عدن
اتخذت الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً خطوة كبيرة، وُصفت بأنها الأكثر جرأة حتى الآن، نحو تصحيح الخلل المالي والاقتصادي في المناطق الخاضعة لسيطرتها. وقد أدى سوء الإدارة والإدارة، إلى جانب ندرة الموارد، في الأشهر الأخيرة إلى خلق أزمة حادة ألقت بظلالها على الظروف الاجتماعية لسكان تلك المناطق. وقد واجهوا نقصاً في السلع الأساسية، وارتفاعاً في الأسعار، وركوداً في النشاط الاقتصادي، وعدم انتظام دفع الرواتب، إلى جانب تدهور الخدمات العامة، بل وانهيارها في بعض الأحيان.
استحدث قرار جديد صادر عن المجلس القيادي الرئاسي رقم 11 لعام 2025، إجراءات إصلاح اقتصادي تهدف إلى تنظيم وتوحيد الإيرادات العامة تحت إشراف الحكومة المركزية والبنك المركزي اليمني في العاصمة المؤقتة عدن.
ومن شأن تنفيذ هذه الإصلاحات أن يحد من الاتجاه الأخير في المحافظات التي انتشرت كالوباء، مع “تمرد” البعض على البنك المركزي، ورفض تحويل الإيرادات إليه، وبدلاً من ذلك الاحتفاظ بها وإنفاقها محلياً. وقد حرمت هذه الممارسة الميزانية العامة للسلطة من حصة كبيرة من دخلها وعمقت العجز المالي، خاصة وأن بعض المحافظات تمتلك موارد كبيرة من النفط والمعادن وغيرها.
وقالت مصادر إعلامية يمنية إن القرار جاء بعد سلسلة اجتماعات عقدها أعضاء المجلس القيادي الرئاسي خلال الأسبوع الماضي مع رئيس الوزراء سالم بن بريك ومحافظي المحافظات.
وتتضمن وثيقة القرار مجموعة من الإجراءات المالية والإدارية الصارمة لإعادة تنظيم الإيرادات العامة ومكافحة الازدواجية في الجباية والإنفاق داخل المحافظات. وبحسب نص القرار، كما نشرته الصحف المحلية، فقد تم تكليف الحكومة بتنفيذ الخطة بشكل عاجل اعتباراً من بداية نوفمبر المقبل، على أن ترفع تقارير دورية إلى المجلس القيادي الرئاسي حول مستوى التنفيذ والإجراءات المتخذة بحق الجهات غير الملتزمة.
كما يدعو القرار إلى تسريع تصحيح الاختلالات في تحصيل ونقل الإيرادات العامة من خلال إلزام جميع المحافظات بإيداع دخلها في الحسابات المعتمدة من الحكومة لدى البنك المركزي، بما في ذلك إيرادات الضرائب والجمارك والموانئ والغاز والنفط.
ويشدد على حظر تدخل المحافظين أو أي سلطة محلية في تشغيل الموانئ والمعابر البرية والبحرية والجوية، سواء في العمليات الجمركية أو تحصيل الإيرادات أو الإعفاءات، وإلغاء كافة الرسوم غير القانونية والمحدثة والمفروضة خارج الإطار القانوني.
كما يلزم القرار شركة النفط اليمنية وشركة مصفاة عدن بإيداع عائدات المشتقات النفطية المنتجة محلياً في الحساب العام للحكومة لدى البنك المركزي، مع تحميل وزارة النفط مسؤولية الرقابة والإشراف على التسويق وتحويل الإيرادات.
كما أمر بإغلاق جميع المنافذ الجمركية المستحدثة في المناطق الداخلية والتي كانت تستخدم لتحصيل الرسوم المزدوجة خارج القانون، مع التشديد على تفعيل هيئات الرقابة المالية والجمركية، ومنع أي تدخل من المحافظين أو الجهات الأمنية في تشغيل هذه المنافذ.
ويكلف قرار المجلس حكومة بن بريك توحيد حسابات الإيرادات في البنك المركزي وإغلاق الحسابات الموازية المفتوحة في البنوك التجارية أو فروع المؤسسات العامة، مع فرض رقابة صارمة على عمليات الإنفاق والصرف.
كما تتضمن خطة الإصلاح توجيهات إلى اللجنة الاقتصادية العليا ومكتب رئيس الوزراء لاتخاذ الإجراءات اللازمة لإغلاق الحسابات الحكومية في فرع البنك المركزي بمأرب وربطها بالشبكة المالية للبنك المركزي في عدن.
كما يلزم الحكومة بتسوية الرواتب المتأخرة والالتزامات المالية للقطاعات المدنية والعسكرية والدبلوماسية، على أن تكون هذه التسويات أساساً لإعداد موازنات المحافظات للعام المقبل.
ويؤكد القرار ضرورة تحويل أرباح المؤسسات العامة والوحدات الاقتصادية إلى الحساب العام للحكومة، وإقفال جميع الحسابات الجانبية في البنوك الخاصة والتجارية، وذلك في إطار جهد شامل للقضاء على نظام التمويل الموازي خارج الموازنة الرسمية.
وقد لفت القرار الجديد انتباه المراقبين اليمنيين، لا سيما بسبب جرأته، حيث تؤثر بعض بنوده بشكل مباشر على مصالح المجموعات ذات النفوذ التي استفادت من الاضطراب المالي والاقتصادي السائد، بما في ذلك أولئك الذين كانوا يجمعون الرسوم والضرائب خارج القانون، مما خلق حالة من انعدام الأمن بين التجار والجهات الاقتصادية الفاعلة الأخرى.
وقال وزير حقوق الإنسان اليمني الأسبق محمد عسكر في تصريحات صحفية، إن القرار رقم 11 لسنة 2025 يمثل فرصة تاريخية لاستعادة سيادة القانون والدولة بعد سنوات من الفساد الإداري والمالي وسوء الإدارة.
وأضاف عسكر أن نجاح القرار يعتمد على التفاف القيادات الشعبية والرأي حول الحكومة ودعمها في تنفيذ هذه الإصلاحات الجذرية، بعيداً عن الاعتبارات الحزبية والفئوية الضيقة. وقال: “اللحظة الحالية لا تسمح بتسجيل النقاط السياسية”. “إما أن نستعيد الدولة أو نتركها فريسة للفوضى واللصوص”.
وقال إن تنفيذ القرار يمثل بداية عهد جديد من الحكم الرشيد والشفاف، تبنى فيه مؤسسات الدولة على مبادئ العدالة والمساءلة، وتستعاد الثقة بين المواطن والحكومة، باعتبار هذه الثقة البوابة الحقيقية لأي نهضة وطنية.