تونس
لجأت السلطات التونسية إلى خبراء صينيين في محاولة لإعادة تأهيل المجمع الكيميائي في ولاية قابس الجنوبية، والذي كان مركزا لأزمة تلوث إثر تسرب الغازات السامة.
وقال مراقبون إن هذه الخطوة لطلب المساعدة الصينية تشير إلى توجه تونس المتنامي نحو الشرق وتعكس مسعى لإيجاد شركاء صناعيين جدد خارج حلفائها الغربيين التقليديين.
وأضافوا أن أي قرار لإعادة تأهيل المجمع يجب أن يأخذ في الاعتبار الوضع البيئي الحقيقي في قابس، بالتشاور مع منظمات المجتمع المدني في المنطقة، وأن يتضمن تدابير كافية للصحة العامة.
أعلنت وزارة التجهيز والإسكان التونسية عن محادثات مع السفير الصيني في تونس تهدف إلى إعادة تأهيل المجمع الكيميائي في قابس حيث تتواصل الاحتجاجات منذ أكثر من أسبوع ضد التلوث.
وقالت الوزارة في بيان لها، إن وزير التجهيز صلاح الزواري التقى، السبت، السفير وان لي، لبحث “إمكانية تأهيل وحدات الإنتاج في منطقة شط السلام ومعالجة الانبعاثات والتسربات الغازية والقضاء على أسبابها وإنهاء التلوث البيئي في المنطقة”.
وتأمل السلطات بقيادة الرئيس قيس سعيد الحصول على مساعدة صينية في إطار الجهود المبذولة لتخفيف الاضطرابات في قابس مع تعميق العلاقات السياسية والاقتصادية مع بكين.
وقال المحلل السياسي منذر ثابت: “هذه الخطوة تعكس البحث عن شركاء جدد، وتأتي في سياق التنويع بعيدا عن الشركات الغربية التقليدية مثل تلك الموجودة في الولايات المتحدة”.
وقال لـ “العرب ويكلي” إن “هذا يعني على المدى القصير استبدال التقنيات الملوثة بتقنيات صديقة للبيئة. إنه تحد يتطلب الشراكة والتفاهم، وبالتالي لا يمكن تجاهل الحوار الاجتماعي عند نقل الوحدات الصناعية بعيدا عن المناطق السكنية. قطاع الفوسفات مربح وتنافسي، وتونس في منافسة مع المغرب والجزائر على هذا المورد، وبالتالي فإن وقف الإنتاج يعني في المقام الأول خسارة اقتصادية”.
وأضاف ثابت أن “قطاع التعدين والفوسفات يوفر ما لا يقل عن 30 ألف فرصة عمل، ما يجعل منه قضية مالية واستراتيجية مرتبطة بشكل مباشر بالأمن الاقتصادي الوطني”.
وتابع: “نحن نواجه التحدي المتمثل في الحفاظ على فرص العمل. ما نحتاجه هو جدول زمني واضح لإعادة تأهيل المجمع، إلى جانب تدابير حماية الصحة العامة المصاحبة. ومن الضروري الاتفاق بين السلطات والمجالس الجهوية في قابس على تنفيذ هذه الأجندة”.
ويطالب المتظاهرون ومنظمات المجتمع المدني بتنفيذ القرار الحكومي الصادر عام 2017 والذي يقضي بتفكيك الوحدات الصناعية. ومع ذلك، بدلا من تفكيكها، يبدو من المرجح الآن أن تتخذ السلطات تدابير تهدف إلى الحد من التلوث وتخفيف الأثر البيئي للمجمع، في محاولة لتجنب التكلفة الاقتصادية والمالية للإغلاق.
وقالت ناشطة المجتمع المدني ريم ثابت: “المهم الآن هو تسريع الدراسات والتحرك الفوري لمعالجة أزمة التلوث في المنطقة. لقد انتظرنا الوعود لفترة طويلة”.
وقالت لصحيفة “العرب ويكلي”: “نريد حلولاً سريعة. نحن في سباق مع الزمن. قابس هي إحدى الواحات الساحلية النادرة في البحر الأبيض المتوسط، لكن التلوث الشديد يعرض مستقبلها للخطر”.
وقال صابر عمار، عضو حملة “أوقفوا التلوث” التي تقود الاحتجاجات السلمية في قابس، إن “المجمع أصبح يشكل خطرا على حياة الناس. ولن تتراجع قابس عن مطلبها بتفكيك الوحدات الصناعية. المجمع لم يساهم بشيء في التنمية المحلية ولم يحل مشكلة البطالة”.
وأعلن الفرع المحلي للاتحاد العام التونسي للشغل إضرابا عاما يوم الثلاثاء “دفاعا عن الحق في بيئة نظيفة”.
تم بناء مجمع قابس الكيميائي، الواقع على الساحل الجنوبي الشرقي لتونس على بعد حوالي 400 كيلومتر من العاصمة، في عام 1972. ومع مرور الوقت، تسبب في مشاكل صحية خطيرة للسكان القريبين، بما في ذلك ارتفاع حالات السرطان، وألحق أضرارًا جسيمة بالشواطئ المحلية والحياة البحرية.
وخرج آلاف الأشخاص في المدينة الساحلية إلى الشوارع في الأيام الأخيرة مطالبين بإغلاق المجمع الذي يعالج الفوسفات. وهم يلومونه على عشرات حالات التسمم بالغاز وغيرها من القضايا الصحية المرتبطة بالتلوث.
وجاءت موجة الاحتجاجات في أعقاب حوادث اختناق جماعي متكررة بين تلاميذ مدرسة شط السلام الابتدائية القريبة، الأمر الذي أثار غضبا واسع النطاق بين السكان.
