الرباط
لا يزال قطاع الصحة في المغرب يحظى باهتمام ملكي مستمر، ليتحول إلى مشروع وطني كبير يسترشد برؤية تطلعية للإصلاح الشامل. وتأتي هذه المبادرة في إطار الجهود الرامية إلى توسيع نطاق الحماية الاجتماعية وتحسين جودة خدمات الرعاية الصحية في جميع أنحاء المملكة.
أشرف صاحب الجلالة الملك محمد السادس، مرفوقا بولي العهد الأمير مولاي الحسن، يوم الاثنين، على تدشين المركب الاستشفائي الجامعي الدولي محمد السادس بالرباط، وهو منشأة مرجعية من الطراز العالمي مصممة لتوفير رعاية صحية عالية الجودة على الصعيد الوطني، لخدمة جميع المواطنين مع تقديم تكوين متقدم في المهن الطبية.
يمثل المجمع الاستشفائي، الذي أنشأته مؤسسة محمد السادس للعلوم والصحة، حقبة جديدة من البنية التحتية الحديثة والذكية للرعاية الصحية. وهو يعكس رؤية الملك والتزامه بضمان الوصول العادل لجميع المواطنين إلى الجيل القادم من الخدمات الطبية، من خلال مؤسسة تدمج الابتكارات المتقدمة ويدعمها إطار أكاديمي وبحثي رائد.
ويؤكد استكمال هذا المجمع أيضًا على الأهمية المركزية التي يوليها الملك لتنمية الموارد البشرية في هذا القطاع الرئيسي وتصميمه على توفير التدريب على أعلى مستوى، بما يتوافق مع التقدم العالمي في العلوم الطبية والوقاية والإدارة والحوكمة الصحية.
تم تجهيز المؤسسة بأحدث التقنيات، بما في ذلك أول ماسح ضوئي للتصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني والتصوير بالرنين المغناطيسي (PET-MRI) في المغرب وإفريقيا، مرتبط بنظام التصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني والتصوير المقطعي المحوسب (PET-CT) من أجل التشخيص الدقيق. كما يحتوي على ماسح التصوير بالرنين المغناطيسي 3 تسلا أوميغا ووحدة العلاج الإشعاعي وصيدلية المستشفى الروبوتية ومركز المحاكاة الطبية.
ويستضيف المجمع أيضًا أول منصة مختبرية مؤتمتة بالكامل في أفريقيا تغطي جميع مراحل التحليل البيولوجي، قبل وأثناء وبعد التحليل، عبر العديد من التخصصات بما في ذلك الكيمياء والمناعة وأمراض الدم. كما يضم المركز أول مختبر رقمي لعلم الأمراض في المغرب، مما يضمن مراقبة صارمة ونتائج تشخيصية عالية الجودة.
من خلال نهجه الذي يركز على المريض، يوفر المجمع الاستشفائي الجامعي محمد السادس الدولي بالرباط مسارات علاجية متكاملة وشخصية تعطي الأولوية للراحة والسلامة والجودة.
وقال الدكتور الطيب حمدي، وهو طبيب وباحث في السياسات والأنظمة الصحية، لصحيفة “العرب ويكلي” إن المبادرات التي أطلقها الملك محمد السادس تشكل الأساس للتغطية الصحية الشاملة وتعكس رؤية التحول الاجتماعي والصحي لمغرب جديد.
وقال: “لم يعد يُنظر إلى الصحة على أنها مجرد قطاع اجتماعي، بل كمحرك رئيسي للتنمية ولمغرب جديد صاعد وواعد؛ إنها مشروع ملكي، مشروع للملك”.
تعد المؤسسة أيضًا بمثابة منصة تعليمية مهمة لطلاب جامعة محمد السادس للعلوم والصحة بالرباط، مما يتيح لهم الوصول إلى البيئات السريرية والتكنولوجية المتقدمة. يساهم مركز التميز الأكاديمي هذا في تعزيز إحدى الركائز الإستراتيجية لإصلاح الرعاية الصحية، وهي تنمية رأس المال البشري.
وتجسيدا للرؤية الملكية لبناء دولة اجتماعية عادلة تربط التقدم الاقتصادي بالعدالة الترابية وتضع التعليم والصحة كركائز أساسية للتقدم الاجتماعي وإعداد الأجيال القادمة في المغرب، خصص مجلس الوزراء برئاسة الملك محمد السادس في 19 أكتوبر 140 مليار درهم للتعليم والصحة في إطار مشروع قانون المالية 2026.
وقد أعطى الملك محمد السادس أولوية خاصة لكل من التعليم والصحة ضمن المشروع الوطني لبناء “المغرب الصاعد”، موجها الحكومة إلى زيادة الموارد المالية والبشرية لهذين القطاعين الأساسيين. وتنص الخطة أيضًا على توفير أكثر من 27 ألف وظيفة جديدة لدعم التطوير الهيكلي لأنظمة التعليم والرعاية الصحية في المملكة.
وفي نفس السياق، أشرف الملك على افتتاح المستشفى الجامعي محمد السادس بأكادير، وهو مركز للتميز الطبي من المنتظر أن يحدث نقلة نوعية كبيرة في تقديم الرعاية الصحية والتكوين الطبي بجهة سوس ماسة. يقع المستشفى بالقرب من كلية الطب والصيدلة، وسيتم فتحه أمام المواطنين بموجب توجيهات ملكية، ومن المتوقع أن يولد آلاف فرص العمل المباشرة وغير المباشرة، مما يساهم في النمو الاجتماعي والاقتصادي الإقليمي والوطني.
باعتباره رمزًا حقيقيًا للتحديث، يعد المستشفى الجامعي بأكادير أول منشأة طبية في إفريقيا تقدم تكنولوجيا الجراحة الروبوتية، مما يتيح إجراء إجراءات طفيفة التوغل بدقة استثنائية ورؤية ثلاثية الأبعاد، مما يوفر راحة غير مسبوقة لكل من الجراح والمريض. يقدم مركز أمراض القلب التابع له، المجهز بغرفتي قسطرة ووحدات رعاية مركزة تتميز بمراقبة متعددة المعلمات، رعاية شاملة للمرضى الذين يعانون من اضطرابات الشريان التاجي واضطرابات ضربات القلب.
وسيعمل هذا المستشفى المرجعي من الجيل القادم، والذي من المتوقع أن يخدم حوالي ثلاثة ملايين شخص، على تطوير البنية التحتية للرعاية الصحية بجهة سوس ماسة، وتعزيز جودة الخدمات وتقريب الرعاية المتخصصة من المواطنين الذين كانوا يضطرون في السابق إلى السفر إلى مدن أخرى لإجراء عمليات جراحية أو طبية معقدة.
وقال حمدي لصحيفة “العرب ويكلي” إن الرؤية الملكية رسمت بوضوح إصلاحًا شاملاً للنظام الصحي، يقوم على العدالة والحكم الرشيد ودمج الصحة مع التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وأضاف أنه على الرغم من أن الإصلاحات الهيكلية الأخيرة أرست أسسا متينة، فإن نجاحها سيعتمد على تجاوز أساليب الإدارة التقليدية، وتشجيع المواهب المهنية ووضع المواطنين في قلب السياسة الصحية.
وقال: “لقد كانت هناك استثمارات ضخمة في بناء المستشفيات والجامعات الطبية وتحديث أكثر من 1400 مركز صحي، لكن خدمات الرعاية الصحية لا تزال بحاجة إلى المزيد من الجهد”.