الرباط
قام المغرب مرة أخرى بزيادة ميزانية وزارة الدفاع الوطني، حيث يخصص مشروع قانون المالية لعام 2026 مبلغ 157 مليار درهم (حوالي 16 مليار دولار) لاقتناء وصيانة المعدات للقوات المسلحة الملكية ودعم تطوير صناعة الدفاع الوطني. ويعكس هذا الرقم اتجاها تصاعديا مستمرا واستدامة الإنفاق الدفاعي، دون تقويض الأرصدة المالية الأوسع.
ويحدد الفصل 34 من مشروع القانون النفقات المرخصة للوزير المكلف بالدفاع الوطني لإقتناء وصيانة المعدات ودعم الصناعة الدفاعية الوطنية. وتعكس هذه الخطوة التحول الجاري في السياسة الدفاعية للمغرب في السنوات الأخيرة، المبنية على التحديث الشامل وتعزيز السيادة الصناعية والأمنية.
وتوضح الميزانية نهجا ماليا تدريجيا يهدف إلى ضمان استمرارية تمويل المشاريع الدفاعية الكبرى، دون المساس بالمالية العمومية، خاصة فيما يتعلق بتجهيز القوات المسلحة الملكية وتوسيع قاعدة الصناعة الدفاعية المحلية.
ويمثل ذلك زيادة صافية قدرها 23,7 مليار درهم، مخصصة في حساب الالتزامات المسبقة لقطاع الدفاع. وتغطي الأموال الإضافية عقود الدفاع المحتملة، وتعزيز القدرات القتالية للوحدات العسكرية، واقتناء أنظمة الأسلحة الحديثة، وتطوير قدرات الحرب الإلكترونية، وتحسين أنظمة الدفاع الجوي. ويعكس التخصيص أيضا استعداد الحكومة لنقل التكنولوجيا وإشراك المغرب في التصنيع المحلي، مما يشير إلى ارتفاع مستمر في وتيرة الإنفاق الدفاعي الوطني.
وأوضح الأكاديمي والخبير في الشؤون الاستراتيجية هشام معتضد، أن “الزيادة الملحوظة في ميزانية الدفاع لهذه السنة تأتي في سياق استراتيجي طموح يهدف إلى تقليص الاعتماد على الواردات العسكرية وتعزيز السيادة الدفاعية من خلال إنشاء صناعات دفاعية محلية. كما أنها تعزز الردع العسكري وتحديث القدرات القتالية للقوات المسلحة الملكية، في مواجهة بيئة أمنية متقلبة إقليميا وعالميا. ومن خلال ذلك، تسعى الرباط إلى الحفاظ على التفوق الاستراتيجي في المنطقة والتصدي للتحديات الأمنية التقليدية وغير التقليدية.
وأضاف أن “الزيادة في ميزانية الدفاع تعكس استجابة استراتيجية للتهديدات الإقليمية المتزايدة وتعزز القدرة على حماية المصالح الوطنية ودعم الاستقرار الإقليمي. ويشير التحليل الإقليمي إلى أن المغرب يواجه تهديدات متزايدة من حدوده الشرقية، وعدم استقرار متزايد لبعض الجهات الفاعلة الإقليمية، فضلا عن التهديدات الإرهابية الناشئة في منطقة الساحل. وهذا يؤكد الرغبة في تطوير قدرات التصنيع العسكري محليا وتلبية الاحتياجات الدفاعية الداخلية”.
وأكد معتضد أن “زيادة ميزانية الدفاع تتوافق مع العلاقات الاستراتيجية التي يحتفظ بها المغرب مع القوى الدولية الكبرى مثل الولايات المتحدة وفرنسا. ويعزز الاستثمار في الجيش المغربي قدرة المملكة على العمل بفعالية مع الحلفاء الدوليين، سواء على المستوى الثنائي أو داخل المنظمات الدولية مثل الناتو. كما تعزز هذه الزيادة مكانة المغرب كشريك استراتيجي موثوق به في المنطقة”.
في شهر مارس/آذار، سلط تقرير المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، “التوازن العسكري 2025″، الضوء على ارتفاع ملحوظ في الإنفاق الدفاعي في المغرب، حيث وصل إلى 4.2% من الناتج المحلي الإجمالي، مما يعكس اتجاها استراتيجيا نحو تعزيز القدرات العسكرية وسط بيئة إقليمية مضطربة.
وتتماشى الزيادة في ميزانية الدفاع مع خطط تحديث الترسانة العسكرية المغربية برا وجوا وبحرا، إلى جانب استراتيجية تطوير صناعة الدفاع الوطنية، التي بدأ المغرب اتباعها عام 2020 للحد من الاعتماد على الخارج. ويشكل هذا الصعود جزءا من رؤية أوسع لإعداد القوات المسلحة الملكية لمواجهة التحديات الإقليمية الجديدة وضمان الاستعداد ضد التهديدات المحتملة.
ارتفع الإنفاق الدفاعي للمغرب بشكل مطرد على مر السنين: من 96,7 مليار درهم في عام 2019 إلى 115,5 مليار في عام 2022، و120 مليار في عام 2023، و124,7 مليار في عام 2024، و133 مليار في عام 2025، والآن 157,171 مليار في عام 2026، وهو ما يمثل زيادة إجمالية تزيد عن 60 مليار درهم خلال هذه الفترة.
تواصل المملكة تعزيز شراكاتها الدفاعية مع القوى الكبرى بما في ذلك الولايات المتحدة وفرنسا والهند والصين وإسبانيا، مع تطوير إطار قانوني وتنظيمي جديد لإدارة صناعة الدفاع الوطنية وجذب الاستثمار في التصنيع المحلي عبر الطيران والصناعات البحرية والذخائر والمعدات اللوجستية.
وتركز استراتيجية المغرب على تطوير قدرات الإنتاج العسكري المعتمدة على الذات وبناء القدرات الدفاعية التكنولوجية والصناعية المحلية، وضمان الاستقلال الاستراتيجي تماشيا مع المرسوم الملكي القاضي بإنشاء نظام إنتاج محلي للأسلحة ومعدات الدفاع وتشجيع الشراكات مع الشركات الغربية في مجال تكنولوجيا الدفاع والطيران.