حصان طروادة الحديث: يومان من الفوضى في لبنان

إنها الساعة الثالثة والنصف بعد الظهر من يوم 17 سبتمبر/أيلول. الناس في لبنان يمارسون أعمالهم اليومية، فيتسوقون، ويقصون شعرهم، ويعقدون اجتماعات.

ثم تطلق مئات من أجهزة النداء في جميع أنحاء البلاد، وحتى خارج حدودها، رسالة في وقت واحد وتنفجر، مما يؤدي إلى إصابة وقتل أصحابها والمارة أيضًا.

وتم استخدام أجهزة الاتصالات من قبل أعضاء حزب الله اللبناني الشيعي المدعوم من إيران، والذي سارع إلى إلقاء اللوم على إسرائيل في العملية، كما فعلت العديد من المنظمات الإعلامية الدولية.

ولم تؤكد إسرائيل أو تنف هذه الاتهامات، وفقا لأعرافها فيما يتعلق بالعمليات خارج حدودها.

لكن المراقبين يقولون إن الانفجارات المتزامنة تحمل كل السمات المميزة لعملية نفذتها إسرائيل، والتي يبدو أنها تسللت إلى سلسلة توريد إنتاج أجهزة النداء، ووضعت متفجرات صغيرة ولكنها قوية داخلها.

وربما تكون إسرائيل قد أنشأت شركة وهمية لتزويد حزب الله بهذه الأجهزة في مشروع سيستمر لسنوات طويلة، ويبدو خياليا حتى في فيلم إثارة تجسسي، وفقا للمحللين.

ولكن هذا لم يكن النهاية. ففي اليوم التالي، في الثامن عشر من سبتمبر/أيلول، وفي نفس الوقت تقريباً من بعد الظهر، انفجرت أداة أخرى منخفضة الجودة، وهي أجهزة الاتصال اللاسلكي التي يستخدمها كوادر حزب الله، حتى في خضم جنازات القتلى في هجمات أجهزة الاتصال اللاسلكي.

وفي اليوم التالي، أدلى زعيم حزب الله حسن نصر الله، الذي كان قد طلب من أعضاء المجموعة استخدام أجهزة منخفضة الجودة حتى لا يتم استهدافهم من قبل إسرائيل من خلال وضع هواتفهم الذكية، بأول تعليقات علنية له، معترفًا بـ “ضربة غير مسبوقة” ولكنه تعهد أيضًا “بالانتقام القاسي والعقاب العادل” لإسرائيل.

ورغم أنه لا يوجد أدنى شك في أن إسرائيل كانت وراء هذه العملية، فإن التساؤلات ظلت تطرح نفسها. لماذا الآن؟ هل كانت هذه بداية الهجوم الإسرائيلي على جنوب لبنان الذي يثير مخاوف واسعة النطاق؟ أم أن إسرائيل قامت بتفعيل العبوات الناسفة الآن ببساطة لأنها كانت تخشى أن تتعرض العملية برمتها للخطر؟

– “في خضم حياتهم العادية” –

وشعر الجميع بالانفجارات في معاقل حزب الله في مختلف أنحاء لبنان: الضاحية الجنوبية لبيروت، وجنوب البلاد، ومنطقة البقاع في الشرق، وكذلك في سوريا.

قُتل ما لا يقل عن 37 شخصًا في الهجومين وأصيب الآلاف.

وكان من بين الجرحى السفير الإيراني في لبنان. لكن القتلى كانوا أيضا فتاة تبلغ من العمر 10 أعوام وطفل آخر. ومع امتلاء المستشفيات بالجرحى كانت الجروح الأكثر شيوعا هي الأيدي والعينين المشوهتين.

وقال يوروم شفايتزر، ضابط الاستخبارات السابق الذي يعمل الآن في معهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب، إن “حزب الله تلقى ضربة خطيرة للغاية على المستوى التكتيكي، وهي ضربة مؤثرة وشاملة تؤثر على الجانب العملياتي والجانب المعرفي”.

وأضاف بيتر هارلينغ، مؤسس مركز أبحاث سينابس لاب: “قد تكون الأهداف أعضاء في حزب الله، لكن العديد منهم وقعوا في وسط حياتهم العادية، وفي قلب مجتمعاتهم”.

“وهذا أيضًا خرق من الصعب للغاية تفسيره”.

وحذر المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة فولكر تورك من أن الاستهداف المتزامن لآلاف الأفراد “سواء كانوا مدنيين أو أعضاء في جماعات مسلحة” دون معرفة من كان حولهم في ذلك الوقت “يشكل انتهاكا للقانون الدولي لحقوق الإنسان”.

وقالت لما فقيه، المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش، إن القانون الإنساني الدولي يحظر استخدام “الأفخاخ المتفجرة” على وجه التحديد لتجنب تعريض المدنيين لخطر جسيم “وإنتاج المشاهد المدمرة التي لا تزال تتكشف في جميع أنحاء لبنان”.

– “الجبهة الإسرائيلية” –

وأعرب خبراء التجسس عن إعجابهم بالطريقة التي تم بها تنفيذ العملية.

وقال أحد العاملين في جهاز استخبارات أوروبي، طلب عدم ذكر اسمه: “إنها ليست إنجازاً تكنولوجياً، بل هي نتيجة للاستخبارات البشرية واللوجستيات الثقيلة”.

واعترضت الأجهزة الإسرائيلية الأجهزة الصغيرة التي تحمل اسم شركة غولد أبولو في تايوان قبل وصولها إلى لبنان، وفق ما ذكرت مصادر أمنية متعددة تحدثت لوكالة فرانس برس، وطلبت عدم الكشف عن هويتها.

لكن الشركة التايوانية نفت تصنيعها وأشارت إلى شريكتها المجرية BAC.

تأسست الشركة في عام 2022، وهي مسجلة في بودابست. ويظهر رئيسها التنفيذي، كريستيانا بارسوني أرسيدياكونو، هناك باعتباره الموظف الوحيد.

وذكرت السلطات المجرية أن الأجهزة المذكورة لم تكن موجودة على الأراضي المجرية مطلقًا.

وذكرت صحيفة نيويورك تايمز نقلا عن ثلاثة مصادر استخباراتية أن شركة BAC كانت “جزءا من واجهة إسرائيلية” مع إنشاء شركتين وهميتين أخريين على الأقل لإخفاء الهويات الحقيقية للأشخاص الذين أنشأوا أجهزة النداء وهم ضباط استخبارات إسرائيليون.

ووصفت أجهزة الاستدعاء بأنها “حصان طروادة العصر الحديث” نسبة إلى الحصان الخشبي الذي قيل إن اليونانيين استخدموه لدخول مدينة طروادة في حرب طروادة.

– “عملية مثيرة للإعجاب” –

ويأتي هذا الهجوم بعد عام تقريبا من تنفيذ حركة حماس حليفة حزب الله هجومها على إسرائيل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، مما أدى إلى اندلاع الحرب في غزة.

ومنذ ذلك الحين، تركزت قوة النيران الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية، لكن مقاتلي حزب الله والقوات الإسرائيلية تبادلوا إطلاق النار بشكل شبه يومي عبر منطقة الحدود منذ أكتوبر/تشرين الأول، مما أجبر الآلاف على الجانبين على الفرار من منازلهم.

وقال وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت إن تركيز الحرب يتحول نحو لبنان، فيما قالت الحكومة إن تأمين الجبهة الشمالية هو هدف رئيسي، من أجل السماح للإسرائيليين الذين تم إجلاؤهم من المنطقة بالعودة إلى ديارهم.

وقال شفايتزر إنه على الرغم من طبيعة عملية الجهاز المذهلة فإنها لا تمثل نهاية عمل إسرائيل لإضعاف حزب الله.

“لا أعتقد أن هذه العملية المثيرة للإعجاب والتي لها مكاسبها التكتيكية… قد وصلت إلى الطبقات الاستراتيجية بعد.

وأضاف أن “هذا لا يغير المعادلة، ولا يشكل انتصارا حاسما، لكنه يرسل إشارة أخرى إلى حزب الله وإيران وغيرهما”.