قبل بضع سنوات، أثناء قيامه بإجراء بحث في مرتفعات إثيوبيا، شرح أحد المتخصصين الطبيين كيف تنتشر حالات الملاريا كل عام فوق الجبال. وقد سمح ارتفاع درجات الحرارة للبعوض الحامل للطفيليات بالبقاء على قيد الحياة على ارتفاعات أعلى، وإصابة مجتمعات جديدة. إنها قصة تتكرر في جميع أنحاء العالم ونحن نشهد تأثير حالة الطوارئ المناخية على الصحة العالمية بشكل مباشر أكثر من أي وقت مضى.
في مؤتمر الأمم المتحدة السنوي الثامن والعشرين لتغير المناخ (COP28)، الذي يعقد في دبي هذا الأسبوع، تم تخصيص يوم كامل لمناقشة التحديات الصحية العالمية التي تفرضها حالة الطوارئ المناخية.
وفي حين قد تكون هذه هي المرة الأولى التي تحظى فيها الصحة بمثل هذا الاهتمام في اجتماع مؤتمر الأطراف، فإن الأدلة على تأثير حالة الطوارئ المناخية على الصحة واضحة ومتنامية. وتشير تقديرات منظمة الصحة العالمية إلى أن 250 ألف حالة وفاة إضافية ستحدث سنوياً نتيجة لنقص التغذية الناجم عن تغير المناخ والملاريا والإسهال والحرارة وحدها.
يؤثر تغير المناخ على الصحة بطريقتين رئيسيتين. أولاً، التأثير المباشر الناجم عن موجات الحر والعواصف والفيضانات وغيرها من الظواهر الجوية المتطرفة. على سبيل المثال، شهدت مدينة فينيكس الأمريكية زيادة بنسبة 50% في الوفيات المرتبطة بالحرارة نتيجة لموجة الحر الصيفية التي ضربت أجزاء كبيرة من أمريكا. ومع احتدام العواصف بشكل أكثر كثافة وتكرارا، ومع اشتعال حرائق الغابات بشكل أكثر تكرارا وفي مناطق أوسع، ومع ظهور الفيضانات فجأة، فسوف يصاب أو يقتل المزيد من الناس نتيجة لذلك.
ثانيا، يمكن لتغير المناخ أن يؤدي إلى تفاقم الأمراض الموجودة وانتشارها. على سبيل المثال، تم العثور على حمى الضنك في تسع دول فقط في عام 1970. وهي الآن موجودة في أكثر من 100 دولة. ومن الممكن أن يؤدي ارتفاع درجات الحرارة في البر والبحر إلى تسهيل انتشار الكوليرا وغيرها من الأمراض. ويتسبب تلوث الهواء، الذي لا يساهم في ارتفاع درجات الحرارة فحسب، بل يزداد سوءًا بسبب هذه الزيادة، في وفاة حوالي 6.7 مليون شخص كل عام. عندما يتقوض إنتاج الغذاء بسبب زيادة ملوحة التربة نتيجة لارتفاع منسوب مياه البحر، أو الحرارة الزائدة أو الأمطار، يمكن أن يؤدي ذلك إلى نقص التغذية والجوع.
لم يتحول الاهتمام إلا في الآونة الأخيرة نسبيا إلى تأثير تغير المناخ على الصحة العقلية، ولكن يبدو الآن أن حجم المشكلة كبير. يعد الضغط الناتج عن العيش في ظل الكوارث المرتبطة بحالات الطوارئ المناخية سببًا رئيسيًا للاكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة والقلق. وقد تمت صياغة مصطلح جديد، “الألم النفسي” لوصف الضيق الناجم عن مشاهدة التغيرات العميقة في البيئات التي نعيش فيها والعيش فيها.
وبما أن تغير المناخ يهدد الصحة، فإن قدرة النظم الصحية على الاستجابة تواجه أيضاً تحدياً بسبب تدهور المناخ. بعد تعرضها لإعصارين متتابعين سريعًا في عام 2017، أصيب خُمس المرافق الصحية في بورتوريكو في المناطق الأكثر تضرراً بأضرار بالغة. وكان أقل من نصف المرافق الصحية في دومينيكا المجاورة عاملاً. وفي الفلبين، أدى إعصار راي القوي في عام 2021 إلى تدمير أكثر من 220 منشأة صحية في غضون ساعات قليلة. هناك حاجة ملحة لبناء قدر أكبر من القدرة على الصمود في النظم الصحية.
إن الخسائر الفادحة التي خلفتها حالة الطوارئ المناخية على الصحة العالمية واضحة وتحدث بالفعل. ولكنها حالة غير متوازنة، حيث تعاني البلدان الفقيرة أكثر من غيرها على الرغم من أنها تساهم بأقل قدر من الغازات الضارة في الغلاف الجوي. إن الأشخاص الأكثر عرضة لتأثيرات الصحة البدنية والعقلية هم أولئك الذين يساهمون بشكل أقل في العمليات التي تسبب تغير المناخ. ومع ارتفاع درجات الحرارة، تزداد هذه الحصيلة بلا هوادة.
ومن ثم فإن إعطاء أهمية أكبر للتأثيرات الصحية الناجمة عن حالة الطوارئ المناخية في مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (COP28) أمر طال انتظاره. وستركز المحادثات على ثلاثة مجالات مهمة: كيف يمكن جعل النظم الصحية أكثر مرونة، وزيادة نسبة تمويل المناخ الذي يستهدف الصحة العامة على وجه التحديد، وتعميم الصحة في سياسات المناخ.
ولكن على الرغم من أن هذه كلها أهداف جديرة بالاهتمام، إلا أن هناك أيضًا بعض الثغرات المثيرة للقلق. إن حجم الموارد المالية اللازمة لمعالجة التأثير المتزايد لتغير المناخ على الصحة والنظم الصحية هائل. ومع نكث الدول الأكثر ثراء بالفعل عن وعودها السابقة بتمويل المناخ، فإن القليل من الناس لديهم الأمل في توفير الموارد الكافية في هذه الجولة من المحادثات.
إن غياب المناقشة المخطط لها خلال يوم الصحة لمؤتمر الأطراف الثامن والعشرين حول الحد من استخدام الوقود الأحفوري يبدو أيضًا وكأنه فرصة ضائعة.
وهذا مهم لأن نفس الانبعاثات التي تسبب تغير المناخ لها أيضًا تأثيرات صحية مباشرة في حد ذاتها. وأي تأخير في الحد من الاعتماد على الوقود الأحفوري والتحول إلى الطاقة المتجددة سيعني استمرار الوفيات التي يمكن الوقاية منها بسبب تلك الملوثات. وقال ديارميد كامبل ليندرم، رئيس فريق المناخ والصحة التابع لمنظمة الصحة العالمية، إن أي تأخير سيصل إلى ملايين الوفيات.
ورغم أهميته، كما لاحظ النقاد بحق، فإن التركيز على التكيف (كيف تتمكن الأنظمة الصحية من التعامل مع تغير المناخ)، لا ينبغي له أن يأتي على حساب مناقشة لا تقل أهمية وإلحاحاً حول التخفيف (كيف يمكن إبطاء تغير المناخ والحد منه).
يمكن أن يكون مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين لحظة مهمة لدمج الصحة العامة العالمية في المناقشات والسياسات والتمويل المتعلقة بتغير المناخ. ومهما كانت القيود المفروضة على المناقشة المقرر عقدها يوم الأحد، فمن المأمول أن تؤدي إلى زخم في دمج الصحة بشكل أفضل في الاستجابات العالمية والمحلية لحالة الطوارئ المناخية.
في النهاية، سيكون التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري هو الذي سيحسن صحتنا جميعًا، ولكن بشكل خاص الفقراء والأكثر ضعفًا الذين لم يفعلوا سوى القليل ولكنهم يتحملون الكثير من أسوأ تأثيرات حالة الطوارئ المناخية.
