Connect with us

Hi, what are you looking for?

اخر الاخبار

الدعاية الإلكترونية تملأ الفراغ الإعلامي في الخليج

لا يزال من المبكر الحكم على مدى فعالية الحملة الخليجية العربية التي أطلقها الشيخ عبدالله بن محمد آل حامد، رئيس المكتب الإعلامي الوطني في الإمارات، ضد الدعاية الإلكترونية أو ما يسمى بـ«الذباب الإلكتروني».

لقد نجحت الحملة في إحداث رد فعل رسمي وشعبي فوري، حيث شعر الرأي العام الخليجي، مواطنين ومسؤولين، بالإحباط من حجم الإساءات التي تتكدس بشكل شبه يومي على الأفراد والمؤسسات والقيادات وحتى الأفكار.

لقد انتهكت الذباب الإلكتروني بعض الأسس الرئيسية التي تقوم عليها المجتمعات، والعلاقات بين المواطنين وبلدانهم، والعلاقات بين الأمم.

لا يهم إن كانت الدعاية الإلكترونية صادرة عن حسابات حقيقية على مواقع التواصل الاجتماعي أو عن روبوتات، فالحسابات الحقيقية لشخصيات معروفة تسببت في ضرر لا يقل عن الضرر الذي أحدثته الحسابات المزيفة أو الروبوتية التي أنشأتها جهات سياسية محلية أو إقليمية أو عربية.

لقد بلغت الفوضى مستوى خطيرا في ذروة الأزمة بين الدول العربية المعتدلة من جهة ومعسكر قطر وتركيا وجماعة الإخوان المسلمين من جهة أخرى، حيث أبدع الذباب الإلكتروني في اختراع مفردات مسيئة ومبتذلة، ثم جاءت القمة الخليجية في العلا لتخفف من حدة الأزمات بين دول الخليج العربية، ثم تبعها انفتاح خليجي على تركيا أردوغان التي أذلتها أزماتها الاقتصادية فاضطرت إلى التخفيف من تجاوزاتها، حتى أن بعض فصائل جماعة الإخوان المسلمين يبدو أنها اختارت التهدئة، إما لاستيعاب سياسات قطر وتركيا الجديدة، أو لأنها تخشى فقدان ملاذها في إسطنبول وإزالتها من قائمة المتلقين للدعم المالي من شبكات الإخوان المسلمين العالمية.

ولكن المفارقة أن بعض بؤر الدعاية الإلكترونية لم تكن راغبة في قبول هذا الأمر الواقع. فبدأت في البحث عن أعداء جدد، حتى بين حلفائها الجدد. ومن الصعب أن نجزم إلى أي مدى يقف الأعداء القدامى وراء هذا التحريض ضد حلفاء الأمس. فقد تصرف بعض الجهات الفاعلة في الدعاية الإلكترونية كما لو أنها ولدت للبقاء. ولم يكن يهمها حقاً من هم حلفاؤها وأعداؤها الجدد.

ولعل الدعوة التي أطلقها الشيخ عبدالله الحامد هي أول محاولة جادة لتقليص مجموعات الدعاية الإلكترونية، وخاصة من خلال مبادرة #حظر_بدون_تعليق. والهدف الأساسي من الدعوة/الحملة هو الامتناع عن الرد أو تقديم أي تعليق على حسابات X المسيئة. والمبادرة منطقية لسبب بسيط على الأقل: أي محاولة للرد على التعليقات هي دعوة لإنشاء مجموعة جديدة من الذباب الإلكتروني “الطيب” بهدف مواجهة الذباب الإلكتروني “الخبيث”. وما تعلمه أهل الخليج خلال السنوات العشر الماضية هو أن الذباب هو ذباب، سواء كان طيباً أو شريراً. والأفضل إغلاق الباب أمام الذباب بأنواعه.

من الصعب أن نتصور أن الذباب الإلكتروني سوف يختفي. فقد تتضاءل أعداده لفترة من الوقت، ثم يعود في النهاية ويتكاثر. ويطلق عليه اسم الذباب لأن إحدى آلياته الدفاعية للبقاء على قيد الحياة هي أعداده الكبيرة.

لقد جاءت الدعاية الإلكترونية لتملأ الفراغ الإعلامي. والآن بدأ فراغ مماثل ينشأ بعد تزايد فعالية الحملة الخليجية ضد الدعاية الإلكترونية. وهذا الفراغ مرتبط بالإعلام في المقام الأول بطبيعة الحال، كما ينبغي أن يكون الحال على وجه التحديد، وبصورة أكثر دقة، في ظل غياب الإعلام الموضوعي.

لقد وجدت الذبابة الإلكترونية فراغاً إعلامياً ملموساً بعد ما يسمى بالربيع العربي. ولا أدري إن كان بوسعنا أن نصف بموضوعية ممارسات الجزيرة الإعلامية التحريضية، قبل وأثناء المرحلة الأولى من “الربيع العربي”، بأنها نسخة مبكرة من الإعلام الطنان. ولكن بوسعنا أن نزعم بموضوعية أن الإعلام العربي لم يكن قادراً على مواكبة التغيرات. فقد جعلت القيود التي فرضتها القيود على الجزيرة بعد انتقال السلطة في قطر وظهور هدنة إعلامية قصيرة الأمد آنذاك من الضروري تسليح تويتر (X حالياً) وإطلاق فكرة الذبابة الإلكترونية المنهجية. وهكذا اكتسبت “الطنانة” منصة أخرى.

لقد كانت الدعاية الإلكترونية حرة طليقة طيلة أكثر من عقد من الزمان، نشرت خلالها رسائل التحريض والأكاذيب، بينما فشلت وسائل الإعلام التقليدية مرتين في مواكبة هذا التطور. لقد فشلت مرة عندما منحت الدعاية الإلكترونية فرصة الدخول إلى عالم الإعلام الشرعي، وفشلت مرة ثانية عندما لم تتبنى فكرة الارتقاء بالعملية الإعلامية في مجال الأخبار والرأي والنقاش.

خلال هذه الفترة، لم تكتسب الدعاية الإلكترونية جمهورًا أوسع فحسب، بل أضافت أيضًا إلى ترسانتها أداة جديدة، وهي فبركة الصور ومقاطع الفيديو والأخبار مع إدخال تقنية Deep Fakes وتقنيات الذكاء الاصطناعي.

إن الحماس الإقليمي اليوم لاتخاذ موقف موحد ضد الدعاية الإلكترونية ينبع جزئيا من إدراك حقيقة مفادها أن الذكاء الاصطناعي سلاح لا يستطيع أحد السيطرة عليه وأن الذكاء الاصطناعي قد يتسبب في نهاية المطاف في أزمة للجميع. لقد نجت المنطقة بأعجوبة من تداعيات “الربيع العربي”. ولا يوجد ما يضمن أن الصراعات الجديدة، حتى لو كانت من خلال التزييف العميق، لن تؤدي إلى أزمات أكثر تدميرا. لقد اجتاحت المنطقة موجة عارمة من الهستيريا بسبب حرب غزة، والتي يستغلها حلفاء إيران بشكل مكثف.

هل الدعاية الإلكترونية ظاهرة عالمية أم إقليمية؟ لا شك أنها ظاهرة عالمية. ولكن على عكس الوضع في المنطقة، هناك في الغرب، على سبيل المثال، مساحة واسعة تغطيها وسائل الإعلام التقليدية. ولا يحتاج أصحاب الأفكار المتطرفة إلى الاعتماد كثيراً على الدعاية الإلكترونية. لقد حاول الروس استغلال وسائل التواصل الاجتماعي لزعزعة استقرار النظام السياسي الغربي، ونجحوا في مسعاهم إلى حد كبير. وقد شهدنا ذلك مع صعود أمثال دونالد ترامب وبوريس جونسون إلى السلطة، والتأثير المتزايد لمثل هذه الأفكار مثل تلك التي أدت إلى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست).

لكن الغرب صمد، وأولى اهتماما أكبر، وحدد الثغرات في النظام، مما أدى إلى استعادة وسائل الإعلام التقليدية دورها.

والآن بعد أن بدأت الاستجابة لمبادرة مكافحة الدعاية الإلكترونية تترك فراغاً في اهتمام كثير من الجمهور الخليجي بالتطورات الأخيرة، أصبح لزاماً على وسائل الإعلام التقليدية أن تبادر إلى منع تفاقم الدعاية الإلكترونية أو الظواهر المشابهة لها من جديد. ولا يمكن القول إن الإعلام الموضوعي هو البديل، فليس من العدل أن نجري مثل هذه المقارنة.

لكن عدم استجابة وسائل الإعلام الإقليمية لحجم التغيرات السياسية والاجتماعية في المنطقة، يفتح الطريق لظهور أدوات مختلفة، قديمة وجديدة، من شأنها أن تثير أزمة ثقة أخرى في الأخبار والتحليل والرأي، وتخلق بيئة خصبة لنظريات المؤامرة وتزود جهات التحريض الإلكتروني بالمواد الطازجة، الحقيقية والمزيفة.

ويجب أن ننتبه إلى ضرورة التمييز بين حظر حسابات الذباب الإلكتروني، وعدم مقاطعة ما أسميه، لعدم وجود مصطلح أفضل، “النحل الإلكتروني”.

إن العديد من الناس الذين لا يستطيعون إيصال أصواتهم عبر وسائل الإعلام التقليدية، يحاولون فقط تقديم وجهات نظر قابلة للنقاش ولا تهدف إلى الإساءة أو الإساءة إلى أحد. وإلى أن تأتي اللحظة التي تتمكن فيها المؤسسات الإعلامية الإقليمية من إيصال أصواتها بموضوعية وتوفير منصات للنقاش الوطني، فلابد من التسامح مع طنين “النحل الإلكتروني” وعدم الخلط بينه وبين طنين “الذباب الشرير” المدمر.

في المرحلة الحالية، نحتاج إلى السيطرة على المشهد العام، على الأقل فيما يتعلق بالإعلام، فلا يمكننا أن نخسر التحدي الذي يفرضه علينا الذباب بكل أنواعه، الطيب والخبيث.

اضف تعليقك

اترك تعليقك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

دولي

رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر وزوجته فيكتوريا. رويترز واجه كير ستارمر، عضو مجلس العموم البريطاني، الخميس، أسئلة متزايدة بعد أن أظهر تحليل أنه تلقى...

اقتصاد

كبار المسؤولين في شركة فيشر يتحدثون لوسائل الإعلام قبل المنتدى الخبراء. — الصورة المرفقة تتوقع مجموعة شركات فيشر، الشركة الألمانية الرائدة في مجال تصنيع...

اخر الاخبار

المونيتور هو موقع إعلامي حائز على جوائز ويغطي شؤون الشرق الأوسط، ويحظى بتقدير كبير لاستقلاليته وتنوعه وتحليله. ويقرأه على نطاق واسع صناع القرار في...

الخليج

صور KT: محمد سجاد وقد قامت الجامعات بتكييف مناهجها الدراسية لتلبية احتياجات السوق المتطورة واهتمامات الطلاب. وقال المعلمون في معرض يوني إكسبو السابع الذي...

دولي

الصورة: رويترز أعلنت مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها التابعة للاتحاد الأفريقي يوم الخميس أنه تم تقديم لقاحات الجدري في أفريقيا لأول مرة، حيث تم...

اقتصاد

الصورة المستخدمة لأغراض توضيحية. الصورة: ملف من المتوقع أن يصل عدد المسافرين جواً في الشرق الأوسط إلى 449 مليون مسافر في عام 2024، وهو...

رياضة

جيمي بينوي جيتنز لاعب بوروسيا دورتموند يحتفل بهدفه في مرمى كلوب بروج. — وكالة الصحافة الفرنسية استفاد بوروسيا دورتموند من حظه في الفوز 3-0...

منوعات

دبي قادرة على أن تجعل الناس يقعون في حبها، وهذا ما حدث بالضبط للمواطن اللبناني محمد الكردي وزوجته الألمانية فيونا إردمان، مما جعل دخولهما...