تحرص جهود التنمية في الداخلة على الحفاظ على الموارد الطبيعية وتشجيع السياحة البيئية، مع دعم الأنشطة الرياضية والثقافية المحلية.
ويضمن هذا النهج المتكامل استفادة السكان المحليين من فرص العمل الجديدة وتحسين الخدمات العامة، مع تعزيز صورة المغرب كدولة قادرة على تنمية مناطقها الجنوبية بشكل مستدام وشامل، وتحقيق التوازن بين النمو الاقتصادي وحماية البيئة والحفاظ على الثقافة.
ويجسد المنتدى الاقتصادي الفرنسي المغربي، إلى جانب الزيارات الرسمية الأخيرة للوفود الفرنسية، مقاربة براغماتية بين المستثمرين الذين ينظرون إلى الداخلة كوجهة استثمارية مستقرة وآمنة سياسيا، مما يعزز آفاق نجاح المشاريع الاقتصادية على المدى الطويل.
وقال وزير الاستثمار المغربي كريم زيدان إن الاستثمارات الفرنسية تعكس عمق الشراكة بين البلدين. في غضون ذلك، أشارت سفيرة المغرب بفرنسا، سميرة سيتايل، إلى أن دعم فرنسا لمخطط الحكم الذاتي ساهم في استعادة الثقة وتشجيع المزيد من المبادرات المشتركة، وهي خطوة مهمة نحو تعزيز التعاون الاقتصادي والسياسي بالمنطقة.
ومن هذا المنظور، يمكن اعتبار الداخلة نموذجا حقيقيا لكيفية تحويل المغرب التحديات الجغرافية والسياسية إلى فرص اقتصادية واستثمارية، ونجاحه في تحويل صحرائه إلى مركز للنمو والتنمية المستدامة.
وأصبحت الاستثمارات الدولية والشراكات الاستراتيجية أدوات أساسية لتحقيق التنمية المتوازنة وتعزيز قدرة المملكة على بناء مستقبل مشرق لأقاليمها الجنوبية، مستقبل يدمج بين التوسع الاقتصادي والسياحي والاستقرار الاجتماعي، انسجاما مع الرؤية الملكية في جعل الصحراء نموذجا للتقدم الشامل والمستدام.
وبالنظر إلى المستقبل، من المتوقع أن تستمر مدينة الداخلة في جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية، لا سيما في مجالات الطاقة المتجددة والخدمات اللوجستية والسياحة، بدعم من مشاريع البنية التحتية والتنمية الحضرية المعززة التي تحول المدينة إلى مركز إقليمي حيوي.
وتوضح هذه الاستراتيجية أن المغرب لا يركز فقط على النمو الاقتصادي، بل يركز أيضا على تعزيز دوره الدبلوماسي والإقليمي من خلال الشراكات الدولية وإرساء نموذج متوازن للتنمية المستدامة التي تحقق الاستقرار الاجتماعي والازدهار الاقتصادي.
ويؤكد محللون أن التعاون المغربي الفرنسي في الداخلة يجسد الرؤية الشاملة للمملكة لتحويل صحرائها إلى مركز اقتصادي وسياحي مستدام، ويبرز قدرة المغرب على الجمع بين التنمية المحلية والاستثمار الدولي، ودمج الطموح الاقتصادي مع الدبلوماسية الذكية. وبذلك يبرز النموذج المغربي في الصحراء كمرجع إقليمي ودولي للنمو المستدام والشامل.
