بغداد
في خطوة تحمل أهمية سياسية وأمنية، أمر رجل الدين الشيعي البارز مقتدى الصدر يوم الثلاثاء بتعليق أنشطة فصيله المسلح، سرايا السلام، وإغلاق مكاتبه في البصرة وواسط لمدة ستة أشهر. وأشار القرار إلى انتهاكات وتصرفات متكررة، قال الصدر، إنها شوهت سمعة الجماعة، والتي أكد أنها “أهم من وجودها”.
وجاء هذا الإعلان، الذي صدر بلهجة حازمة وحاسمة، في لحظة حساسة للغاية بالنسبة للعراق، حيث تتقاطع الاضطرابات الداخلية مع الضغوط الإقليمية. وقال محللون إن التوقيت يعكس حسابات دقيقة ومواءمة بين التدخل التنظيمي للصدر والإجراءات الحكومية المتزامنة لمعالجة الأخطاء الرسمية التي أثارت جدلا سياسيا.
وكلف الصدر نائب الزعيم تحسين الحميداوي، نائب رئيس سرايا السلام، بالإشراف على الإيقاف، وكلفه بتجميد كافة أنشطة سرايا السلام وإغلاق مكاتبها “في انتظار حل الانتهاكات المتكررة وتشويه سمعة مقاتلي سرايا السلام حتى لو كان سببها طرف ثالث”.
وأشار مراقبون إلى أن القرار يتميز بإطاره الأخلاقي والتنظيمي. وبدلاً من التركيز على التهديدات الأمنية أو المناورات السياسية، ركز الصدر على الانضباط والنظام الداخلي والحفاظ على سمعة الحركة، مشيراً إلى أن القوة المسلحة هي أداة تتوقف على المساءلة، وليست غاية في حد ذاتها.
وفي الوقت نفسه، نوه الصدر بالمقاتلين الذين حافظوا على الانضباط، مشيداً بهم ووصفهم بـ”الإخوة الذين يدركون الانتهاكات ومحاولات الفتنة أو الاستغلال من قبل الفاسدين”. سعى هذا التمييز إلى الحفاظ على التماسك داخل الحركة مع التخفيف من ردود الفعل العنيفة بين المؤيدين.
ويرى محللون سياسيون أن التعليق إجراء وقائي يهدف إلى احتواء أي انتهاكات قبل أن تتصاعد إلى أزمات أوسع. يمر العراق بمرحلة تتشابك فيها الانقسامات الداخلية مع المنافسات الإقليمية، مما يجعل الأعمال المسلحة غير المنضبطة جاهزة للاستغلال من قبل الجهات الفاعلة الداخلية والخارجية. ويحمل قرار الصدر، في هذا السياق، إشارة مزدوجة: طمأنة الشعب العراقي بشأن القيادة الخاضعة للسيطرة، وإلى المراقبين الخارجيين لحركة تسعى إلى الاستقرار بدلاً من التصعيد.
وتزامن التعليق مع إجراءات حكومية حساسة لاحتواء خطأ مؤسسي غير ذي صلة. في 17 تشرين الثاني/نوفمبر 2025، نشرت الجريدة الرسمية العراقية، “الوقائع العراقية”، قرارا بتجميد أصول الكيانات الإرهابية، وأدرجت حزب الله اللبناني وحركة الحوثي اليمنية دون ترخيص مناسب.
وفي وقت لاحق، نفذ مكتب رئيس الوزراء محمد شياع السوداني إجراءات تأديبية صارمة، بما في ذلك الفصل والنقل الإداري، مع المساءلة القانونية الكاملة للمسؤولين. وأكد البنك المركزي في وقت لاحق أن الإدراج كان بمثابة خطأ غير مقصود وأصدر تصحيحات.
وقال المراقبون إن التوقيت المتزامن لتعليق الصدر لفصيله المسلح والإجراءات التصحيحية الحكومية يعكس دفعة أوسع لاستعادة الانضباط عبر المشهد السياسي والأمني المجزأ في العراق.
في فترة الحساسية الحادة، حتى الأخطاء المحدودة يمكن أن يكون لها عواقب بعيدة المدى. وتنقل هذه التحركات مجتمعة رسالة واضحة مفادها أن هناك قدراً ضئيلاً من التسامح مع الفوضى، وأن المساءلة والرقابة المنضبطة أصبحت الآن من المتطلبات الأساسية للتعامل مع هذه اللحظة السياسية المحفوفة بالمخاطر في العراق.