صنعاء
يمثل إعلان وزير الخارجية اليمني شايع محسن الزنداني يوم السبت أن منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) ستنقل مقرها الرئيسي من صنعاء إلى مدينة عدن، نقطة تحول مهمة في مسار العمليات الإنسانية والدولية في اليمن. وهو يعكس تحولات سياسية وأمنية وإنسانية متشابكة تشمل الأطراف المتحاربة ووكالات الأمم المتحدة العاملة في البلاد.
وتكتسب هذه الخطوة أهمية لأنها تمثل المرة الأولى التي تعلن فيها إحدى أكبر المنظمات الدولية العاملة في اليمن عن نقل مقرها الرئيسي من العاصمة التقليدية صنعاء، التي لا تزال تحت سيطرة الحوثيين، إلى عدن، العاصمة المؤقتة للحكومة اليمنية المعترف بها دولياً.
ولا يمكن النظر إلى هذا التطور بمعزل عن المشهد اليمني المشحون، حيث تتقاطع تحديات إنسانية هائلة مع الغموض السياسي والتوتر المتصاعد بين المنظمات الدولية وسلطات الحوثيين.
جاء ذلك خلال لقائه نائب المدير التنفيذي لليونيسيف تيد شيبان، على هامش منتدى الدوحة. وكان للاجتماع وزن خاص، لأنه عقد في سياق دولي يركز على الأمن والسلام والتنمية في وقت يواجه فيه اليمن ضغوطا دولية متزايدة على الحوثيين بشأن القضايا المتعلقة باحتجاز وسوء معاملة موظفي الأمم المتحدة.
وبحث الجانبان خلال المباحثات التعاون بين الحكومة اليمنية ومنظمة اليونيسف، واستعرضا آخر تطورات الوضع الإنساني، لا سيما أوضاع الأطفال الذين يتحملون العبء الأكبر في الحرب المستمرة منذ ما يقرب من عقد من الزمن. كما ناقشا طبيعة البرامج الإنسانية الجارية والحاجة إلى زيادة فعالية الاستجابة الإنسانية في القطاعات الحيوية، وخاصة الصحة والتعليم، وكلاهما تعرضا لانهيار واسع النطاق نتيجة للصراع الذي طال أمده.
وبحسب تصريحات رسمية، أشاد الزنداني بنقل مقر المنظمة إلى عدن، ووصف الخطوة بأنها تعزز الشراكة المباشرة بين الحكومة واليونيسيف، وتفتح الباب أمام تنسيق أكبر وتنفيذ أكثر سلاسة للبرامج الإنسانية.
كما أكد أن وجود المنظمة في عدن من شأنه أن يعزز الاستجابات السريعة لاحتياجات المواطنين ويدعم جهود الحكومة لتوفير بيئة عمل أكثر استقرارا وحيادية للوكالات الدولية.
كما تم الإشادة بجهود اليونيسف ودورها الحاسم في دعم الأطفال وقطاعات الخدمة العامة الأساسية، مع الإشادة ببرامجها التي تغطي معظم المحافظات اليمنية على الرغم من تصاعد التحديات الأمنية والإدارية.
ولكن لا يمكن النظر إلى هذا الإعلان باعتباره مجرد إعادة ترتيب إدارية أو لوجستية لعمل اليونيسف. بل إنه يشير إلى تحول في الديناميكيات طويلة الأمد التي حكمت أنشطة وكالات الأمم المتحدة في اليمن على مدى السنوات الماضية.
منذ اندلاع الحرب، حافظت معظم المنظمات الدولية على وجودها الرئيسي في صنعاء على الرغم من سيطرة الحوثيين، ويرجع ذلك جزئيًا إلى أنها ظلت العاصمة الإدارية والأقرب إلى المراكز السكانية الرئيسية في البلاد. لكن السنوات الأخيرة شهدت تدهورا ملحوظا في العلاقات بين الحوثيين والمنظمات الدولية، مما أثر بشكل مباشر على أدائها وأجبر بعض الوكالات على تعليق أنشطتها مؤقتا أو تقليص عملياتها.
وفي مقدمة هذه العلاقة المتدهورة تأتي قضية احتجاز الحوثيين للعشرات من موظفي الأمم المتحدة اليمنيين، وهي القضية التي أثارت إدانة دولية واسعة النطاق.
وتصاعدت حدة التوتر أكثر عندما أصدرت محاكم الحوثيين في صنعاء أحكاماً بالإعدام بحق بعض المعتقلين، بتهمة التجسس والتخابر مع جهات أجنبية.
وشكك العديد من المراقبين ومنظمات حقوق الإنسان في مصداقية هذه الاتهامات، معتبرين إياها جزءًا من النمط الأوسع الذي تتبعه الجماعة لتقييد العاملين في المجال الإنساني واستخدام الوكالات الدولية كوسيلة لانتزاع تنازلات سياسية ومالية.
وفي هذه البيئة، أصبحت صنعاء مكانًا خطيرًا بشكل متزايد بالنسبة للعمليات الإنسانية، مع تدخل الحوثيين المتكرر في آليات توزيع المساعدات، والقيود المفروضة على تحركات الموظفين والمطالبة بقوائم المستفيدين. وأججت هذه الممارسات التوتر المستمر بين الجانبين.
ونظراً لهذا السياق المشحون، يبدو أن قرار اليونيسف بنقل مقرها الرئيسي إلى عدن هو رد مباشر على عدم قدرتها على العمل بحرية ونزاهة في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون.
وتعكس هذه الخطوة أيضًا قناعة الأمم المتحدة المتزايدة بأن استمرار العمل من صنعاء في ظل الظروف الحالية يعرض سلامة الموظفين للخطر ويقوض سلامة العمليات الإنسانية.
وفي الوقت نفسه، بالنسبة للحكومة اليمنية، فإن التحول إلى عدن يعزز وجودها السياسي والإداري ويؤكد مكانتها كشريك دولي ذي مصداقية قادر على توفير بيئة مناسبة لوكالات الأمم المتحدة.
ومن الناحية السياسية، يُنظر إلى هذه الخطوة على أنها رسالة واضحة للحوثيين مفادها أن المجتمع الدولي يعيد تقييم كيفية تعامله معهم باعتبارهم سلطة الأمر الواقع.
وفي حين اضطرت المنظمات الدولية في السابق إلى التعامل مباشرة مع الجماعة لضمان إيصال المساعدات إلى ملايين اليمنيين، يبدو الآن أن المجتمع الدولي يسعى إلى إعادة معايرة العلاقة بطرق تحد من نفوذ الحوثيين على العمل الإنساني. وقد يُنظر إلى القرار أيضًا على أنه شكل من أشكال الضغط الناعم الذي يهدف إلى دفع الجماعة إلى إطلاق سراح المعتقلين ووقف الممارسات التي تعرقل وكالات الأمم المتحدة.
على المستوى الإنساني، من المتوقع أن يؤدي الانتقال إلى عدن إلى إعادة تنظيم عمليات الاستجابة وقد يخلق في البداية تحديات لوجستية، خاصة وأن صنعاء لا تزال تستضيف أكبر تجمع سكاني في البلاد وشبكات التوزيع الرئيسية التي كانت تعتمد عليها اليونيسف سابقًا. ومع ذلك، فإن هذه الخطوة يمكن أن تسمح للوكالة بتشديد الرقابة على تنفيذ البرامج، والحد من التدخل في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، والعمل من بيئة أكثر استقرارا، مما يتيح في نهاية المطاف مساعدة أسرع وأكثر شفافية للمحتاجين.
وفي الوقت نفسه، يعكس القرار رغبة الأمم المتحدة الأوسع في إعادة وضع النظام الإنساني في اليمن تدريجياً بحيث تقع هياكله الأساسية في مناطق أكثر أماناً، لا سيما وسط المخاطر المتزايدة التي يتعرض لها موظفو الأمم المتحدة في صنعاء.
إذا استمر الحوثيون في نهجهم الحالي، فإن القرار قد يشجع المنظمات الأخرى على اتخاذ خطوات مماثلة، مما قد يعيد تشكيل خريطة وجود الأمم المتحدة في اليمن.
كما تأتي هذه الخطوة في وقت تشهد فيه الحكومة اليمنية تحسنا نسبيا في علاقاتها الدولية وتسعى جاهدة لإعادة بناء مؤسسات الدولة في المناطق المحررة، وهي تطورات تعتبرها الأمم المتحدة إيجابية وتستحق الدعم.
ويتيح تواجد اليونيسف في عدن فرصة لتعزيز دور مؤسسات الدولة في إدارة الملف الإنساني، وتفعيل التخطيط التنموي طويل المدى، ودعم مشاريع إعادة الإعمار في القطاعات الرئيسية.
ومع ذلك، قد يثير النقل أيضًا مخاوف بشأن تسييس العمل الإنساني أو استخدامه كوسيلة ضغط من قبل الأطراف المتنافسة.
وبالتالي، يظل التحدي الذي تواجهه اليونيسف ووكالات الأمم المتحدة الأخرى هو الحفاظ على حيادها واستقلالها وضمان استمرار تقديم المساعدة لجميع المحتاجين دون تمييز، بما في ذلك المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، والتي تضم ملايين الأطفال الذين يعتمدون على الدعم الإنساني.
وبشكل عام، فإن نقل المقر الرئيسي لليونيسف من صنعاء إلى عدن يمثل مرحلة جديدة في إدارة الملف الإنساني في اليمن. إنها خطوة ذات ثقل سياسي وتداعيات إنسانية ورسائل واضحة للأمم المتحدة، وقد تكون بداية لإعادة تشكيل أوسع للعلاقات بين المنظمات الدولية والسلطات على الأرض.
كما أنه يعكس اعترافًا متزايدًا بأن الوضع الحالي لم يعد مستدامًا، وأن العمل الإنساني لا يمكن أن يبقى رهينة سلطة تستخدمه أحيانًا كأداة للضغط أو الابتزاز.
وفي نهاية المطاف، تظل الأسئلة الرئيسية قائمة: هل ستتمكن اليونيسف من العمل بشكل أكثر فعالية من عدن؟ وهل ستدفع هذه الخطوة الحوثيين إلى إعادة النظر في سياساتهم تجاه عمليات الأمم المتحدة؟ ستظل هذه الأسئلة مفتوحة ولكن الأمر المؤكد هو أن عملية النقل تمثل لحظة فاصلة للمشاركة الدولية في اليمن ويمكن أن يكون لها عواقب بعيدة المدى على المشهد الإنساني والسياسي في البلاد في الفترة المقبلة.