واشنطن
منحت الولايات المتحدة موافقة مبدئية على صفقة بيع عسكرية كبيرة للبنان، مما سمح بالنقل المحتمل للمركبات ذات العجلات متعددة الأغراض عالية الحركة M1151A1 (HMMWVs) إلى القوات المسلحة اللبنانية في صفقة تبلغ قيمتها حوالي 34.5 مليون دولار، في خطوة يُنظر إليها على أنها جزء من استراتيجية واشنطن لموازنة النفوذ المسلح لحزب الله دون مواجهة مباشرة.
وقال البنتاغون إن الصفقة تهدف إلى تزويد الجيش اللبناني “بقدرة عالية على الحركة وخفيفة الوزن من المركبات القتالية”، مما يمكّن القوات من الاستجابة بسرعة للتهديدات الأمنية الداخلية وتحسين عمليات مكافحة الإرهاب. وينظر المسؤولون الأميركيون إلى الجيش اللبناني باعتباره أداة رئيسية لاحتواء الفوضى الأمنية المحتملة ومنع حزب الله من تعزيز سلطته على حساب سلطة الدولة، مع تجنب الاشتباك العسكري المباشر مع الجماعة.
وسيكون المقاول الرئيسي هو AM General، ومقرها في ساوث بيند، إنديانا. وستتم معالجة عملية النقل من خلال برنامج المبيعات العسكرية الخارجية الأمريكية (FMS)، وهو آلية طويلة الأمد بين الحكومة لنقل المعدات الدفاعية. سبق أن استلم لبنان أكثر من 1600 مركبة HMMWV من نماذج مختلفة من خلال FMS منذ عام 2005.
ومن الناحية الاستراتيجية، تعد عملية البيع جزءًا من نهج “الاحتواء” الأمريكي الأوسع، الذي يجمع بين الدعم العسكري لمؤسسات الدولة والضغوط السياسية والاقتصادية على حزب الله. ومن المتوقع أن تعزز المركبات قدرة الجيش على الانتشار السريع، مما يسمح له بإدارة الأزمات الأمنية داخليًا وتقليل الحاجة العملية إلى جهات مسلحة موازية خارج سيطرة الدولة.
ويأتي هذا الإعلان وسط تجدد الجدل الداخلي حول أسلحة حزب الله. وبينما تحتفظ الجماعة بترسانتها كجزء من “معادلة المقاومة” ضد إسرائيل، يرى المنتقدون أن تعزيز القوة المسلحة في ظل الدولة أمر ضروري لاستعادة السيادة اللبنانية وتعزيز قدرة الجيش على الحفاظ على الأمن. وهذا ما جعل الدعم العسكري الخارجي للجيش اللبناني قضية سياسية واستراتيجية حساسة للغاية داخل البلاد.
وعلى المستوى الإقليمي، يتزامن البيع مع تصاعد التوترات على طول الحدود الجنوبية للبنان، حيث لا تزال الاشتباكات المتقطعة بين حزب الله وإسرائيل تثير المخاوف. ومن المتوقع أن تعزز المركبات السيطرة الداخلية للجيش وقدرات الاستجابة السريعة، مما يسمح له بإدارة الأزمات داخل حدود الدولة دون التصعيد إلى مواجهة مباشرة مع حزب الله.
ويشير المحللون إلى أن الصفقة تعكس نهج واشنطن الدقيق: فهي تشير إلى الدعم للدولة اللبنانية بينما تقيد ضمنيًا حرية عمل حزب الله. ومن خلال تجهيز الجيش للعمل بشكل حاسم، تعمل الولايات المتحدة على تعزيز المؤسسات الشرعية في لبنان باعتبارها الآلية الأساسية لتحقيق الأمن، في حين تبعث برسالة إلى حزب الله وداعميه الإقليميين مفادها أن النفوذ الخارجي يتم توجيهه عبر الدولة وليس من خلال الصراع بالوكالة.
تتم عملية البيع أيضًا على خلفية ديناميكيات الدفاع المتغيرة في الشرق الأوسط، بما في ذلك التعاون التركي المصري المتزايد في الإنتاج والتكنولوجيا العسكريين المشتركين. وتؤكد خطوة واشنطن التزامها المستمر بتعزيز الجيوش الوطنية في المناطق المضطربة كأداة لتحقيق الاستقرار، وتحقيق التوازن بين ضبط النفس الاستراتيجي والدعم التكتيكي.
بالنسبة للعديد من المراقبين، تمثل الصفقة رمزًا لسياسة أمريكية أوسع نطاقًا تجاه لبنان: دعم مؤسسات الدولة، والحفاظ على الاستقرار الداخلي، وإدارة الضغوط الخارجية، واحتواء الجهات المسلحة غير الحكومية دون مواجهة مباشرة. وفي بلد يتسم بالتوازنات السياسية الهشة والحساسيات الطائفية العميقة، يمثل القرار مزيجاً محسوباً من الحذر والتخطيط الاستراتيجي، مما يعزز الجيش باعتباره حجر الزاوية للأمن الداخلي مع إدارة النفوذ المعقد لحزب الله.