الجزائر-
من المتوقع على نطاق واسع أن يفوز عبد المجيد تبون، الذي تولى رئاسة الجزائر خلال احتجاجات جماهيرية مؤيدة للديمقراطية قبل خمس سنوات، بفترة ولاية ثانية، وفي حين يتوجه الجزائريون إلى صناديق الاقتراع يوم الأحد، فمن المرجح أن يظل التغيير الحقيقي بعيد المنال.
وسوف يواجه الرئيس الحالي منافسين اثنين سهلين في الانتخابات التي ستجرى في السابع من سبتمبر/أيلول بعد رفض ثلاثة عشر مرشحا آخرين بسبب عدم حصولهم على ما يكفي من التأييد.
والمرشحان الوحيدان اللذان حصلا على الموافقة لخوض الانتخابات ضد الرئيس البالغ من العمر 78 عاما هما عبد العالي الحسني من حركة مجتمع السلم (همس) التابعة لجماعة الإخوان المسلمين ويوسف عوشيش من جبهة القوى الاشتراكية (يسار الوسط).
تولى تبون، الوزير في عهد بوتفليقة، منصب الرئيس في ديسمبر/كانون الأول 2019 بعد انتخابات قاطعها الناس على نطاق واسع.
والآن، بينما يخوض حملته لإعادة انتخابه، يؤكد الرئيس المدعوم من الجيش أنه نجح في تصحيح أخطاء الماضي التي ارتكبتها البلاد. ويبدي خبراء الجزائر تشككهم في مدى الإنجازات التي يروج لها النظام.
وقال حسني عبيدي، المحلل الجزائري في مركز دراسات CERMAM ومقره جنيف، إن التغيير في القيادة في عام 2019 لم يكن كافيا لإحداث “عصر جديد”، على الرغم من إشارات تبون المتكررة إلى “الجزائر الجديدة”.
وبحسب لويزا دريس آيت حمادوش من جامعة الجزائر 3، فإن “الحكام الحاليين (الرئيس تبون المدعوم من التسلسل الهرمي العسكري) يرمزون إلى الوضع الراهن ومقدمي الأمن أيضًا”، ومن هنا “خطابهم حول المؤامرات”. وتخلل الحملة الانتخابية إعلان السلطات عن اعتقال “جواسيس” و”مخربين” سياسيين.
لا يواجه تبون أي منافسين سياسيين كبار في الداخل. فقد تلاشت حركة الحراك مع ظهور جائحة كوفيد-19، إلى جانب حملة قمع شاملة للمحتجين. واعتقل المئات، ولا يزال العشرات خلف القضبان أو ما زالوا قيد المحاكمة، وفقًا لمنظمة حقوق السجناء CNLD.
ويعتقد أندرو فيراند، وهو زميل بارز في المجلس الأطلسي، أن “سجل تبون يقدم الكثير من الأسباب التي قد تجعل الجزائريين يرغبون في التصويت لإبعاده عن منصبه. لكن هذه الانتخابات لا تقدم سوى القليل من الأمل في انتقال السلطة”.
وقال فيران إن المؤسسات الوطنية والشخصيات البارزة إما تم استقطابها للمشاركة في حملة إعادة الانتخاب أو تهميشها أو محاكمتها. وشمل ذلك تشجيع وزير الخارجية السابق رمضان لعمامرة على تولي دور مبعوث الأمم المتحدة في الخارج، وحُكم على الجنرال علي غديري بالسجن، ومنع الناشط اليساري كريم طابو من ممارسة السياسة، وغادر المرشح السابق رشيد نكاز إلى الولايات المتحدة، ولا يزال الصحفي إحسان القاضي في السجن.
وقال أمجد يامين من منظمة العفو الدولية: “في السنوات الأخيرة، شهدت الجزائر تآكلًا مطردًا لحقوق الإنسان من خلال حل السلطات للأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني والمنافذ الإعلامية المستقلة، إلى جانب ارتفاع حالات الاعتقالات التعسفية والملاحقات القضائية باستخدام تهم الإرهاب الملفقة. ومن المثير للقلق أن هذا الواقع ظل قاتمًا في الفترة التي سبقت الانتخابات”.
منذ توليه منصبه، زعم تبون أنه أعاد الجزائر إلى المسار الصحيح، مشيرا بشكل متكرر إلى السنوات الأخيرة لبوتفليقة في السلطة باعتبارها “عقد المافيا”.
خلال فترة حكمه، أُدين العديد من رجال الأعمال والوزراء والشخصيات السياسية من تلك الحقبة، بما في ذلك شقيق بوتفليقة سعيد، بتهم الفساد وسُجنوا. لكن الشائعات حول استمرار الفساد لا تزال منتشرة.
ويقول تبون أيضًا إنه نجح في تحويل الجزائر إلى اقتصاد ناشئ.
لكن عبيدي يشير إلى أن نجاح تبون ساعده “بيئة دولية مواتية”، حيث أدت الحرب بين أوكرانيا وروسيا إلى ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي لصالح الجزائر، أكبر مصدر للغاز في القارة.
وقد سمح هذا الانتعاش الاقتصادي المفاجئ لتبون بمحاولة شراء السلام الاجتماعي، من خلال وعود بتوفير السكن المجاني، ورفع الحد الأدنى للأجور، وزيادة المعاشات الاجتماعية.
وفي تجمع حاشد أقيم مؤخرا في وهران، تعهد بوتفليقة بخلق 450 ألف فرصة عمل وزيادة إعانات البطالة الشهرية إذا أعيد انتخابه.
ورغم هذه التعهدات، يقول المنتقدون إن التقدم الاجتماعي والاقتصادي في عهد تبون كان بطيئا. ورغم أن اقتصاد الجزائر نما بمعدل نحو أربعة في المائة على مدى العامين الماضيين، مع وصول احتياطيات النقد الأجنبي إلى 70 مليار دولار، فإنه لا يزال يعتمد بشكل كبير على النفط والغاز. وتشكل صادرات الهيدروكربون نحو 95 في المائة من عائدات العملة الصعبة في الدولة الواقعة في شمال أفريقيا.
وعلى صعيد السياسة الخارجية، اتسمت فترة حكم تبون بتدهور العلاقات مع الدول المجاورة، وخاصة المغرب، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى موقفه المتشدد من نزاع الصحراء الغربية.
وقطعت الجزائر، الداعم القوي لجبهة البوليساريو التي تنازع سيادة المغرب على الإقليم، العلاقات الدبلوماسية مع المغرب في أغسطس/آب 2021 بعد تصاعد التوترات بشأن الصحراء الغربية.
وعلى نحو مماثل، تعرضت العلاقات مع فرنسا، التي كانت متوترة بالفعل بسبب عدم القدرة على التعامل مع الإرث الاستعماري، لضربة كبيرة في الآونة الأخيرة.
وفي الشهر الماضي، انضم الرئيس الفرنسي ماكرون إلى العديد من الزعماء الأجانب الآخرين الذين اعتقدوا أن خطة الحكم الذاتي المغربية هي الحل الوحيد للصحراء الغربية. وردًا على ذلك، سحبت الجزائر سفيرها لدى فرنسا.
“بدلاً من الاستجابة لتطلعات الشعب، فإن انتخابات عام 2024 تخاطر بترسيخ نظام استبدادي متمسك بشدة بالسلطة وسط أزمة شرعية حادة، كما كتب مؤخراً رؤوف فرح من المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية (GITOC).
