منذ هجوم حماس على إسرائيل والحملة العسكرية التي تلت ذلك في غزة، وجدت إسرائيل نفسها هدفا للصواريخ والطائرات بدون طيار التي تطلقها الجماعات المدعومة من إيران من نقاط مختلفة في الشرق الأوسط. ورغم عدم حدوث تصعيد واسع النطاق من جانب جماعات مثل حزب الله في لبنان، فإن الهجمات، التي تم اعتراض العديد منها، كانت بمثابة تحذير لما يوجد تحت تصرف أعداء إسرائيل في المنطقة.
وقد شكلت إحدى الحوادث المحددة خروجًا ملحوظًا عن الهجمات السابقة على إسرائيل، وسوف تسبب قلقًا متزايدًا للمسؤولين الأمنيين في البلاد. في 9 تشرين الثاني/نوفمبر، قصفت طائرة بدون طيار انطلقت من سوريا مدرسة في مدينة إيلات جنوب إسرائيل. وتمكنت الطائرة بدون طيار من إصابة هدف يبعد أكثر من 400 كيلومتر عن أقرب الأراضي السورية. وشملت الهجمات السابقة على إسرائيل من سوريا عادة قصف بقذائف الهاون عبر الحدود يقتصر على المناطق غير المأهولة بالسكان.
وبعيدًا عن مدى وصولها لمسافات طويلة، فإن قدرة الطائرة بدون طيار على الطيران دون أن يتم اكتشافها وتنفيذ ضربة دقيقة تشير إلى تورط مشغل مدرب جيدًا. والرسالة التي نقلها الهجوم جديرة بالملاحظة أيضًا؛ إنه يوضح القدرة على استهداف أي موقع في إسرائيل من سوريا. إيلات هي المدينة الواقعة في أقصى جنوب إسرائيل وميناؤها الوحيد على الجزء المطل على ساحل البحر الأحمر في البلاد. والسؤال الذي يلوح في الأفق هو: من المسؤول عن الهجوم؟ وكيف تمكنوا من الوصول إلى الهدف دون إطلاق إنذارات من أنظمة الدفاع الإسرائيلية المتطورة؟
وقال الجيش الإسرائيلي إن الطائرة بدون طيار تحطمت في المدرسة بينما كان حوالي 40 طالبا في الطابق السفلي. ولم يبلغ عن أي إصابات خطيرة.
وفي اليوم التالي، قال الجيش الإسرائيلي إنه رد باستهداف التنظيم المسؤول في سوريا عن إطلاق الطائرة بدون طيار. لكن البيان لم يحدد هوية المجموعة ولم يذكر تفاصيل حول الهدف.
في البداية، كانت هناك شكوك في أن الهجوم نشأ في اليمن، بعد عدة محاولات أخيرة لضرب إسرائيل نفذها الحوثيون المدعومين من إيران. أشارت فحوصات شظايا الطائرة بدون طيار إلى أنها على الأرجح من طراز شاهد-101 إيرانية الصنع أو طراز مماثل. ويصل مدى شاهد-101 إلى 700 كيلومتر. وبالنظر إلى أن المسافة من الحدود اليمنية إلى إيلات تبلغ حوالي 2000 كيلومتر، فقد أصبح من الواضح أن الطائرة بدون طيار لا بد أن تكون قد أطلقت من موقع أقرب إلى إسرائيل.
يستمر تداول نظريتين أساسيتين فيما يتعلق بموقع الإطلاق ومن كان يقوم بتشغيل الطائرة بدون طيار. الافتراض السائد هو أن الطائرة بدون طيار تم إطلاقها من جنوب سوريا من قبل حزب الله، أو مجموعة مرتبطة به، والتي كان لها وجود كبير هناك منذ أن دعمت الجماعة اللبنانية بشار الأسد في الحرب الأهلية السورية.
وأعلن حزب الله أن سبعة من مقاتليه قتلوا يوم الهجوم بطائرة بدون طيار في إيلات، دون الكشف عن مكان مقتلهم. ومع ذلك، فإن التقارير التي نقلت عن مسؤول في حزب الله، من بين آخرين، اعترافهم بأنهم قتلوا في سوريا، زادت من الشكوك في أن السبعة قتلوا في الغارة الجوية الانتقامية الإسرائيلية.
وإذا ثبتت دقة هذه التقارير، فإنها سترتبط بالمخاوف الإسرائيلية بشأن قدرة حزب الله على الطائرات بدون طيار ونفوذه الكبير في جنوب سوريا. إن غياب الاعتراف الرسمي من أي من الطرفين قد ينبع من المصلحة المشتركة في منع المزيد من التصعيد.
لكن هناك نظرية ثانية حول من المسؤول. وحدد الموقع الإخباري الإسرائيلي “والا” فرقة الإمام الحسين النخبوية المدعومة من إيران باعتبارها المسؤولة عن الهجوم. المجموعة، المعروفة أيضًا باسم كتائب الإمام الحسين، أنشأها الحرس الثوري الإسلامي في سوريا عام 2016 ومسلحة بطائرات بدون طيار إيرانية الصنع وصواريخ أرض-أرض وأرض-جو.
لكن وسائل الإعلام لم تحدد مصدر الهجوم. وقال خبراء عسكريون لكاتب المقال إنه في حين يظل جنوب سوريا موقعًا محتملاً، فإن شمال شرق سوريا، معقل الإمام الحسين، يعتبر نقطة انطلاق أكثر ترجيحًا. إن المسافة الكبيرة بين شمال شرق سوريا والحدود مع إسرائيل تجعلها نقطة إطلاق أكثر استراتيجية للطائرة بدون طيار مقارنة بالجزء الجنوبي من سوريا، الذي يخضع لمراقبة إسرائيلية وثيقة.
وبغض النظر عن الرواية الأكثر دقة لهجوم 9 تشرين الثاني/نوفمبر، فإن كلاهما يشير إلى احتمال شن هجمات بطائرات بدون طيار من أجزاء مختلفة من سوريا. مسار الطائرة بدون طيار هو تفاصيل مهمة بنفس القدر. وتشير جميع التقارير إلى أن الطائرة بدون طيار اقتربت من إيلات من اتجاه الأردن، حيث قطعت مئات الكيلومترات عبر المجال الجوي للمملكة.
وقال نفس الخبراء العسكريين إن اختيار المجال الجوي الأردني لمسار الطائرة بدون طيار يرجع إلى أن إسرائيل ترى أن حدودها مع الأردن منخفضة المخاطر نسبيًا. وبالتالي، تقوم تل أبيب بتوجيه أجهزة الاستشعار والرادارات وطائرات الدورية الخاصة بها إلى المناطق التي يعتبر فيها خطر الهجمات أعلى، مثل جنوب سوريا. تضيف التضاريس الوعرة على طول الحدود الأردنية الإسرائيلية بالقرب من إيلات تعقيدًا لكشف الطائرات بدون طيار وتوفر غطاءً للأجهزة التي تقترب من مسافة بعيدة على ارتفاعات منخفضة.
علاوة على ذلك، فإن السمات المميزة للطائرة بدون طيار سهلت طيرانها الخفي إلى الهدف دون إثارة إنذارات إسرائيل. وهي تطير بسرعة بطيئة، وعلى ارتفاعات منخفضة، ويمكن برمجتها للانحراف عن المسار المستقيم، ولها حجم صغير.
وفي خضم الصراع في غزة، من غير المرجح أن يكون الهجوم بطائرات بدون طيار من سوريا هو الأخير. ومن المتوقع أن يعزز الجيش الإسرائيلي الإجراءات الأمنية على طول الحدود الأردنية. ومع ذلك، فإن التحديات التقنية، ومشاركة إسرائيل على جبهات مختلفة، وقدرة الجماعات المدعومة من إيران على نشر طائرات بدون طيار متعددة وأكثر تقدمًا، تقلل من احتمال قيام إسرائيل بتحييد التهديد تمامًا.
ومن ثم فإن الحل الدبلوماسي لقضية غزة هو الوسيلة الوحيدة المضمونة لمنع المزيد من التصعيد ضد إسرائيل، محليا وإقليميا.
